بغداد- وقع الرئيس الأميركي جو بايدن، الثلاثاء الماضي، مرسوماً مدّد من خلاله حالة الطوارئ الوطنية المتعلقة بالأوضاع في العراق، وجاء في بيان نشره موقع البيت الأبيض على لسان الرئيس ما نصه “لا تزال هناك عقبات تعترض إعادة الإعمار المنظم في العراق، واستعادة الأمن والسلام والحفاظ عليهما، مع عقبات أخرى تعيق تطوير المؤسسات السياسية والإدارية والاقتصادية في البلاد”.

كما نص البيان على أن هذه العقبات لا تزال تشكل تهديدا وصفه بـ “غير العادي” للأمن القومي والسياسة الخارجية للعراق وللولايات المتحدة، وبناء على ذلك “قررت (إدارة بايدن) أنه من الضروري استمرار حالة الطوارئ الوطنية المعلنة بموجب الأمر التنفيذي رقم 13303 فيما يخص استقرار العراق”.

وتثار العديد من التساؤلات عن معنى القرار ودلالاته ومدى تأثيره على الوضع العراقي سياسيا وأمنيا، وما موقف البرلمان وحكومة بغداد منه، لا سيما بعد الأزمات الأمنية التي كانت البلاد قد انتهت منها في ظل استقرار سياسي نسبي منذ تشكيل حكومة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني.

20 عاما على الغزو الأمريكي للعراق

ماذا يعني القرار؟

وعن المرسوم الأميركي وتاريخه واستخدامه، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة جيهان، مهند الجنابي، إن فهم مرسوم حالة الطوارئ يتطلب الرجوع إلى قانون أميركي قديم تم تشريعه عام 1977، وهو قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية والدولية الذي يخول الرئيس الأميركي تنظيم التجارة الدولية بعد إعلان حالة الطوارئ.

ويعني أنه يحق للرئيس الأميركي إصدار أوامر تخص التجارة الدولية، وكل ما يتعلق بأي تهديد للأمن القومي الأميركي، وهو ما استند إليه الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش الذي أصدر في 22 مايو/ أيار -عقب غزو العراق- أمرا بالرقم 13303 الخاص بإعلان حالة الطوارئ الوطنية، وفق ما يؤكده الجنابي للجزيرة نت.

ما الموقف العراقي؟

وعن الموقف العراقي الرسمي برلمانيا وحكوميا، يقول عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان شعلان الكريم إن تمديد حالة الطوارئ الأميركية بالعراق طوال السنوات الماضية كان مبررا بحكم الوضع الأمني غير المستتب وسيطرة تنظيم الدولة على مساحات شاسعة من البلاد، فضلا عن وجود المليشيات.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول الكريم “الوضع العراقي الآن بات أفضل بكثير، بما يعني أن تمديد حالة الطوارئ يبعث برسائل عدم اطمئنان، خاصة أن واشنطن تسعى لتقوية العلاقة مع بغداد في المشاريع الاستثمارية والإستراتيجية”.

وقد لا يتفق النائب البرلماني ماجد شنكالي -الذي ينحدر من منطقة سنجار المتوترة أمنيا التابعة لمحافظة نينوى إداريا- كثيرا مع الكريم، إذ يرى أن الوضع لا يزال هشا، مبينا بالقول “متى ما تم حصر السلاح بيد الدولة وتوحيد مصدر القرار والخطاب، فإن الولايات المتحدة لن تستطيع في حينها إصدار أي قرار مشابه لتمديد حالة الطوارئ بالعراق، لا تزال هناك قوى مؤثرة بالقرار العراقي، وهي جزء من السلطة، لكنها في ذات الوقت تتسبب بوضع هش للدولة”.

وفي حديثه للجزيرة نت، تابع شنكالي أنه يمكن لأي خلاف سياسي أو طبيعي أن يتطور إلى صراع مسلح، كما حدث في منطقة ألبو عيثة (جنوب بغداد) الأسبوع الماضي بين فصائل مسلحة وقوات أمنية، بحسبه.

وأضاف “حتى هذه اللحظة، لم نبدأ بمناقشة المواد الخلافية بين الكتل السياسية، مثل عدم البدء بمناقشة إعادة النازحين لبعض المناطق كجرف الصخر، فضلا عن موضوع قانون العفو العام وإشكالياته. أعتقد أن الخلافات موجودة، إلا أن الكل مشغول الآن بالموازنة، رغم أن السوداني جاد بوضع خطة لحل مجمل المشكلات بما يتطلب تنازلات سياسية وتنازل أطراف أخرى عن مصالحها”.

ورغم محاولة مراسل الجزيرة نت التواصل مع المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي للاستعلام عن طبيعة موقف الحكومة من تمديد حالة الطوارئ الأميركية، فإن رسالة نصية للمتحدث أوضحت أنه لا يمتلك معطيات عن هذا الموضوع.

منقذ داغر: الإعلان عن تمديد الطوارئ تأكيد لرسالة سابقة مفادها أن واشنطن تنظر لأفعال الحكومة العراقية لا أقوالها (رويترز)

ما الرسائل السياسية؟

وبالعودة إلى الكريم، فإنه يستغرب من تمديد حالة الطوارئ الأميركية، ولا سيما أن الحكومة العراقية والسياسيين المشاركين بالحكومة كانوا قد بعثوا رسائل لواشنطن تفيد بأنهم يودون بناء علاقات جيدة معها، وأن من بينهم أولئك السياسيون الذين كانوا مخالفين للتوجه الأميركي، مبينا ضرورة أن تكون واشنطن أكثر وضوحا في الغايات التي جاء من أجلها التمديد، وفق تعبيره.

على الجانب الآخر، يشير مدير الشرق الأوسط بمؤسسة غالوب الأميركية للأبحاث منقذ داغر إلى أن هذا الإعلان يمدد سنويا منذ عام 2003، وأنه يهدف لمنح الرئيس الأميركي سلطات معينة خارج القانون الأميركي، بما يتيح له التصرف بالطريقة التي يراها مناسبة ضد التهديدات التي تهدد المصالح الأميركية.

وفي حديثه للجزيرة نت، يتابع داغر أن القانون يتيح للرئيس الأميركي معاقبة شخصيات وكيانات سياسية عراقية، كما حدث مع بعض الشخصيات السنوات السابقة، وأن الإعلان عن تمديد حالة الطوارئ للعراق بالطريقة التي جرت مؤخرا جاء لتأكيد رسالة أميركية سابقة مفادها أن واشنطن ستنظر لأفعال الحكومة العراقية الحالية لا أقوالها، وهو ما أكدته السفيرة الأميركية ببغداد ألينا رومانوسكي مؤخرا، وفق داغر.

مهند الجنابي يؤكد: مرسوم الطوارئ خول واشنطن الضغط على المركزي العراقي للالتزام بالنظام الدولي (الجزيرة)

ما تأثيرات حالة الطوارئ؟

وبالعودة إلى أستاذ العلوم السياسية بجامعة جيهان، يرى أن تأثير تمديد حالة الطوارئ يتعلق بحماية أموال وصادرات بغداد النفطية بعد إنشاء صندوق تنمية العراق عقب الغزو، وحماية الأموال العراقية من الدائنين الدوليين للحكومات العراقية التي سبقت الغزو.

ولا يقتصر الأمر عند ذلك، إذ أنه رغم أن تمديد الطوارئ لا يخول الرئيس الأميركي التدخل العسكري -بحسب الجنابي- فإن تداعياته الاقتصادية حاضرة من ناحية العقوبات التي يمكن للقانون أن يفرضها أو يوفرها، مبينا أن من ضمن ما يمكن للقانون إتاحته للحكومة الأميركية هو ما اتخذه الفدرالي الأميركي تجاه البنك المركزي العراقي وإلزامه باعتماد نظام التحويلات المالية الدولية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وعلى صعيد ذي صلة، يؤكد الخبير الأمني والإستراتيجي سرمد البياتي أن تمديد حالة الطوارئ يعد حالة طبيعية، ولا يشكل أي خطر على البلاد من الناحية الأمنية والعسكرية، مع تأكيده أهمية القانون في حماية الأصول المالية العراقية، مبينا -في حديثه للجزيرة نت- أن وجود بعض القوات الأميركية بالعراق يعد سببا آخر لتجديد حالة الطوارئ، وفق قوله.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version