تنتظر عائلات مغربية على أحر من الجمر، أخبارا عن مفقوديها الذين انقطعت أخبارهم منذ 13 يوما، إثر انطلاقهم نحو جزر الكناري، في إسبانيا، على متن قارب باتجاه أوروبا.

محمد ستوتو، واحد منهم، قرر خوض المغامرة، رغم معارضة أخيه الأكبر، نوح، الذي أكد في اتصال مع موقع الحرة، أن أخاه كان دائم الحديث عن الهجرة.

محمد شاب مغربي مفقود مع نحو 50 شخصا عبروا على متن قارب نحو جزر الكناري

تحدث نوح إلينا بنبرة حزينة، وهو وسط بعض عائلات المفقودين، الذين يتنقلون لمقر خفر السواحل المغربية في أكادير، يوميا، لمعرفة أي أخبار عن أحبائهم “نصحته مرارا، لكنه لم يسمع كلامي”.

نوح، كشف أن والدته أصبحت في حالة يرثى لها، منذ فقدان ابنها، الذي ورغم حديثه المتكرر عن الهجرة، لم يكشف نيته خوض التجربة، حتى آخر لحظة.

وفقد نحو 51 مهاجرا مغربيا كان يفترض أن يعبروا فجر الأحد 11 يونيو على متن قارب انطلاقا من سواحل أكادير المغربية باتجاه جزر الكناري، لكن لم ترد عائلاتهم حتى اليوم أي معلومات عما حل بهم، وفق أحد أقارب المفقودين تحدث لوكالة فرانس برس. 

وينحدر أغلب المفقودين من من بلدة صغيرة قرب مراكش.

يتزامن فقدان القارب مع إعلان السلطات الإسبانية الأربعاء مقتل مهاجرَين اثنين على الأقل، في غرق قارب حوالي 160 كيلومترا عن ساحل جزيرة غراندي كناريا، فيما تم إنقاذ 24 آخرين.

كما أعلنت إنقاذ 150 آخرين الخميس كانوا على متن ثلاثة قوارب. 

مغامرة

يقول نوح “تحدثت مرارا مع محمد حول الهجرة، نصحته بأنها ليست حلا، بدا لي أنه متأثر بتجارب سابقة” ثم استدرك “لكن لم أكن أعلم أنه قرر المغامرة فعلا، رغم علمه بخطورتها”.

في الحادي عشر من يونيو الجاري، تلقى نوح مكالمة من أخيه في حدود الرابعة فجرا، يخبره فيها أنه قرر المغادرة وإنه على وشك الانطلاق على متن قارب بأكادير، نحو جزر الكناري.

يقول نوح “صُدمت لسماع الخبر، لكن علمت بأنه لا يمكن إقناعه بالعدول عن الفكرة، ساعتها، ورغم ذلك حاولت”.

مكالمة محمد لأخيه نوح دقائق قبل الانطلاق

وانتقد نوح بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تروج، وفقه، للهجرة غير الشرعية، ويرى أنها تلعب دورا أساسيا في إقناع الشباب اليائس في خوض التجربة.

يقول “كثيرا ما رأيت مقاطع فيديو تنشر هنا وهناك لشباب على متن قوارب الموت وهم يضحكون وكأنها تجربة رائعة”.

ثم يتابع “هذه المقاطع تعطي الانطباع بأن التجربة مضمونة وأن ما عليك فعله هو البدء بالخطوة الأولى فقط، لكن لا أحد يقول لك حذاري إنها مقامرة بالحياة”.

يبلغ محمد 20 سنة، كان مثل الشباب في سنه مولعا بما يحدث وراء البحار، ورغم أنه كان يعيش في عائلة متوسطة الحال، بحسب نوح، إلا أنه أصر على الهجرة.

يقول نوح (32 سنة) أعرف أنه حاول الهجرة بـ”طريقة شرعية” عن طريق الحصول على تأشيرة، لكن أذكر أنه دفع نحو 10 آلاف درهم (نحو ألف دولار) لبعض الأشخاص ليساعدوه لكنهم لم يفعلوا أي شيء، وبدلا من ذلك استولوا على المبلغ.

وبالحديث عن الوضع العام لعائلته، يؤكد نوح أن أسرته التي تنحدر من منطقة قلعة السراغنة (شمال مدينة مراكش) تعيش وضعا عاديا مثل أي أسرة متوسطة في المغرب.

يقول أيضا إن أخاه محمد، تمكن من الحصول على سيارة، اشتراها له والده، وهو ما جعله يؤكد أن المسألة تتعلق بتأثر الشباب، بما يدور على مواقع التواصل الاجتماعي حول الحياة في ديار الغربة، أكثر من كونها حاجة ملحة تمليها الظروف.

ويضيف “قلت له مرارا أن بإمكانه العمل في بلاده دون الحاجة للمغامرة لكنه لم يسمع لي”.

إلى ذلك، يؤكد نوح أن فقدان محمد، ترك العائلة في حالة سيئة، فالجميع ينتظر أي أخبار عنه والذين خاطروا بحياتهم معه، بينما اشتكى من شح المعلومات، الواردة من السلطات بالخصوص.

يقول “كل يوم نذهب عند خفر السواحل وكل ما يقولوه لنا، نحن نبحث، لكن لا جديد” ويردف “أين هي آليات البحث، لم نر  أيّة طائرة تتفقد السواحل”.

معلومات شحيحة

ومضى مؤكدا “بعض من معنا تمكن من الاتصال بخفر السواحل الإسبان، وأكد أنهم يبحثون عن المفقودين، بل وجدوا بعض الغرقى وانتشلوا جثثا ربما تعود لمهاجرين آخرين، لكن من الجانب المغربي، لا أحد أعطانا أية معلومة لحد الساعة”.

شدد نوح أيضا على أن عائلات المفقودين الذين يتنقلون يوميا لمركز خفر السواحل، لا تزال تنتظر أية إشارة تعطيهم بصيص أمل، مشيرا إلى أن الوضع لم يتغير منذ الإعلان عن فقدان القارب.

وأعلنت السلطات الإسبانيّة، الخميس أنّها أنقذت ما لا يقلّ عن 350 مهاجرًا خلال الساعات الأربع والعشرين المنصرمة، كانوا في خمسة قوارب انجرفت قبالة جزر الكناري. ولم يتضح إن كان محمد أو رفاقه بين من تم إنقاذهم.

وقالت خدمات الطوارئ في جزر الكناري، الأرخبيل الواقع في المحيط الأطلسي قبالة الساحل الشمالي الغربي لإفريقيا، إنّها تكفّلت “خلال الليل بـ114 مهاجرًا كانوا مسافرين على متن قاربَين” أنقذهما رجال الإنقاذ البحريّون الإسبان. 

وأضافت أنّه تمّ تقديم الرعاية لهؤلاء المهاجرين في جزيرة لانزاروت وفي جزيرة غران كناريا حيث “نُقِل طفل ووالدته إلى أحد المستشفيات”.

وأشارت إلى إنقاذ زورق ثالث عند الفجر وإرسال ركّابه البالغ عددهم 54 إلى لانزاروت.

وكان زورقان آخران قد أُنقِذا أيضا بعد الظهر، حسبما قالت متحدّثة باسم خدمة الإنقاذ البحري الإسبانيّة لوكالة فرانس برس، رُصِد الأوّل قبالة جزيرة هييرو وعلى متنه 121 شخصًا بينهم ستّ نساء وأربعة أطفال معظمهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، فيما رُصِد الثاني وهو قارب مطّاطي على بُعد نحو 13 كيلومترًا من جزيرة غران كناريا وعلى متنه 61 شخصا.

“مقامرة كارثية”

في سياق حديثه عن ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي حصدت الكثير من الأرواح، شدد نوح على أن الشباب لا بد أن يفهم بأنها مقامرة كارثية العواقب وأن وضع المهاجر المزري في أوروبا الآن لا يستحق المغامرة. 

ويُعد المغرب ممرا تقليديا للهجرة غير النظامية سواء عبر البحر الأبيض المتوسط، أو جيبي سبتة ومليلية شمالا، أو عبر المحيط الأطلسي جنوبا باتجاه جزر الكناري.

وازدادت في السنوات الأخيرة محاولات المهاجرين عبور الطريق الأخير، بعد تشدد السلطات في التصدي للهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط. 

حاول محمد الهجرة غير الشرعية رفقة عدد من الشباب المغاربة

يذكر أن منظمة “ووكينج بوردرز” المعنية بقضية الهجرة، أفادت الأربعاء، بغرق ما يصل إلى 39 مهاجرا، كانوا على متن زورق في طريقه إلى جزر الكناري.

وقال مصدر في خدمة الإنقاذ البحري الإسبانية لرويترز، الأربعاء، إن طفلا واحدا على الأقل لقي حتفه وجرى إنقاذ 24 شخصا من الزورق الغارق، في عملية إنقاذ بقيادة مغربية، على بعد نحو 141 كيلومترا  إلى الجنوب الشرقي من جزيرة “غران كاناريا”.

وقالت منظمة “ألارم فون” غير الحكومية، الجمعة، إن زورقا يحمل نحو 50 شخصا، أطلق نداء استغاثة “للتو”.

 وجاء في تغريدة للمنظمة “إنهم يائسون وما زالوا ينتظرون الإنقاذ.. الماء يدخل القارب.. الوضع حرج.. نحث جميع الجهات المعنية: لا تتركوهم تغرقوا!”.

ويشتهر المحيط الأطلسي بتياراته القوية التي تجعل محاولات عبور كهذه بغاية الخطورة. لكنها تزايدت في الأيام الأخيرة بفعل تحسن الأحوال الجوية، وهي في الغالب من سواحل الصحراء الغربية المتنازع عليها.

وتعلن السلطات المغربية بشكل منتظم في الأشهر الأخيرة عن تفكيك شبكات مهربين، وأحبطت حوالي 26 ألف محاولة للهجرة غير النظامية خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، بحسب معطيات رسمية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version