توشك المنظومة الصحية في العاصمة السودانية على الانهيار بعد أن تحولت المستشفيات إلى قواعد تساهم في المجهود الحربي، وبالتالي أهداف عسكرية وساحات للقتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.

ويهدد استمرار هذا الوضع بمأساة إنسانية خاصة لأصحاب الأمراض المزمنة الذين لا يمكنهم تحمل البقاء دون علاج ودواء لفترة طويلة، على غرار مرضى الكلى والسرطان.

ويتبادل الجيش وقوات الدعم السريع -اللذان يتصارعان منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي- التهم باقتحام المستشفيات وقصف المنشآت الصحية.

خروج مستشفيات سودانية من الخدمة جراء الاقتتال

تعطل نصف المستشفيات

ويكشف تقرير لمركز الخبراء العرب للخدمات الصحفية ودراسات الرأي العام (مستقل) أن قوات الدعم السريع أخلت نحو 21 مستشفى ومؤسسة صحية من الأطباء والمرضى، الأسبوعين الثالث والرابع من القتال.

وتسبب ذلك في تعطل 55% من المستشفيات وتوقفها عن مهامها السريرية والعلاجية والخدمات التشخيصية، وفق التقرير الذي يرصد الفترة من 15 أبريل/نيسان إلى 15 مايو/أيار الجاري.

وفي 17 مايو/أيار، أعلنت وزارة الصحة أن قوات الدعم السريع تمركزت في 24 مستشفى، و4 مؤسسات صحية حيوية وهي: الصندوق القومي للإمدادات الطبية، معمل الصحة القومي، بنك الدم القومي، مجمع سلسلة تبريد اللقاحات.

من جانبها، اتهمت وزارة الخارجية قوات الدعم السريع باتخاذ 22 مرفقا صحيا ثكنات عسكرية بالخرطوم، وإخراج المرضى والحوامل، والتعدي على الكوادر الطبية.

وبهذا الصدد، دفعت الخارجية بمذكرة رسمية إلى منظمة الصحة العالمية عبر بعثتها الأممية في جنيف، تضمنت ما اعتبرته انتهاكات ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق المرافق الصحية.

وتضمنت المذكرة أسماء المستشفيات التي حولتها قوات الدعم السريع إلى ثكنات على غرار مستشفيات (الخرطوم، الشعب، الساحة، الرازي، شرق النيل، الوالدين، الكويتي، الأنف والأذن والحنجرة، الأسنان).

كما اتهمت الوزارة “الدعم السريع” بالتعدي على مجموعة من المستشفيات الخاصة، والمراكز الصحية مثل معمل الصحة القومي وبنك الدم المركزي.

واتهمت المذكرة “الدعم السريع” بالاعتداء على الكوادر الطبية وإرهاب المرضى وسرقة سيارات الإسعاف وقصف مستشفى الأمل بقذائف المدفعية، والهجوم على مستشفيات جبرة وأحمد قاسم للقلب والكلى، وإغلاق الصيدلية المركزية.

موقف “الدعم السريع”

في المقابل، تنفي “الدعم السريع” هذه الاتهامات وتحمل الجيش مسؤولية قصف مستشفى شرق النيل بالطيران الحربي مما خلف قتلى وجرحى، ووعدت الكوادر الطبية بحمايتها من أي “اعتداء”.

وأظهرت الصفحة الرسمية لقوات “الدعم السريع” شخصا يرتدي مئزرا طبيا أمام ما يبدو أنه مستشفى تعرض للقصف، ينفي فيه أن يكون مستشفى شرق النيل ثكنة لأي طرف، وأن به فقط مرضى وكوادر طبية.

ونقل موقع “القدس العربي” عن شهود عيان أن القصف الجوي على مستشفى شرق النيل في 15 مايو/أيار تسبب بوفاة شخصين وإصابة آخرين، وأدى لخسائر مادية بالمستشفى وتدمير عربتين عسكريتين للدعم السريع، ومقتل عدد من عناصرها.

ويعتبر الجيش أن قوات الدعم السريع حولت مستشفى شرق النيل، في خرطوم بحري، إلى مقر قيادة لمنطقة شرق النيل بالعاصمة، ولا ينفي استهدافه جوا.

بينما تتحدث وسائل إعلام عن وجود قيادات عسكرية لقوات الدعم السريع بمستشفى شرق النيل للعلاج من إصابات.

دروع عسكرية

ويرجع الأكاديمي السوداني محمد حسن فضل الله تحول المستشفيات والمراكز الصحية إلى أهداف عسكرية إلى 3 أسباب رئيسية:

أولها أن “الدعم السريع” كانت تبحث عن مستشفيات لإجلاء جرحاها، ثم لجأت إليها كملاذات آمنة من القصف الجوي للطيران الحربي، قبل أن تقوم مجموعات متفلتة منها بنهب المستشفيات دون أوامر من قادتها.

ويوضح فضل الله أن الأيام الأولى من المعارك شهدت إجلاء الجيش جرحاه إلى مستشفى السلاح الطبي في أم درمان غرب الخرطوم، بينما تعرضت معسكرات “الدعم السريع” للقصف الجوي وخرجت من الخدمة، مما تسبب في مشكلة بإجلاء جرحاها.

ويضيف أن قوات الدعم السريع -بداية المعارك- استخدمت مستشفى “الراقي” جنوب الخرطوم لإجلاء جرحاها، ثم لجأت إلى مستشفى “الساحة” جنوب مطار الخرطوم، كما احتمت بمستشفى “الشعب” المحاذي لمستشفى الخرطوم، واللذين يعتبران من أكبر المستشفيات بالعاصمة.

وأشار فضل الله إلى أن قوات الدعم السريع تدفقت فيما بعد إلى مستشفى شرق النيل (شرق الخرطوم) وحولته إلى مقر لقيادة شرق النيل العسكرية.

وقال الباحث بمركز الخبراء العرب للخدمات الصحفية ودراسات الرأي العام إن الجيش قصف جوا مولدات ومخازن الكهرباء والماء والوقود داخل مستشفى شرق النيل، بعد أن تحول إلى مركز قيادة جهوي لقوات الدعم السريع.

وفي تطور آخر لمعركة المستشفيات، تحدث الدكتور فضل الله عن اقتحام عناصر من قوات الدعم السريع لمستشفى القابلات (الولادة) وقاموا بنهبه، مما أثار غضبا واستنكارا من الرأي العام.

واستبعد أن تكون عملية نهب المستشفيات بأوامر من قادة قوات الدعم السريع، قائلا إن هذه العناصر “تحولت إلى عصابات نهب بدون أوامر من القيادة”.

وحذر من أن دخول قوات الدعم السريع إلى مصنع الهواء السائل لإنتاج الأوكسجين، صباح 18 مايو/أيار، يهدد حياة المرضى ويجعلها في خطر.

ساحة معركة

بدورها، دقت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء ناقوس الخطر إزاء تحويل المستشفيات إلى ثكنات، وبالتالي ساحة معارك.

وقالت إن الوجود العسكري داخل المؤسسات الطبية أو الارتكاز خارجها، أو استعمالها منصات للقصف، يؤدي لإيقاف الخدمة تماما، ويعرض الكوادر الطبية والمرضى لخطر الموت على حد سواء.

ومع دخول الحرب شهرها الثاني وارتفاع عدد المصابين جراء الاشتباكات سواء بين المدنيين أو العسكريين، تزداد الحاجة للمستشفيات والكوادر والمستلزمات الطبية.

غير أن تعطل أغلب المؤسسات الصحية، واحتمال انهيار خدمات ما تبقى منها، من شأنه جعل الوضع السيئ أكثر سوءا، ويهدد بفقدان كثير من الأرواح كان بالإمكان إنقاذها بالحالات الطبيعية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version