امتد نطاق الضربات الإسرائيلية وأوامر الإخلاء في جنوب لبنان ليشمل قرى مسيحية، طالما كانت على مدار عام تقريبا تتابع التصعيد والصواريخ المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل، بعيدا عن أي اشتباك.

وفضّل بعض سكان القرى المسيحية في الجنوب اللبناني البقاء في منازلهم، كما استضافوا نازحين من القرى الشيعية المجاورة.

وأشارت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، إلى أن هؤلاء السكان في القرى المسيحية وكهنتهم أيضًا، يرفضون الخروج لأسباب عديدة، من بينها عدم القدرة على تحمل تكاليف الانتقال، والشعور بأن البقاء “سيردع” القوات الإسرائيلية عن شن هجمات ضد مناطقهم.

كما يخشى البعض أنهم لو غادروا منازلهم، فلن يتمكنوا من العودة إليها مرة أخرى.

ومن بين تلك القرى، القليعة في قضاء مرجعيون بمحافظة النبطية جنوبي لبنان، حيث قال روبرت ومنال الحاج للصحيفة، إن الحرب أشعرتهم بـ”العجز التام”.

وشرحا أنه بعد سنوات من الأزمة الاقتصادية في لبنان، باتوا غير قادرين حتى على الهروب من منطقة الخطر في ظل حرب لا يرغبون فيها من الأساس، حيث لا تستطيع الأسرة تحمل تكاليف السفر والانتقال إلى مكان آخر ولا ترغب في “الإذلال” المتمثل في البقاء بملجأ نازحين في بيروت.

ومع مرور الوقت، زاد دوي المدفعية والغارات الجوية على مناطق محيطة بالقرية، وباتت أقرب ثم أقرب. ووصفت الأسرة الوضع بالقول: “الليالي صارت جحيما”.

لبنان.. أمومة غير مكتملة وأطفال يولدون “نازحين”

رضيع قضى في غارة إسرائيلية على بلدة أيطو في زغرتا شمال لبنان ليل الاثنين الماضي وآخر انتشل حيا من بين الركام في البقاع الثلاثاء، حادثان يعيدان إلى الواجهة معاناة الأمومة والطفولة في زمن الحرب.

يذكر أن الأمم المتحدة طالبت، الثلاثاء، بتحقيق “مستقل ومعمق” حول ضربة إسرائيلية أوقعت 22 قتيلا في شمال لبنان.

والأسبوع الماضي، قتل 22 شخصا بينهم 12 امرأة وطفلان، في الضربة التي استهدفت مبنى من 4 طوابق في بلدة أيطو المسيحية في قضاء زغرتا، وفق الناطق باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، جيريمي لورنس.

كانت هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها هذه المنطقة الواقعة شمالي لبنان للغارات الإسرائيلية، التي غالبا ما تستهدف معاقل حزب الله في جنوب وشرق لبنان، إضافة إلى ضاحية بيروت الجنوبية.

وتقول إسرائيل إنها تستهدف عناصر حزب الله ومخازن أسلحة بين المناطق المدنية، وتشير إلى أنها تصدر أوامر إخلاء في المناطق المستهدفة قبل توجيه ضربات لتجنب إسقاط ضحايا مدنيين.

ومن أيطو، قال إيلي عدوان لشبكة “إن بي سي” الأميركية، إنه “حتى الأسبوع الماضي فقط، كانت المنطقة هادئة”، مشيرًا في حديثه إلى فيلته التي تحولت إلى أنقاض إثر ضربات إسرائيلية.

وتابع: “كان منزلي من 3 طوابق. انظروا إليه اليوم!”.

وأوضح عدوان أن أحد المسؤولين في حزب الله كان يزور المنطقة ويتبرع بالمال للنازحين الذين وصلوا من مناطق تستهدفها الضربات الإسرائيلية.

وحينها قال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف “هدفا تابعا لمنظمة حزب الله الإرهابية شمالي لبنان”.

والسبت، أكد المتحدث باسم قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل”، أندريا تينتي، في تصريحات خاصة لقناة “الحرة”، أن الدمار الذي أصاب العديد من البلدات والقرى في الجنوب اللبناني “صادم ومروع”.

وأوضح تينتي أن العديد من البلدات والقرى على طول الخط الأزرق الفاصل بين لبنان وإسرائيل، تعرضت للكثير من الدمار، الذي “امتد إلى الجنوب، باتجاه مناطق عمل قوات الأمم المتحدة”.

لعنة الجغرافيا تلاحقهم.. مسيحيو شريط لبنان الحدودي يدفعون ثمن تمسكهم بأرضهم

منذ عقود، تلاطمت بهم أمواج الحروب، حاصرتهم بلا رحمة، لكنهم، كشجر متجذّر، صمدوا، واجهوا العواصف، وتمسكوا بأرضهم. في صمت عاشوا معاناتهم، كتموا آلامهم، لكن عزيمتهم لم تنكسر، وإرادتهم ظلت عصيّة على الانحناء… إنهم مسيحيو الشريط الحدودي، الذين لطالما فُرِض عليهم دفع ثمن فاتورة حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

والخط الأزرق هو خط فاصل رسمته الأمم المتحدة عام 2000 لتأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوبي لبنان، وهو ليس حدوداً رسمية لكنه يُستخدم لتحديد الوضع الحدودي بين لبنان وإسرائيل.

وأضاف: “هذا الأمر مستمر، رغم أن قدرات الرصد محدودة بسبب العمليات العدائية”.

وأشار إلى أن “الدمار الحالي أكبر بكثير مما رأيناه عام 2006″، في إشارة إلى الحرب التي اندلعت في يوليو من ذلك العام، بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله اللبناني، واستمرت لنحو شهر.

وأوضحت واشنطن بوست في تقريرها، أن في هذا الوضع “الدين لا يوفر سوى حماية هشة”، مشيرة إلى أن القس غريغوريوس سلوم، أحد سكان قرية إبل السقي الواقعة على بعد أميال من قرية القليعة جنوبي لبنان، “أصيب بجروح قاتلة” إثر غارة إسرائيلية في سبتمبر.

كما تعرضت قرى أخرى، من بينها عين إبل التابعة لقضاء بنت جبيل جنوبي لبنان، إلى ضربات إسرائيلية قوية أيضًا.

ويشكل النزوح الجماعي تحت وطأة الضربات الإسرائيلية “اختبارا للتوازن الطائفي الهش” في لبنان، وفق واشنطن بوست، حيث تسبب القصف الإسرائيلي في هدم مبان بأكملها يقيم بها نازحون في مناطق مسيحية، لاستهداف أفراد من حزب الله، وحدث ذلك في الشمال اللبناني أيضًا.

وامتدت الحرب المستمرة في غزة إلى لبنان، حيث تشن إسرائيل منذ 30 سبتمبر عمليات برية جنوبي البلاد، في موازاة غارات جوية على معاقل حزب الله الموالي لإيران، حليف حماس.

ومنذ 23 سبتمبر، قُتل ما لا يقل عن 1454 شخصا في لبنان جراء الهجمات الإسرائيلية، حسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات رسمية. وأحصت الأمم المتحدة نزوح نحو 700 ألف شخص، فيما تشير بيانات لبنانية رسمية إلى أن الأعداد تجاوزت المليون شخص.

ويعاني النازحون من ظروف معيشية صعبة، حيث تكتظ مراكز الإيواء بهم، في وقت تواجه فيه المؤسسات الإنسانية والمنظمات الإغاثية صعوبات كبيرة في تأمين الاحتياجات الأساسية من غذاء وماء وأدوية نتيجة الضغط الكبير الناتج عن العدد المتزايد من النازحين. 

كما أن الوضع الصحي يزداد تعقيداً، خصوصاً بعد تسجيل حالة إصابة بالكوليرا لمريضة لبنانية من بلدة السمونية في عكار شمالي البلاد، مما يثير مخاوف من تفشي الأوبئة بين النازحين ومجتمعاتهم المضيفة.

ورغم وضع الحكومة اللبنانية خطة طوارئ منذ بداية فتح حزب الله الجبهة الجنوبية، والجهود الدولية لإرسال المساعدات، فإن الاحتياجات على الأرض تفوق ما يتم تقديمه.

“كأهوال يوم القيامة”.. نازحون لبنانيون يروون قصص الهروب من الموت

“أشعر أنني أختنق، لا أستطيع تجاوز ما حدث لي ولأولادي”، بهذه الكلمات بدأت الناشطة الاجتماعية، الخبيرة بالحماية الأسرية، رنا غنوي، رواية تجربتها المرعبة عقب الغارات الإسرائيلية، التي استهدفت بلدتها كفر رمان الجنوبية.

وفي يوليو الماضي، كشف منسّق لجنة الطوارئ الحكومية، وزير البيئة، ناصر ياسين خلال حديث إذاعي، أن “الحكومة تعمل على توسيع خطة الطوارئ لما يتطابق مع التطورات المستمرة”، لافتاً إلى “أن الخطة قيد التنفيذ منذ أكتوبر الماضي بالتنسيق مع المنظمات الدولية”.

لكن “الاستجابة الحالية لأزمة النازحين، غير كافية، سواء من الحكومة أو المنظمات غير الحكومية”، كما تقول الناشطة الاجتماعية رنا غنوي، موضحة أن “الاحتياجات على الأرض لا تزال أقل بكثير من الحجم المطلوب”.

ما صحة ما يتداول في لبنان بشأن القرار “1701 بلاس”؟

مع زيادة حدة التصعيد في لبنان، لا يتوقف الحديث عن القرار الأممي 1701 الصادر قبل 18 عاما، والذي دعت كل من الحكومة اللبنانية وإسرائيل إلى تنفيذه، لكن الاتهامات انطلقت من كل جانب بعدم الالتزام.

وأوضحت غنوي لموقع “الحرة”، أن الحكومة اللبنانية “لم تتوقع أن يصل عدد النازحين إلى ما يزيد عن مليون شخص، أي ما يعادل ربع سكان لبنان”، شارحة أن “هناك فجوات كبيرة في الاستجابة، ولا توجد حتى الآن خطة واضحة المعالم، حيث لا تزال الحكومة في مرحلة التخطيط، أي وضع الأفكار، مما يمثل إحدى أكبر الفجوات في استجابة الدولة اللبنانية”.

وشددت على أن أية خطة تتطلب “إعداد دراسة جدوى شاملة لتحديد التكلفة وآلية التنفيذ، وهو ما لم يحصل”.

وشرحت: “البلد متهالك في الأساس، بنظامه غير الواضح وميزانيته المهتزة، وبعد أن كان يكافح لعقد مؤتمر للمانحين، وجد نفسه يصطدم بأزمات متتالية، بدءاً من انفجار مرفأ بيروت، مروراً بانهيار العملة المحلية، وصولاً إلى الحرب التي قضت على ما تبقى من قدراته”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version