رحّلت أجهزة أمنية في شرق ليبيا، وسط الأسبوع الجاري، مئات المهاجرين المصريين نحو بلادهم عبر البوابة الحدودية “امساعد”، في أعقاب إعلان سلطات شرق البلاد عن “عملية تحريرهم” من سجون مهربين وتجار بشر.

ونقلت وسائل إعلامية محلية عن مصادر أمنية مطلعة، قولها إن “القوة الأمنية المشتركة في منطقة أمساعد، بدأت الخميس، في إعادة المئات من المهاجرين غير الشرعيين المصريين إلى بلادهم”.

ويزيد عدد المهاجرين الذين تم “تحريرهم” من مراكز تهريب البشر عن ألف شخص، بحسب المصادر ذاتها والتي أشارت إلى أن العمل جار على ترحيل المزيد بتنسيق مع الجانب المصري.

وتداول نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو تظهر جحافل من المهاجرين يسيرون على الأقدام نحو المعبر الحدودي، وبرفقتهم عناصر أمنية.

“ضغوط وترحيل”

ومنذ عام 2015، أعلنت السلطات الليبية عن إعادة أكثر من 60 ألف مهاجر من ليبيا إلى بلدانهم الأصلية عبر أفريقيا وآسيا من خلال برامج “المساعدة على العودة”، التي أطلقتها بشراكة مع الشركاء الأوروبيين.

وسجل خلال السنوات الأخيرة تصاعد ملحوظ في أعداد المهاجرين المصريين الوافدين على التراب الليبي للعمل أو محاولة عبور البحر الأبيض المتوسط نحو السواحل الأوروبية، حيث يمثل سكان الجارة الشرقية ثاني أكبر نسبة للمهاجرين بليبيا بعد مهاجري النيجر.

ووفقا لبيانات نشرتها وزارة الداخلية الإيطالية، أعلن أكثر من 16 ألف مهاجر وصلوا بالقوارب إلى إيطاليا، العام الماضي، أنهم مصريون، وفي عام 2021، تم توقيف أكثر من 26 ألف مصري على الحدود الليبية، بحسب معطيات وثيقة لمفوضية الاتحاد الأوروبي، نقلتها رويترز.

الخبير في قضايا الهجرة، مجدي الكرباعي، يقول إن قراءة عمليات الترحيل الأخيرة لا يمكن أن يتم بمعزل عن اللقاءات التي جمعت خلال الأسابيع الأخيرة بين مسؤولين ليبيين بارزين ونظرائهم الإيطاليين، مشيرا إلى أن “روما تضغط من أجل منع المهاجرين من الوصول إلى سواحلها”.

ويوضح الكرباعي في تصريح لموقع “الحرة” أن السلطات الإيطالية تريد إرجاع المهاجرين من الأراضي الليبية إلى بلدانهم، خاصة النيجر مصر والسودان لتفادي عبورهم المتوسط، لافتا إلى أن حكومة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ركزت خلال حملتها الانتخابية على مسألة التصدي لمشكل الهجرة من منابعه، خاصة من تونس وليبيا.

“تعذيب وانتهاكات”

ويمضي العديد من المهاجرين، مصريون وغيرهم، أشهرا طويلة وسط ظروف لا إنسانية في معسكرات الاعتقال الليبية، وكثيرا ما يتعرضون لاعتداءات وانتهاكات جسدية ونفسية، إلى أن يتمكنوا هم أو عائلاتهم من دفع أموال للمهربين، أو يتم ترحيلهم من طرف السلطات الليبية، وفقا لتقارير عدة منظمات دولية.

وأشار تقرير لمفوضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان بعنوان “لا مفر من العودة” إلى معاناة المهاجرين من ظروف احتجاز تعسفية، بالإضافة إلى التهديد بالتعذيب وسوء المعاملة والعنف الجنسي والاختفاء القسري والابتزاز، وما إلى ذلك من انتهاكات وتجاوزات أخرى لحقوق الإنسان. 

ووجدت البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا أن المهاجرين في ليبيا يواجهون أزمة في مجال حقوق الإنسان تشير إلى “وقوع جرائم ضد الإنسانية”.

وحذر التقرير من أنه “بمجرد وصول المهاجرين إلى ليبيا، يواجهون خطر التعرض بشكل منهجي وروتيني للتجريم والتهميش والعنصرية وكره الأجانب، كما يواجهون مجموعة واسعة من انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان ترتكبها كل من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية على حدّ سواء”.

ليبيا باتت وجهة لمجموعات تهرّب عشرات آلاف المهاجرين

ويقول الخبير التونسي في قضايا الهجرة، والمقيم بإيطاليا، مجدي الكرباعي، إن “حكومات بعض الدول تدعم وتخصص تمويلات لبعض الميليشيات لاحتجاز واختطاف المهاجرين دون أن يروا الشمس لأشهر”.

ويضيف أن كل هذه التجاوزات والانتهاكات “تجري أمام مرأى ومسمع الدول الأوروبية، حيث تفتقد مراكز الاحتجاز للمراقبة الحقوقية أو الإنسانية، وحالات اغتصاب واعتداءات جسدية ونفسية”.

وإلى جانب ما يتعرضون له في الحجز، يلقى آلاف المهاجرين مصيرا أسوأ خلال محاولتهم عبور الأطلسي كل سنة، وتشير أرقام منظمة الهجرة الدولية إلى أن أكثر من 26 ألف شخص لقوا حتفهم أو فُقدوا أثناء عبورهم البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2014، بما في ذلك أكثر من 20 ألف شخص على طول طريق البحر الأبيض المتوسط، الذي يُعتَبَر من أكثر مسارات الهجرة فتكا في العالم، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.

“تهديد أمني”

أستاذ العلاقات الدولية، مسعود السلامي، يقول إن السنوات الأخيرة عرفت تزايدا كبيرا في أعداد المهاجرين المصريين على التراب الليبي، موضحا أن “التواجد غير القانوني للمهاجرين غير النظاميين يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي في ليبيا”.

ويوضح السلامي في تصريح لموقع “الحرة”، أن قوات الأمن بالمنطقة الشرقية تنفذ عمليات ترحيل عدد من المهاجرين المقيمين بعد أن قامت بحملات أمنية لحماية المنطقة التي تعرف تسللا للأفراد ولأنشطة الاتجار في البشر والمخدرات”.

ويبرز الخبير الليبي أن الحدود الليبية الشاسعة “تعرف نشاطا مكثفا لعمليات تهريب البشر من مصر والسودان عبر ليبيا إلى الدول الأوروبية التي تشتكي من تدفقات المهاجرين على سواحلها”، مشددا على ضرورة “حصر والحد من هذا الانفلات عبر ترحيل المهاجرين غير الشرعيين”.

ويوضح المتحدث ذاته، أن “الظاهرة استفحلت بشكل كبير، ما دفع الحكومتين الغربية والشرقية لإطلاق حملات تأمينية”، وأضاف أنه إلى أنه في ظل الأوضاع الأمنية الصعبة بالبلاد، “تسجل انفلاتات وضياع للثروات الليبية وتهديد يطال المجتمع الليبي من مختلف الجوانب الاجتماعية والصحية والاقتصادية، بسبب الهجرة غير القانونية”.

“ضبط الحدود”

من جهته، يرى المحلل السياسي المصري، عمرو الشوبكي، أن ترحيل المهاجرين يرتبط بتزايد أعدادهم بالنظر للظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر والتي تدفع فئات من المصريين إلى الهجرة خارج الحدود، وإلى ليبيا تحديدا، حيث كانت تاريخيا أحد المناطق التي اعتادت استقبال العمالة المصرية.

ويبرز الشوبكي في تصريح لموقع “الحرة” أن الوضع السياسي وحالة الاستقطاب التي تعيشها ليبيا “يجعل هذه العمالة أو المهاجرين ضحية للخلافات السياسية التي ترتبط أساسا بشكل العلاقة بين الحكومة المصرية وحكومة طرابلس”.

ويؤكد الشوبكي أن الجانب المصري مطالب بـ “ضبط حدوده، وعلى الجانب الليبي أن يربط الهجرة إلى أراضيه بفرص سوق العمل، لحماية العمال والمهاجرين”.

ويشير الشوبكي إلى أن شروط الهجرة “مرنة بين البلدين، بالتالي ينبغي العمل على ضبط الهجرة غير النظامية لكن المرفوض هو حدوث تجاوزات ضد المهاجرين”.

ويوضح أن الحدود بين البلدين تاريخيا كانت شبه مفتوحة، وكانت نسب العمالة المصرية في ليبيا مرتفعة.. مما كان يخلق إشكالات مماثلة. وحتى قبل الثورة في ليبيا كانت هناك عمليات إعادة للمهاجرين المصريين”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version