أثار قرار لجنة تابعة للاتحاد الأفريقي بالتخلي عن تحقيق بشأن الانتهاكات التي تم ارتكابها خلال الحرب بين الحكومة الفدرالية والمتمردين بإقليم تيغراي شمال إثيوبيا، حالة من الجدل في وقت يتحدث فيه ممثلون لأطراف الأزمة عن الأسباب، ومدى إمكانية وجود “حلول خارجية” للأزمة.

“قرار صادم”

الخميس، أعربت منظمات حقوقية عن “صدمتها” لقرار اللجنة الأفريقية لحقوق الانسان والشعوب التابعة للاتحاد الأفريقي بالتخلي عن تحقيقها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في تيغراي.

وفي رسالة مؤرخة في 23 أغسطس وموقعة من 33 منظمة حقوقية بينها “منظمة العفو الدولية” (أمنستي) و”هيومن رايتس ووتش”، قالت المنظمات إن قرار إنهاء تفويض “لجنة التحقيق في الوضع بمنطقة تيغراي من دون نشر أي تقرير عن نتائجها وتوصياتها” يشكل سابقة سيئة للقارّة الإفريقية. 

وأشارت المنظمات إلى “ضغوط سياسية لا مبرر لها” قد تكون خضعت لها “اللجنة الأفريقية لحقوق الانسان والشعوب من الحكومة الإثيوبية”.

اتهامات متبادلة

في حديثه لموقع “الحرة”، يتهم الناشط بإقليم تيغراي، مصطفى حبشي، الاتحاد الأفريقي بـ”التواطؤ مع الحكومة الإثيوبية” منذ تدخله لحل الأزمة خلال فترة الحرب.

وأغفل الاتحاد الأفريقي “جرائم لا تحصى ولا تعد” ارتكبتها الحكومة الإثيوبية في حق سكان إقليم تيغراي، والذين عانوا من انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان وتشمل “القتل والاغتصاب والاختفاء القسري”، حسب حبشي.

ويشير الناشط التيغراوي إلى توثيق أكثر من 120 ألف حالة اغتصاب “مثبتة”، مرجحا أن تكون الأعداد أكبر من ذلك بكثير.

ويتحدث عن فظائع ارتكبتها الحكومة الإثيوبية في حق سكان تيغراي وتتضمن “القتل والتعذيب والحرق بالنار”.

وهناك جرائم تتعلق بمحاولة “التغيير الديمغرافي للإقليم” وإجبار سكان تيغراي على “تغيير هويتهم”، ومحاولة “ترحيلهم من مناطقهم”، وضم أراضيهم ومنحها لسكان عرقيات أخرى، حسبما يوضح الناشط التيغراوي.

ومن جانبه، يقر المحلل السياسي الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد، بوقوع “انتهاكات خلال الحرب التي شهدها إقليم تيغراي”، لكنه يؤكد أن “الحكومة شكلت لجنة للوقوف على حقيقة ذلك، وقامت بالفعل بإحالة قيادات عسكرية للتحقيق”.

وفي حديثه لموقع “الحرة”، يؤكد عبدالصمد أن موقف الاتحاد الأفريقي قد جاء عن “قناعة” بعدما اتضح وجود “استخدام سياسي لقضية تيغراي” بهدف ممارسة “ضغوطا دولية” على الحكومة الإثيوبية.

رغم اتفاق السلام “تواصل الانتهاكات” 

الخميس، كشف “تقرير حقوقي جديد” أن الجنود الإريتريين والإثيوبيين يواصلون حملة اغتصاب واسعة النطاق ومنهجية في تيغراي على الرغم من اتفاق السلام الموقع في نوفمبر من العام الماضي.

ويوثق التقرير “العنف الجنسي” منذ بداية النزاع في نوفمبر 2020 وحتى يونيو 2023، وذلك باستخدام مئات السجلات الطبية.

وفي التقرير يوثق عدد من المختصين بتقديم الرعاية الصحية وقوع “حالات اغتصاب جماعي واستعباد الجنسي وقتل للأطفال”.

وكشف التقرير عن وقوع 128 حالة اغتصاب بعد توقيع اتفاق السلام الذي نص على “وقف جميع الأعمال العدائية بعد عامين من الحرب الأهلية”.

ونزح أكثر من مليون شخص في منطقة تيغراي التي مزقتها الحرب، وفق أرقام جديدة للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.

ويقول حبشي إن “الحكومة الإثيوبية لم تنفذ حتى الآن بنود اتفاق السلام الموقع مع جبهة تحرير تيغراي في نوفمبر 2022، ومازالت تمارس الانتهاكات بحق سكان الإقليم حتى يومنا هذا”.

لكن على جانب آخر، يتحدث عبدالصمد عن “تضخيم ومبالغة” فيما يتعلق بحجم تلك الانتهاكات.

ويشير المحلل السياسي الإثيوبي إلى وجود أطراف ومنظمات دولية تستخدم القضية لـ”تنفيذ أجندات خاصة وتحقيق أهدافا سياسية”،

ويتهم بعض المنظمات الحقوقية الدولية بـ”تسيس القضية”، لتحقيق أجندات خارجية دولية، بعيدا عن “الأبعاد الإنسانية”.

ماذا يقول القانون الدولي؟

أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية “الحروب الأهلية”، ترتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، لكنها “لا تسقط بالتقادم ولا يجوز إصدار عفو بشأنها”، وفق خبير القانون الدولي، أيمن سلامة.

وفي تصريحات لموقع “الحرة”، يوضح الخبير الذي شارك في عمليات حفظ السلام الدولية لحلف الناتو في يوغوسلافيا، أن عند الحديث عن “ارتكاب جرائم مزعومة” يجب إجراء “تحقيق شفاف عادل مستقل محايد غير منحاز” تقوم به لجنة مستقلة، على أن يكون التحقيق “مراقب دوليا”.

وتخللت الحرب التي استمرت عامين بين الحكومة الفدرالية ومتمردي تيغراي اتهامات لكلا الطرفين بارتكاب انتهاكات ومذابح واغتصاب جماعي وفظائع أخرى.

وباعتبار إثيوبيا دولة طرف في اتفاقات جنيف الأربع، فهي “ملزمة” بإجراء “تحقيق مستقل شفاف محايد غير منحاز” بشأن “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المدعى ارتكابها في تيغراي” أثناء النزاع المسلح الذي شهده الإقليم، حسب سلامة.

تهديد اتفاق السلام؟

رفضت إثيوبيا مرارا الجهود الدولية للتحقيق في الانتهاكات التي ارتُكبت خلال الحرب التي استمرت لعامين في إقليم تيغراي، وحذرت من تسبب تلك التحقيقات في تعريض السلام المبرم مع المتمردين في نوفمبر 2022 لـ”الخطر”.

وبعد مرور سبعة أشهر على التوصل إلى اتفاق السلام الذي وضع حدا لنزاع وحشي استمر سنتين في تيغراي، لم تبدأ بعد عملية “العدالة الانتقالية “المنصوص عليها في هذا الاتفاق.

وفي ذلك السياق، يوضح سلامة أن “العدالة الانتقالية” هي أطر وآليات الانتقال الديمقراطي التي تلجأ إليها الدول بعد انتهاء النزاعات المسلحة الداخلية “الحروب الأهلية”، أو إقصاء النظم الاستبدادية.

وأطر وآليات العدالة الانتقالية “المعهودة والراسخة”، يجب أن تشمل “كشف الحقائق، محاسبة ومحاكمة المسؤولين عن الجرائم، تطهير الجيش والشرطة وأجهزة الأمن من العناصر التي ارتكبت تلك الجرائم، تعويض الضحايا”، وفق خبير القانون الدولي.

ويشدد سلامة على أن تحقيق العدالة الانتقالية، لا يتعارض مع “أي اتفاقيات سلام داخلية”، بين الأطراف المتنازعة.

ولذلك يرفض حبشي ربط الجرائم المرتكبة في حق “المدنيين العزل وخاصة من النساء والأطفال”، بعملية السلام.

ويجب أن يقدم للمحاكمة العادلة والنزيهة كل من انتهك حقوق الإنسان وارتكب الجرائم في حق سكان تيغراي”، وفقا الناشط التيغراوي.

لكن على جانب آخر، يؤكد عبدالصمد أن الهدف الأساسي من اتفاق السلام هو “إيقاف الحرب” وقد تحقق ذلك بالفعل.

وتسعى كلا من الحكومة الإثيوبية وحكومة تيغراي لـ”تنفيذ كافة بنود الاتفاقية”، خاصة فيما يتعلق بـ”عودة اللاجئين والنازحين”، وفقا الخبير السياسي الإثيوبي.

تدخل خارجي؟

يطالب حبشي بـ”تدشين لجان دولية مستقلة لتقصى الحقائق”، بعدما انحاز الاتحاد الافريقي لصف الحكومة الاثيوبية، وفي ظل “استمرار الانتهاكات التي تمارسها القوات الحكومية والمليشيات التابعة لها”. 

ويطالب كذلك بالسماح لتلك اللجان الدولية المختصة بدخول إقليم تيغراي والوقوف على “الانتهاكات والجرائم” بالأدلة والبراهين، وتوثيق شهادات “الضحايا أو ذويهم”.

لكن على جانب آخر، يرى عبدالصمد أن الحل سيكون “داخلي” دون “الاستقواء بالخارج” والدعوى لتدخلات خارجية.

ويؤكد المحلل السياسي الإثيوبي أن التعويل على الأطراف الداخلية والمفاوضات والحوار الوطني، السبيل الأفضل، والمنصات الدولية لا تحقق أي مكسب بأي موقع يوجد به أزمة حول العالم.

وأثناء النزاعات المسلحة الداخلية أو الدولية يقوم مجلس الأمن أو مجلس حقوق الإنسان بتشكيل لجان لـ”تقصي الحقائق”، حسبما يوضح سلامة.

وفي غالب الأمر يقوم مجلس حقوق الإنسان بـ”التحقيق في الجرائم المزعومة، وليس تقصى الحقائق”، وذلك بموجب “الفصل السادس” من ميثاق الأمم المتحدة والمتعلق بـ”حل المنازعات حلا سلميا”.

وفي حالة إقليم تيغراي يمكن لمجلس الأمن إصدار قرار بتشكيل لجنة لـ”التحقيق في انتهاكات القانون الدولي الإنساني وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المزعومة”، وفق الخبير بالقانون الدولي.

 لكن سلامة يشير إلى أن القرارات الصادرة عن اللجان، تصدر وفق الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، ولذلك يمكن للحكومة الإثيوبية” التحفظ على تنفيذ القرار”.

ويوضح خبير القانون الدولي أن مجلس حقوق الإنسان “لا يحوز” الاختصاصات والسلطات “القسرية الجبرية” التي يمتلكها مجلس الأمن، وفق “الفصل السابع من الأمم المتحدة”.

وحسب المادة 42 من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، فيجوز لمجلس الأمن ممارسة ما يلزم من أعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه، عن طريق استخدام “القوة الجوية والبحرية والبرية”.

ويمتلك مجلس الأمن فقط الحق في استخدام صلاحيات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لكن يجب أن يتم ذلك بإجماع الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس، حسب الخبير بالقانون الدولي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version