في تطور سياسي لافت، أعلن رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، عن انهيار التفاهم الذي كان قائماً بين تياره وحزب الله. جاء هذا التصريح خلال مقابلة تلفزيونية، في 22 أكتوبر، حيث أكد أن “التيار ليس في وضع تحالف مع الحزب”، متطرقاً إلى اختلافات جوهرية في المواقف بين الطرفين.

باسيل وجّه انتقادات لاذعة لحزب الله، مجدداً رفضه لفتح الحزب جبهة عسكرية في جنوب لبنان، معتبراً أن هذا التحرك “أسقط عن حزب الله حجة الدفاع عن النفس وأضعف قوة لبنان”، كما وصف سياسة “وحدة الساحات” التي اعتمدها حزب الله لفتح الجبهة الجنوبية في 8 أكتوبر بأنها “خطأ استراتيجي” يخدم مصالح دول أخرى على حساب مصلحة لبنان.

تشير هذه التطورات إلى أن الحرب الدائرة بين حزب الله وإسرائيل كانت القشة التي قصمت ظهر العلاقة بين التيار الوطني الحر والحزب، وكان التحالف بين الطرفين شهد تراجعاً ملحوظاً بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في عام 2022، ليصل إلى ذروته بعد توريط الحزب للبنان في الحرب الحالية.

ويرى مراقبون أن “تفاهم مار مخايل”، الذي أبرمه التيار والحزب في 6 فبراير 2006، قام على تحقيق مصالح متبادلة بين الجانبين، فقد لعب حزب الله دوراً محورياً في وصول العماد ميشال عون، مؤسس التيار الوطني الحر، إلى رئاسة الجمهورية في عام 2016، كما ساهم الاتفاق في تعزيز كتلة التيار النيابية وفي حصوله على المزيد من الحقائب الوزارية السيادية. في المقابل، قدّم التيار غطاءً سياسياً مسيحياً لحزب الله، مما عزز وجوده العسكري ومشروعه في الساحة اللبنانية.

وتضمن هذا التفاهم عشرة بنود رئيسية، أهمها، قانون الانتخاب، بناء الدولة، المسألة الأمنية، العلاقات اللبنانية السورية والفلسطينية، وحماية لبنان والحفاظ على سيادته واستقلاله.

فراق نهائي؟

ردّ عضو كتلة “التنمية والتحرير” (حركة أمل)، النائب قاسم هاشم، على انتقادات باسيل لحزب الله، قائلاً “لكل شخص رأيه في القضايا المختلفة، لكن الأولوية الآن هي مواجهة العدوان الذي يتعرض له لبنان، وما عدا ذلك يمكن مناقشته في وقت لاحق”.

ويشير هاشم في حديث لموقع “الحرة” إلى أن “حزب الله، الذي يعد حليفاً لباسيل وتياره، لم يعلن موقفه بعد من تصريحه”، مؤكداً أن “الموضوع سيناقش في إطاره المناسب حينما يحين الوقت”.

من جانبه، يشير منسق اللجنة المركزية للإعلام والتواصل في التيار الوطني الحر” ميشال أبو نجم إلى أن باسيل لم يقل في تصريحه “إلا ما يراه مصلحة لبنان الذاتية الصرفة، وسبق وقاله على رؤوس الأشهاد”.

ويشدد أبو نجم في حديث لموقع “الحرة” على أن التيار الوطني الحر “يتميز في تصريحاته وسلوكياته بالوضوح والشفافية مع كل القوى السياسية التي يتعامل معها، على قاعدة مصلحة لبنان والمساحات المشتركة، وتحديد نقاط الاختلاف، كما أن التيار ورئيسه يتميزان بقول الأمور في وقتها وليس في عدم الحاجة إليها”.

في المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي، إلياس الزغبي، أن تصريح باسيل يأتي في إطار “الابتزاز السياسي وقلة وفاء”، موضحاً أن “الحيثية السياسية التي اكتسبها تعود بشكل أساسي إلى دعم حزب الله، ليس فقط في على مستوى فرض عمه ميشال عون رئيسا للجمهورية، بل على مستوى رفد كتلته النيابية بأكثر من ثمانية نواب، وقد ظهر مدى الهزال السياسي الذي أصابه بعد انتهاء العهد والتمايز الذي حصل من حزب الله تجاهه قبل حرب الإسناد والمشاغلة وخلالها وبعدها”.

ويعتبر الزغبي في حديث لموقع “الحرة” أن باسيل يسعى من خلال موقفه إلى “استجداء رضى أميركياً، عسى أن يؤدي ذلك إلى رفع العقوبات عنه، كما أن باسيل يعتقد أنه من خلال الابتعاد عن حزب الله سيستعيد بعض من شعبيته في أوساط المسيحيين، بعد الانهيار الذي شهدته سياسته وموقعه السياسي”.

ويرى العديد من المراقبين أن التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، أسهم في تراجع شعبية التيار داخل الأوساط المسيحية، فيما أشار باسيل، إلى أن العقوبات الأميركية التي فرضت عليه في نوفمبر 2020 بتهمة الفساد، كانت نتيجة لهذا التحالف مع حزب الله.

من جانبه يعتبر الصحفي محمد بركات أن تصريحات جبران باسيل الأخيرة “ليست جديدة”، ولا تعكس تحولاً استراتيجياً، “بل تؤكد تحولاً بدأ قبل حوالي العامين”.

ويوضح بركات في حديث لموقع “الحرة” أن باسيل أدلى بتصريحات مشابهة تعارض فتح حزب الله لجبهة الجنوب، كما يشير إلى أن “رئيس الجمهورية السابق، العماد ميشال عون، عمّ باسيل، كان قد أكد على هذه المواقف في مقابلة صحفية قبل نحو شهر”، ومع ذلك، يرى بركات أن “الجديد في تصريح باسيل هو إعلانه الفراق النهائي مع حزب الله”.

ورقة التوت الأخيرة

كشف باسيل في تصريحه الأخير عن التصدعات العميقة في “تفاهم مار مخايل”، مسقطاً بذلك “ورقة التوت” الأخيرة عن التحالف الذي جمع تياره بحزب الله لسنوات.

وقد شهد هذا التحالف توترات متصاعدة، حيث برزت الخلافات بين الطرفين في ملفات عدة، أبرزها تسمية نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، التي أيدها “حزب الله” بينما رفضها التيار، معتبراً أن تجربة ميقاتي السابقة كانت فاشلة. كما اختلفت مواقفهما بشأن جلسات الحكومة، إذ قاطع وزراء التيار الجلسات لاعتبارها غير شرعية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، بينما شارك وزراء حزب الله في الجلسات الطارئة.

ومن بين النقاط الخلافية البارزة بين الطرفين، ملف رئاسة الجمهورية، حيث أصر حزب الله على دعم ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية بدلاً من باسيل.

هذه الخلافات طفت على السطح مرات عدة على صورة انتقادات لاذعة من التيار الى الحزب، لاسيما في فبراير 2021 بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لإبرام “تفاهم مار مخايل”، عندما أعلن التيار في بيان أن هذا التفاهم “لم ينجح في مشروع بناء الدولة وسيادة القانون”، مؤكداً أن هذه الذكرى تمثل فرصة للتمعن في مسار هذا التفاهم وتداعياته.

الانفجار الكبير في العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله حدث مع فتح الأخير جبهة جنوب لبنان في الثامن من أكتوبر 2023، ويوضح أبو نجم أن “نظرة التيار إلى حرب إسناد غزة أنها لا تنطلق من مصلحة لبنان، فضلاً عن أن نتيجتها العملية أفقدت أولاً حجة لبنان في الدفاع عن أراضيه وحقوقه، وثانياً في التطبيق أفقدته قوة الردع التي كانت تثني العدو الإسرائيلي عن استهداف لبنان، ومن هنا عتب التيار لجهة خسارة أرواق قوة للبنان”.

أما بالنسبة للعلاقة مع حزب الله، يقول أبو نجم “باتت تتراجع منذ أعوام عدة نتيجة مجموعة من العوامل، أولها إخلال حزب الله بوثيقة التفاهم والأهم تفضيل وحدة الطائفة الشيعية على مبدأ بناء الدولة التي تحمي الجميع بمن فيهم حزب الله”.

من جانبه، يؤكد هاشم أن الصراع مع إسرائيل مستمر، مشيراً إلى أن إسرائيل “تستهدف لبنان بشكل دائم، ولم ننفصل للحظة عن هذا الصراع الممتد من فلسطين إلى لبنان، ولبنان معني به بشكل أساسي، لأن جزءاً من أراضيه لا يزال محتلاً، سواء اعترف البعض بذلك أم لم يعترف”.

ويشدد هاشم على حق “حزب الله” في الدفاع عن لبنان، متسائلاً فيما إن كان لبنان في حالة سلام مع إسرائيل، وفيما إن كانت الأخيرة انسحبت “من الأراضي اللبنانية المحتلة”، وفيما إن كانت تلتزم بالقرارات الدولية، مشدداً على أن إسرائيل “لا تزال تنتهك أجواءنا يومياً، ما يؤكد أن الصراع معها مستمر”.

وفي رده على دعوة باسيل لإيران لمواجهة إسرائيل بشكل مباشر، يتساءل هاشم فيما إن كانت إسرائيل على حدود إيران “لكي يقول البعض أن الحزب يدافع عنها أو أنه مكلف من قبلها”، ويشدد “ما يجري هو جزء من الصراع الوطني، والمقاومة تقوم بدورها الوطني. وإيران، باعتبارها دولة صديقة، دعمت المقاومة، وهذا ما لا يمكن إنكاره، لكن القرار يستند إلى المصلحة والسيادة الوطنية، ويجب أن ننظر إلى الأمور من هذا المنطلق.”

أما بركات فيقول “لا شك أن حزب الله انتحر باللبنانيين وبنفسه، ودمر قدراته في مواجهة إسرائيل من خلال هذه الحرب غير الضرورية، التي لم تساند غزة، بل دمرت لبنان”.

هروب من “المركب”؟

يرى الزغبي أن هناك “محاولات مكشوفة من قبل باسيل للهرب من المركب المتهاوي لعله ينقذ نفسه من المصير الصعب الذي يتعرض له حزب الله، لكن الذاكرة السياسية اللبنانية والعربية والدولية لا يمكن أن تنسى البهلوانيات السياسية التي يقوم بها منذ فترة طويلة، والتي لم يحصد منها في الواقع سوى الخيبة والمزيد من الانكماش السياسي والشعبي”.

من جانبه يرى بركات أن باسيل يسعى من خلال تصريحه الأخير إلى “إرسال رسالة إلى العرب والعالم بأنه انفصل نهائياً عن حزب الله، وليس كما اُتهم سابقاً بالمناورة”

وعن انعكاسات تصريح باسيل على المشهد السياسي اللبناني يؤكد الزغبي أن “مثل هذه المواقف المتأرجحة ليس لهاأي تأثير على المسار السياسي في لبنان، لا على مستوى رئاسة الجمهورية وانتخاب الرئيس الجديد ولا على الحضور السياسي الفاعل خصوصاً في البيئة المسيحية، لأن الرأي العام المسيحي واللبناني عموماً كشف منذ زمن بعيد مدى التلاعب السياسي الذي يقوم به باسيل تحقيقاً لغاياته ومصالحه الضيقة، لذلك لا يمكن انتظار أي تأثير فعلي على هذه المواقف لجهة التوازنات السياسية داخل لبنان وخارجه”.

وفي ذات السياق، يقول بركات إن “حزب الله بات معزولاً سياسياً بالكامل في الداخل، ولم يعد بجانبه سوى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي شارك في اختياره وتشكيل حكومته، والرئيس نبيه بري الذي يمثل جزءاً من الثنائية الشيعية، لكن حتى الثلاثي ميقاتي وبري إضافة إلى الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، باتوا يدعمون اليوم وقف الحرب وتطبيق القرار 1701، ما يعني أنهم في مكان مغاير لكل خيارات حزب الله السياسية، ما يعني أن حزب الله بات وحيداً سياسياً وليس فقط عسكرياً”.

وعن تحذير جبران باسيل من خطر الفتنة الداخلية، يوضح أبو نجم أن “تداعيات الحرب خلقت معضلات كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بتأمين المساعدة للعائلات المتضررة وتوفير المواد الغذائية والأدوية وغيرها من الاحتياجات الأساسية، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء”، ويضيف “مسؤولية حكومة تصريف الأعمال معالجة وجود عدد كبير من اللبنانيين في العراء، ما يمكن أن يسهم في حالات الفوضى والاحتقان ولاحتكاكات، من هنا التحذير المستمر للتيار وقيادته”.

لكن هاشم يؤكد أن “الشعب اللبناني أثبت وعيه حتى أكثر من بعض القوى السياسية”، مستشهداً بطريقة تعامل اللبنانيين مع النازحين، حيث أظهروا كما يقول “احتضاناً وتضامناً كبيرين”، مشيراً إلى أن هذا الوعي “كفيل بإحباط أي محاولات لإثارة الفتنة”، داعياً القوى السياسية إلى “الابتعاد عن الخطاب التحريضي”، ومؤكداً أن الأولوية هي مواجهة إسرائيل “التي تسعى لإشعال الفتن وتغذية الصراعات الداخلية”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version