شن الجيش الإسرائيلي واحدة من أكثر الحملات وحشية وتدميرا في الحرب في شمال غزة، فهناك يعيش سكان جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون حصارا لا هوادة فيه، جردهم من الطعام والماء وأي وهم بالأمان، في كابوس لا يمكن فهمه تحت غارات جوية وقصف متواصل لدرجة أن أجسادهم لا تتوقف عن الارتعاش طول الوقت.

بهذه المقدمة، وصف “موقع 972” العملية العسكرية الإسرائيلية التي قتلت، منذ بدايتها في الساعات الأولى من صباح السادس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ما لا يقل عن 640 فلسطينيا، وقد وصف عديد من سكان المناطق المحاصرة مشاهد مروعة، لأطراف متناثرة في الشوارع وملاجئ مشتعلة، ومئات المحاصرين داخل المستشفيات، وسط عجز الفرق الطبية عن انتشال الجثث بسبب القصف المستمر.

وقال الموقع -في تقرير مشترك بقلم محمد مهاوش وعلا العاصي وإبراهيم محمد- إن الجيش الإسرائيلي نشر مقاطع فيديو تظهر جنودا يجمعون الفلسطينيين الذين كانوا يحتمون في مخيمات النازحين، ويجبرونهم على التوجه جنوبا نحو مدينة غزة.

وقدرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أن 20 ألف شخص نزحوا قسرا من جباليا يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول وحده، كما تشير الصور التي نشرها جنود إسرائيليون على وسائل التواصل الاجتماعي أيضا إلى أن الجيش أشعل النار في الملاجئ لمنع الفلسطينيين من العودة.

وقد أظهرت مقاطع فيديو اليوم -حسب الموقع- عشرات الرجال الفلسطينيين في جباليا وهم يسيرون تحت تهديد سلاح الجيش الإسرائيلي، معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي، ومن المرجح أنهم نُقلوا إلى مراكز احتجاز داخل إسرائيل حيث أبلغ معتقلون سابقون ومبلغون عن انتهاكات وتعذيب متفشيين.

لم يبق سوى إرادة التنفس

وقد حد الهجوم على شمال غزة بشدة من عمل المستشفيات في المناطق المحاصرة، وقال الدكتور محمد صالحة، مدير مستشفى العودة في جباليا، للموقع إن الوضع في المنشأة “كارثي”، حيث حوصر نحو 180 شخصا من الطاقم الطبي والمرضى والأسر النازحة داخل المستشفى، بينما يقصف الجيش الإسرائيلي المنطقة المحيطة.

وقال صالحة “نحن ننتظر فقط أن يأتي الموت أو معجزة. لم يتبق لدينا ما نعالج به الجرحى والمرضى، حتى الضروريات الأساسية مثل الماء والأدوية نادرة، ومولد المستشفى يعمل على آخر قطرات الوقود. إذا توقف المولد فإن حياة من يعتمدون على أجهزة التنفس الصناعي ستتوقف أيضا”.

كذلك وصف الدكتور مروان السلطان، مدير المستشفى الإندونيسي في بيت لاهيا القريبة، مشهدا مماثلا، وقال إن “الدبابات الإسرائيلية تحيط بالمستشفى من جميع الاتجاهات، والعديد من المركبات متمركزة عند بواباته”، وكانت القوات الإسرائيلية قد قصفت الطوابق العليا من المستشفى، كما أشعلت النار في مدرسة قريبة، مما أدى إلى اندلاع حريق وصل إلى مولدات المستشفى وأدى إلى انقطاع التيار الكهربائي بالكامل، وبالتالي أصبح المستشفى غير قابل للتشغيل إلى حد كبير.

ووصف الموقع حالة المرضى والطواقم الطبية الباقين في المستشفى دون إمدادات ودون كهرباء، وقال السلطان إن “كل ما تبقى هو إرادة التنفس”، كما روى قصة نبيل الخطيب (57 عاما) وعائلته الذين فروا وسط قصف مدرسة تابعة لأونروا كانوا يحتمون بها في بيت لاهيا.

وقال بلال سالم، وهو مصور صحفي يوثق الوضع المتدهور بسرعة في شمال غزة للموقع إن كل دقيقة تبدو وكأنها الأخيرة بالنسبة له، يقول “تسمع صوت طائرة مسيرة أو صفير صاروخ، ثم يتحول كل شيء إلى غبار. نتحرك عبر الأنقاض مثل الأشباح، محاولين التقاط ما تبقى من حياة الناس، لكن الحقيقة هي أنه لم يبق الكثير”.

بلال سالم: هذه ليست حربا إنها إبادة جماعية. الأمر أشبه بما لو كان الموت ينتظر في كل زاوية؛ أرى جثثا مسحوقة تحت الأنقاض، وأطفالا مفقودي الأطراف، وأناسا ينزفون في الشارع، لأنه لم يبق أحد لمساعدتهم؛ إنه مثل العيش في الجحيم

وتحدث سالم أيضا عن الضريبة الشخصية لعمله قائلا إنه “من الصعب الاستمرار عندما تشهد هذا النوع من الدمار. لقد غطيت غزة طوال حياتي، لكن هذه ليست حربا إنها إبادة جماعية. الأمر أشبه بما لو كان الموت ينتظر في كل زاوية؛ أرى جثثا مسحوقة تحت الأنقاض، وأطفالا مفقودي الأطراف، وأناسا ينزفون في الشارع لأنه لم يبق أحد لمساعدتهم؛ إنه مثل العيش في الجحيم”.

رغم المخاطر اليومية التي تهدد حياته، فإن سالم يواصل القيام بعمله، قائلا: “الصحفيون أهداف. نحن نعتبر أعداء، لأننا نظهر للعالم حقيقة ما يحدث”، واليوم فقط زعم الجيش الإسرائيلي أن 6 من صحفيي الجزيرة في شمال غزة هم عملاء في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي.

لم يفعل أحد شيئا لإنقاذهم

تقول الممرضة نيفين الدواسة التي حوصرت لمدة 16 يوما في مدرسة الفوقا في جباليا للموقع: “لم يكن لدينا شيء. لا طعام ولا ماء. قصف الجيش الإسرائيلي بئر المياه والأطفال يملؤون الجرار”.

ووصفت الدواسة قصف الجيش الإسرائيلي على المدرسة التي كانت محاصرة فيها قائلة: “لقد كان جحيما؛ أعطونا ساعة للإخلاء، لكنهم قصفونا قبل انتهاء الوقت. ولم يهتموا. رأيت الجثث بنفسي، أتذكر أنني رأيت نحو 30 جريحا و10 قتلى. اتصلنا بسيارات الإسعاف، لكنها لم تتمكن من الوصول”.

الدواسة: لقد كان جحيما؛ أعطونا ساعة للإخلاء، لكنهم قصفونا قبل انتهاء الوقت. ولم يهتموا. رأيت الجثث بنفسي، أتذكر أنني رأيت نحو 30 جريحا و10 قتلى. اتصلنا بسيارات الإسعاف، لكنها لم تتمكن من الوصول

وبعد القصف -كما تقول الدواسة- استخدم الجيش الإسرائيلي الطائرات المسيرة والدبابات لإجبار الناجين على الفرار تحت تهديد الموت، “أخبرونا أن هناك ممرا آمنا، ولكن عندما حاولنا المغادرة، صاحوا علينا من دباباتهم: ارجعوا أو سنطلق النار عليكم. عاملونا مثل الحيوانات أو أسوأ من ذلك.”

ويوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لجأ الشاعر الفلسطيني مصعب أبو توهة -الذي يعيش الآن في المنفى- إلى وسائل التواصل الاجتماعي للفت انتباه العالم إلى ما يحدث للمحاصرين في شمال غزة، وكتب: “بيت عمتي وعائلة زوجها محاصرون الآن بالدبابات والجنود”.

وفي اليوم التالي، قال “أكتب بقلب مثقل أن ابنة عمي سما (7 سنوات) قُتلت في الغارة الجوية على منزلهم مع 18 فردا من عائلتها، وهي عائلتي الممتدة”، وأضاف “نشرت عن هذا بالأمس قبل قصف المنزل. أخبرت الجميع أن الدبابات والجنود كانوا يحاصرون المنطقة. لكن لم يستمع لي أحد. لم يفعل أحد أي شيء لإنقاذهم”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version