أنقرة– بعد آخر زيارة لوزير الخارجية المصري سامح شكري إلى أنقرة منتصف إبريل/نيسان الماضي، هل يعلن البلدان استعادة العلاقات الكاملة؟
ففي المؤتمر الصحفي مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، أفاد الأخير بأن مسار العلاقات سيستمر بهذا النحو من كلا الجانبين إلى أن يتم الإعلان في بيان مشترك للرأي العام عن رفع التمثيل الدبلوماسي لمستوى السفراء، مؤكداً أنه لا توجد مشكلة بهذه المسألة.
ويُعتبر الزخم المشهود مؤخراً في ملف المصالحة بين البلدين، والرغبة السياسية في إنهاء القطيعة المستمرة منذ عام 2013، من أهم المؤشرات الإيجابية، وإن كان التطبيع ليس بنفس سرعة تحسين العلاقات بين تركيا ودول عربية أخرى كالإمارات والسعودية.
وبعد زيارة شكري لتركيا بادرت مصر بأُولى خطوات التطبيع، حيث أكدت أنقرة، الثلاثاء الماضي، أن مواطنيها الراغبين في السفر إلى مصر سيتمكنون من الحصول على تأشيرات الدخول في المعابر المصرية.
وتعتبر الخطوة إيجابية على الصعيد السياسي، وأيضا هناك ارتياح من قبل المواطنين الأتراك خاصة الذين تربطهم روابط عائلية بمصر عندما كانوا يواجهون صعوبة في محاولة الحصول على التأشيرة المصرية.
دفعة للاقتصاد
اعتبر الإعلامي أحمد أبو شعيرة أن القرار سيعود بالنفع على الاقتصاد المصري المتعثّر مؤخراً بشكل كبير. وأكد للجزيرة نت أن القاهرة تهدف إلى تحقيق “رواج سياحي وهو جانب مهم جدا خصوصا في ظل الأزمات الخانقة التي يمر بها الاقتصاد المصري”.
وأشار أبو شعيرة إلى أن القرار يأتي في ظل وجود “أزمة الحصول على النقد الأجنبي والديون الخانقة” في مصر.
كما أضاف أن القرار المصري من شأنه أيضا أن يساهم في تعزيز الرواج الاقتصادي وتسهيل حرية تنقل الأفراد، ويفتح بشكل عملي السوق المصري أمام رجال الأعمال الأتراك لضخ رؤوس أموال واستثمارات خاصة بعد الإعلان من جانب بعض الداعمين الرئيسيين في مصر عن توقف استثماراتهم.
الأتراك من أصل مصري
وكان من أبرز ما تضمنه القرار المصري -بتسهيل التأشيرات للأتراك- فقرة خاصة باستثناء الأتراك من أصول مصرية من القرار.
جدير بالذكر أن السنوات الأخيرة شهدت حصول العديد من الأجانب وبينهم مصريون على الجنسية التركية سواء بالطرق التقليدية أو ضمن سياسات تشجع على الاستثمار.
ومن بين الحاصلين على الجنسية التركية، حديثا، منتسبو المعارضة المصرية بشكل عام وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص.
واستثناء المصريين من القرار يضمن عدم الاستفادة منه لما قد يتسبب بحدوث أزمة دبلوماسية بين البلدين، وذلك في حال تعرض أحد الحاصلين على الجنسية التركية لإجراءات أمنية بمصر.
وعاد أبو شعيرة ليقول إن المواطنين المصريين لا يحتاجون تأشيرة لدخول بلادهم، مشيرا إلى أن هناك حالة بين المعارضة المصرية من “عدم التفكير بالعودة أصلا في ظل نظام لا يعطي الحرية ولا يسمح لأي من كان بمعارضته”.
بدوره، علل الكاتب والمحلل السياسي على أسمر بأن هذا الاستثناء يرجع إلى وجود اتفاق بين القاهرة وأنقرة على المضي قدما في مسار تطبيع العلاقات والابتعاد عن أي شيء ممكن أن يضر أو يفاقم الوضع بين الجانبين.
الملفات العالقة
وأفاد أسمر -في حديثه للجزيرة نت- أن على رأس الملفات العالقة بين البلدين ملف المعارضة المصرية من جماعة الاخوان المسلمين الموجودين بتركيا، بالإضافة إلى ملفات أخرى تحمل طابعا إقليميا ودوليا كالوجود التركي في ليبيا.
وأوضح أن القرار المصري أتى ضمن التطورات الإيجابية التي تشهدها العلاقات التركية المصرية على الصعيد الاجتماعي، والتي يمكن اعتبارها “تمهيدا لاختراقات في الملفات السياسية العالقة”.
وأضاف أسمر أن “التطبيع الصحي” هو عملية تستغرق بعضا من الوقت، وتشهد عدة مراحل بداية بالمرحلة الاجتماعية والتي تتمثل بفتح المناخ لحرية التنقل على مستوى الأفراد سواء للزيارات بأغراضها المختلفة والسياحة.
ثانيا -يقول حسب الكاتب السياسي- تأتي المرحلة الاقتصادية، وهي تشمل التعاون الاقتصادي والاستيراد والتصدير.
وعلى الرغم من احتدام الخلاف بين الجانبين، السنوات الماضية، إلا أن العلاقات التجارية لم تتأثر بينهما.
خارطة طريق
وأفاد أسمر أن المرحلة السياسية المستهدفة حاليا هي “الأعقد” وتتطلب تمهيدات كثيرة لعودة الثقة بين البلدين “ولهذا لم نشهد إلى الآن تعيين السفراء”.
ويقول الكاتب “أعتقد أن هناك إصرارا من الحكومتين على عودة العلاقات، وتم رسم خارطة الطريق، ولكن يوجد هناك بعض التفاصيل التي تحتاج لوقت أكثر”.
ورجح أن في الوقت الحالي هناك حرص من القيادة السياسية في كلا البلدين على التعامل مع النقاط المشتركة بينهما، وأن تجمد حاليا نقاط الاختلاف لكيلا تتراجع عملية التطبيع.
تأثيرات إقليمية
من جهته، أكد الأكاديمي المتخصص بالعلاقات الدولية والسياسية محمد علي مرت -للجزيرة نت- أن علاقات كل من مصر وتركيا بمحيطهما الدولي تؤثر أيضا على مسار التقارب بين الجانبين.
وأشار إلى أن محاولة الغرب حصار تركيا في منطقة بحر إيجه عن طريق اليونان، وشراكة أميركا مع الهياكل المعادية لتركيا شمال سوريا، تعطيان أنقرة شعورًا بأنها محاطة بالغرب، وهو ما يدفعها للتقارب مع روسيا.
وأكد الأكاديمي بالعلاقات الدولية أن “تغافل” مصر عن المواقف التي من شأنها أن تحد من وجود تركيا بالبحر المتوسط -والتي يتم الضغط عليها في المنطقة من قبل القوى الغربية- سيسهم في تطوير العلاقات المصرية التركية.
وأشار إلى أنه لا يمكن إغفال تأثير الدول الغربية مثل الولايات المتحدة وإنجلترا على المنطقة مؤكدا أن الولايات المتحدة “سترغب في إبقاء مصر (بوابة أفريقيا) تحت سيطرتها، خاصة مع انفتاح الصين أيضا على القارة الأفريقية”.
وحسب قول الأكاديمي بالعلاقات السياسية، فإن أهمية مصر لأميركا متعلقة أيضا بالهيمنة على الشرق الأوسط وأمن إسرائيل، وهو ما يجعل دعمها للقاهرة ذا مغزى.
ومن هذا المنطلق، أكد مرت أن العلاقة التي أقامتها الولايات المتحدة مع مصر مرة أخرى تسير بالتوازي مع التحركات التي قامت بها مع اليونان، والجانب القبرصي اليوناني ضد تركيا، مما يشير إلى أن مصر قد تكون واقعة تحت تأثير الولايات المتحدة في علاقاتها مع أنقرة.