تساؤلات عدة أثارها كثير من المحللين بشأن قدرة الرئيس، فلاديمير بوتين، على إحكام قبضته على البلاد عقب التمرد المسلح الذي شنه مرتزقة “فاغنر”، ومدى تأثير ذلك على علاقته بالصين، حليفه الأبرز.

ويرى عدد من الخبراء أن التمرد الذي لم يدم طويلا ضد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نهاية الأسبوع الماضي، قد يثير الشكوك في أن روسيا يمكن أن تكون الشريك المستقر والموثوق الذي تحتاجه الصين لتحقيق طموحاتها، وفقا لموقع “أكسيوس”.

وأوضح الموقع في تقرير، الثلاثاء، أن بكين تعتمد على تحقيق هدفها المتمثل في إيجاد بديل للنظام العالمي الذي يقوده الغرب جزئيا على بقاء نظام روسي راغب وقادر على دعم هذا الهدف.

وذكر أن عدم استقرار روسيا من شأنه أن يخلق بيئة أمنية أضعف لبكين ويحتمل أن يعيق دعم الكرملين للصين في حالة الصراع مع الغرب.

وخلال التمرد المسلح الذي استمر 24 ساعة ووصلت خلاله قوات “فاغنر” إلى بُعد أقل من 400 كيلومتر من موسكو، تحدى زعيم المجموعة شبه العسكرية، يفغيني بريغوجين، مباشرة سلطة الرئيس الروسي قبل أن يسحب رجاله ويغادر إلى بيلاروسيا المجاورة، بحسب وكالة “رويترز”.

وقبل انسحابها، سيطرت قوات “فاغنر” على مقر قيادة الجيش الروسي في روستوف (جنوب غرب روسيا)، ومركز إدارة العمليات في أوكرانيا.

وقال بريغوجين، في وقت سابق الاثنين، في أول تسجيل صوتي له منذ إنهاء التمرد، إن هدفه من إرسال مقاتليه نحو موسكو كان إنقاذ مجموعته المهددة بالحل وليس الاستيلاء على السلطة.

وكان رجل الأعمال الروسي المعروف باسم “طباخ بوتين” يكتسب شعبية من دخول قواته إلى الخطوط الأمامية بأوكرانيا، الصيف الماضي، وسط خسائر تكبدها الجيش النظامي، وفقا لما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز”، الثلاثاء.

وكانت القوة المتزايدة لمرتزقة فاغنر بمثابة توازن للقوات المسلحة النظامية أيضا، وهي أداة إضافية يحمي بها بوتين سلطته.

لكن الصراع بين زعيم “فاغنر” ووزير الدفاع الروسي خلق مشاكل للقيادة الروسية. وبدأ بريغوجين في انتقاد القوات النظامية علانية، بما في ذلك وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو.

وقال نائب رئيس المجلس الأميركي للسياسة الخارجية الخبير في الأمن الإقليمي للشرق الأوسط وآسيا الوسطى وروسيا الاتحادية، إيلان بيرمان، لموقع “الحرة” إنه “مع تذبذب الأوضاع في روسيا ودخول الحرب في أوكرانيا مرحلة أخرى مع الهجوم الأوكراني القادم، من الواضح أن الصين تستعد للاستفادة من النتيجة بغض النظر عن الجانب الذي سينتصر في النهاية”.

وأضاف أن الصين تمكنت بالفعل من جني مكاسب كبيرة في علاقاتها مع روسيا، إذ أصبحت موسكو أكثر اعتمادا على بكين لبقائها الاقتصادي ودعمها السياسي. كما اكتسبت الصين أرضية في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، خاصة مع ألمانيا وفرنسا، إذ يبدو أن الدولتين اعترفتا بدور بكين المتنامي في تشكيل العلاقات بين كييف وموسكو.

وتابع بيرمان أن السيناريو الأفضل لبكين كان يتمثل في انتصار روسيا، لكن الصين مع ذلك ستستفيد، إذ تخدم حرب الاستنزاف الطويلة الأمد في أوكرانيا مصالح بكين من حيث أنها ستؤدي إلى إضعاف روسيا على المدى الطويل، وبالتالي تحويل ميزان القوة الصيني الروسي بشكل حاسم لصالح الصين لسنوات قادمة.

كما تستفيد الصين أيضا من الطاقة الروسية الرخيصة، التي تدعم اقتصادها وتحسن مركز بكين التنافسي في الأسواق العالمية، بحسب الخبير الأميركي.

وزادت صادرات روسيا من الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى الصين مرتين ونصف في عام 2022 ، بينما زادت صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى الصين بأكثر من الضعف. كما زادت الصين العام الماضي من حجم إنتاجها من الفحم الروسي بنسبة 20 في المائة، وفقا لوكالة “رويترز”.

وتحدث الخبير عن استفادة الصين من إعادة ترتيب أولويات روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا في مجال التحديث العسكري، موضحا أن أكبر جائزة تلوح في الأفق لبكين هي التفاوض مع موسكو للوصول إلى تقنيتها العسكرية المتقدمة، خاصة أنظمة دفع الغواصات الهجومية، حيث تتخلف الصين بشكل كبير عن روسيا والغرب.

وقالت أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية في القاهرة، فاطمة شوقي، لموقع “الحرة” إن “الأزمة الحالية. تمثل أخطر تحدٍ لحكم بوتين، الذي دام 23 عاما، ولحظة من عدم اليقين للزعيم الصيني، شي جين بينغ”.

وأوضحت أن “شي وضع علاقة الصين مع روسيا كحصن ضد النفوذ الأميركي والغربي في العالم، لكن الآن روسيا في حالة من الفوضى ويبدو أن بوتين ضعيف”.

وترى أن ما يحدث حاليا هو السيناريو المتشائم الذي كانت الصين تخشاه، وهو أن غزو بوتين لأوكرانيا سيضر في النهاية باستقرار التحالف الذي عولت عليه الصين”.

وتعتقد شوقي أنه تحالف الصين وروسيا يعتمد بالأساس على العداء لواشنطن وحلفائها، وما يرون أنه نظام دولي غير عادل تقوده الولايات المتحدة.

وأشارت المحللة السياسية إلى أن “شي كان يحاول دعم بوتين منذ بداية غزو موسكو لأوكرانيا، وفي الوقت نفسه، حاول أن يكتسب مكانة دولية بدعوته أيضا إلى السلام والمفاوضات لإنهاء العنف”.

وقالت شوقي إن “روسيا تحتاج إلى الصين لشراء النفط والغاز، وتجد الصين في روسيا سوقا متناميا للسيارات والهواتف الذكية المصنوعة في الصين، حيث تخنق العقوبات الواردات من الغرب”.

وترى أستاذة العلاقات الدولية أن نتائج الغزو الروسي حتى الآن سلبية على كل من الصين وروسيا، إذ أدى غزو موسكو لأوكرانيا إلى تقويض علاقات روسيا مع الغرب وتسببت العقوبات بإضعاف اقتصادها، وفي الوقت نفسه، اتخذت واشنطن وحلفاؤها خطوات لخنق وصول الصين إلى رقائق الكمبيوتر المتقدمة لأسباب تتعلق بالأمن القومي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version