قضت محكمة الطفل في مصر، الثلاثاء، بسجن “البلوغر” سوزي أيمن (المعروفة بِاسم “سوزي الأردنية”) عامين وتغريمها 300 ألف جنيه بتهمة “التعدي على القيم الأسرية”. الحكم لا يزال أوليًا ومن المؤكد تخفيضه في درجات التقاضي الأخرى، إلا أنه يأتي ضمن سلسلة من الأحكام القضائية التي طالت عددًا من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة بتهمة نشر فيديوهات فاضحة “تُحرّض على الفسق والدعارة”.

الحُكم الذي طالَ البلوغر المصرية جاء على وقْع بلاغ تقدّم به المحامي أيمن محفوظ ضدها، يتهمها فيه بخدش الحياء العام وانتهاك قيم الأسر واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر محتوى غير لائق.

تطهير المجتمع بـ”البلاغات”

لم يكن هذا هو البلاغ الوحيد الذي تقدّم به محفوظ ضد عددٍ من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما هو واحد من عشرات البلاغات التي طالت عددا من الممثلين والمطربين ضمن ما أطلق عليه محفوظ “حملة تطهير المجتمع”.

“بعد 2011 قررتُ دعم الدولة ومؤسساتها في ظل المؤامرة علينا”، بدأ محفوظ حديثه لموقع “الحرة”، مبررًا أسباب تقديمه هذا الكمِّ من البلاغات ضد عددٍ كبير من الناس، دافع عن نفسه قائلاً “لسنا محامين حسبة كما يقولون علينا ولكننا نسعى لتنفيذ القانون”.

قضايا “ازدراء الأديان” و”الفسق” في مصر.. قمع للحريات أم حماية للمجتمع؟

أعادت قضايا تعرض لها مدونون مصريون الجدل المتكرر في المجتمع المصري بشأن قوانين يعتبرها البعض “قمعا لحرية التعبير”.

من أشهر ضحايا “بلاغات محفوظ” من المؤثرات على “تيك تيك”، هما الفتاتان مودة الأدهم وحنين حسام، اللتان صدر ضدهما حكمًا في 2021 بالسجن والغرامة بتُهمة “التعدى على قيم الأسرة المصرية”، ومنهم أيضًا الروائي المعارض علاء الأسواني الذي لُوحق قضائيًا في 2019م -بناء على بلاغ أيمن- بتهمة “إهانة الرئيس”.

رغبة محفوظ في الحفاظ على ما يقول إنها “قيم الأسرة” لا تتوقف على ملاحقة الأفراد وإنما امتدَّت أيضًا إلى تطبيقات الهاتف الذكي، بعدما قدّم بلاغين متعاقبين يطالب بمنع الشباب من لعبة “غاتا” بدعوى أنها تحرّض الصغار على مهاجمة مقار الشرطة وحظر تطبيق “تيك توك” باعتباره جزء من مؤامرة خارجية على مصر، وفقًا لوصفه.

يعتمد المحامي المصري في تقديم هذه البلاغات على المادة 25 من قانون الإجراءات الجنائية، التي تنصُّ على أن “كل مَن علم بوقوع جريمة يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها أن يبلغ النيابة أو أحد مأموري الضبط القضائي عنها”.

“بعض هذه البلاغات لا تهتم بها السلطات، لكنها تحظى باهتمام الإعلام، في النهاية جهات التحقيق لن تقرر تحويل البلاغ إلى قضية إلا بعد تأكدها من صدق الاتهامات”، أوضح محفوظ لموقع الحرة.

نشطاء يدينون أحكاما بالسجن على فتاتين مصريتين نشرتا مقاطع فيديو

أثارت أحكام بسجن مصريتين، يتابعهما عدد ضخم من الناس على موقعي التواصل الاجتماعي تيك توك ولايكي، بتهم الإتجار بالبشر قلق مدافعين عن حقوق الإنسان يقولون إن التهم لا أساس لها وتشير إلى تشديد حملة قمع على حريات الإنترنت.

عبر الاستناد على هذه المادة، وجّه محفوظ عشرات الإنذارات القضائية لنقابتي الموسيقيين والمهن التمثيلية لاتخاذ إجراءات ضد ما يعتبرها “جرائم” يقوم بها الممثلون والموسيقيون، أبرز هؤلاء الفنان محمد رمضان، الذي لاحقه محفوظ قضائيًا بسبب كلمات إحدى أغنياته التي اعتبرها “مسيئة”.

يشرح محفوظ: “إذا كان الفنان المشكو بحقه غير معروف يتم إيقافه، أما إذا كان من النجوم المشاهير فيتجاهل أشرف زكي نقيب الممثلين الإنذارات وبعدها يقول إنه سيُخضع الأمر للتحقيق”.

لا يعتبر المحامي المصري أن مثل هذه التصرفات تشكّل تهديدًا لحرية التعبير والإبداع في مصر قائلاً، إن هناك فارقًا شاسعًا بين حرية التعبير وحرية الإجرام، عندما تظهر الفنانة إلهام شاهين لتدافع عن إقامة علاقات جنسية دون زواج فهذا ليس رأيًا وإنما تحريضًا على الفسق وتحريضًا والدعارة.

يشرح: “هؤلاء هم صفوة المجتمع والناس تقلدهم في سلوكياتهم، الفنان محمد رمضان عندما يمجّد البلطجة في الأفلام الشباب الصغار يقتدون به، لذا يجب أن يلتزموا بالقانون”.

المفوضية هي الحل

“ها النوع من القضايا يصنع وصاية على المجتمع ويعيد تذكيرنا بقضايا الحسبة قديمًا والتي كانت تصل إلى تكفير البعض وتفريقهم عن زوجاتهم”، هكذا بدأت المحامية المصرية انتصار السعيد، رئيس مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون/ حديثها لموقع قناة الحرة.

كان عام 1994 شاهدًا على قضية شغلت الرأي العام المصري كثيرًا بعدما تقدّم أستاذ الآداب في جامعة القاهرة نصر حامد أبو زيد ببعض أبحاثه في الشريعة الإسلامية إلى لجنة جامعية لبحث طلبه لنيل الترقية، بدلاً منها نال اتهامًا بالكفر تسرّب إلى الصحافة وباتت قضية رأي عام انتهت بالحكم بتكفير أبي زيد وفسخ زواجه بالدكتورة ابتهال أبو زيد.

لا ترى المحامية المصرية أي خلاف بين ما يجري حاليًا في المحاكم وبين تلك القضايا، مؤكدة أنها “امتداد لحالة الوصاية على الأفراد، لو ترق لي آراءك سأكفرك وأسجنك”.

واعتبرت أن الدافع الرئيسي لهذه الممارسات هو رغبة بعض المحامين في البحث عن الشهرة لجذب المزيد من العملاء إلى مكاتبهم، بجانبهم هناك آخرون مقتنعون بالفعل أنهم يقومون بدورٍ في حماية المجتمع عبر تنظيم ما أطلقت عليه “جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” داخل المجتمع المصري.

واستنكرت انتصار السعيد الملاحقة القانونية التي تعرضت لها الممثلة المصرية إلهام شاهين عقب تصريحها بأنها تدعم المساكنة (إقامة علاقة جنسية قبل الزواج)، قائلة: “هل المساكنة فيها جريمة؟ أين الجريمة؟ حتى القانون المصري لا يعاقب على العلاقات الرضائية، القانون يعاقب على الجنس مقابل أجر، هذه مزايدة حتى على القانون، هي قالت رأي يترد عليه بالرأي الآخر، لكن البعض يختار المزايدة حتى على القانون”.

وانتقدت المحامية الحقوقية شيوع ملاحقة الأفراد قانونيًا بتهم فضفاضة مثل “هدم قيم الأسرة المصرية”، تقول: “هذه القيم هي أمر متفاوت من مدينة لمدينة ومن أسرة لأسرة ومن طبقة اجتماعية لطبقة أخرى، كيف تكون معيارًا واضحًا؟!”.

وتتابع، أنه عندما ترتدي الممثلات في مهرجان الجونة ملابس مثيرة لا يُلاحقن قضائيًا، بعكس ما يجري حينما تفعل المثل فتيات من الطبقة المتوسطة، إذن الموضوع له علاقة بالبُعد الاجتماعي، لأن البنت كلما كانت من طبقة اجتماعية فقيرة كانت الفرصة أكبر لممارسة الوصاية عليها.

وحول ما إذا كانت مصر بحاجة لتحسين “البنية التشريعية” التي تسمح بصدور تلك الأحكام، أكدت انتصار “بالطبع عندنا مشكلة الاستغلال السيء للقوانين التي تتيح هذا النوع من البلاغات التي تلاحق كل ماهو مختلف”.

واعتبرت الحقوقية المصرية أن هذا “العوار التشريعي” يتعارض مع الدستور الذي ينص على مبدأ المساواة بين المواطنين وواجب حمايتهم من جميع أشكال التمييز والحض على الكراهية.

وضربت انتصار مثلاً بالأحكام القضائية التي لاحقت عددًا من “البلوغرز”، مؤكدة أنهن كنَّ يقدمن محتوى “تافهًا” لكنه ليس مبرراً لسجنهن سنوات طويلة.

“كل صورة قد تؤدي للسجن”.. سيف “قيم الأسرة” يهدد حريات نساء مصر

أثار القبض على إحدى فتيات تيك توك بعد التقاطها مقطع فيديو وصورا قرب إحدى المواقع الأثرية، وهي ترتدي ملابس ذات طابع فرعوني، والتي وصفت بـ “الفاضحة”، جدلا كبيرا في مصر، وتساؤلات حول وضع حقوق المرأة في مصر.

واعتبرت انتصار السعيد أن الحل الأمثل لمواجهة هذه الإشكالية يتمثل بتفعيل نص المادة 53 من الدستور الحالي الخاص بإنشاء المفوضية المستقلة لمناهضة جميع أشكال التمييز.

ورغم مرور 10 سنوات على إقرار هذا الدستور، فإن هذه المفوضية لم تُنشأ بعد، وخلال جلسات الحوار الوطني الذي دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي لإقامته بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية في مصر من أبريل 2022، تجدّدت الدعوة لتدشين تلك المفوضية التي تحتاج إلى قانون يُصدره مجلس النواب.

مبالغة من الجميع

أما رشا صبري، المحامية المتخصصة في قضايا الأسرة، فلقد أدانت الطرفين خلال حديثها لموقع الحرة، بعدما اعتبرت أن الطرفين (المحامون والمؤثرون) يسعيان لإثارة “ضجة مقصودة” للفت انتباه الناس إليهم ويكونون “تريند”.

وترفض رشا محاكمة المشاهير بسبب آراء صرّحوا بها للإعلام مهما كانت مختلفة مع قناعات الكثير من الناس، توضح “أنا أفرّق بين أمرين؛ شخص يقول رأيه وهو حر به وآخر يحاول حشد الناس وإقناعهم إلى شيءٍ منافٍ للدين ولعادات المجتمع، لكن في الواقع كلاهما ينالان نفس العقوبة”.

وأوضحت المحامية المصرية أن أكثر ما يثير شفقتها في هذه الصراعات هن الفتيات اللاتي نلن أحكامًا بالحبس، تشرح “لا يمتلكن خبرات كبيرة، ولم يتربين في بيئات تترسخ فيها قيم المجتمعات، أتوقع أن توقع عليهن غرامة ونضعهن في برامج إصلاحية، لكن سجن فتاة في سن الـ17 أمر صعب”.

بعد حنين حسام.. القبض على “فتاة التيك توك” المصرية لـ”تحريضها على الفجور”

بعد إلقاء القبض على الطالبة المصرية حنين حسام لنشرها مقاطع فيديو اعتبرت “مسيئة”، اعتقلت السلطات المصرية في إحدى ضواحي القاهرة مساء الخميس فتاة أخرى لأسباب مماثلة

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version