غزة- “خسرتُ بيتي وخيمتي وليس لي مكان سوى المقبرة”، تقول النازحة الكفيفة ياسمين أبو جاموس، التي تقيم وزوجها وطفلتيها الكفيفتين في خيمة متواضعة داخل مقبرة غربي مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.

دمرت قوات الاحتلال منزل هذه الأسرة في بلدة بني سهيلا شرقي خان يونس عندما اجتاحت المدينة من شرقها حتى غربها أواخر العام الماضي، فنزحت إلى مدينة رفح المجاورة ومكثت فيها 5 شهور وغادرتها على وقع عملية عسكرية إسرائيلية واسعة لا تزال مستمرة منذ مايو/أيار الماضي.

وكأن الاحتلال يلاحقها عندما اضطرت لترك “منطقة أصداء” في مواصي خان يونس إثر تهديدات إسرائيلية، فكان قرارها بالعودة وإقامة خيمة على أنقاض منزلها المدمر، غير أن المقام لم يطل بها هناك حتى توغلت آليات عسكرية إسرائيلية، وتقول للجزيرة نت “نجونا بأجسادنا ولم نأخذ معنا شيئا وأحرق الاحتلال الخيمة”.

ياسمين كفيفة صاحبة شهادة جامعية في تخصص تربية الطفل تقيم وأسرتها في خيمة داخل مقبرة (الجزيرة)

كفيفات في مقبرة

لنحو 12 يوما لم تجد ياسمين (33 عاما) وأسرتها مكانا يؤويها سوى شارع مجاور لـ “مقبرة النمساوي”، كانت الأسوأ في حياتها، وافتقدت خلالها كل شيء، الأمن والطعام والماء.

وبتبرع من فريق إغاثي يسمى “إسناد الخير”، حصلت على خيمة “وشعرتُ حينها أني أمتلك الدنيا وما فيها، وأخيرا سأجد ما يسترني وأسرتي، لكن تبدل شعوري إلى رعب شديد عندما علمت أنه لا مكان لإقامة الخيمة سوى داخل المقبرة”، كما تضيف.

وتقع هذه المقبرة في نطاق منطقة المواصي الساحلية التي تكتظ بمئات آلاف النازحين يقيمون في خيام تنتشر على امتداد البصر.

دمر الاحتلال منزل أسرة ياسمين أبو جاموس في بني سهيلا وأحرق خيمتها ولم يتبق لها سوى خيمة أقامتها في مقبرة غرب خان يونس-رائد موسى-خان يونس-الجزيرة نت
لم يتبق لياسمين وعائلتها سوى خيمة أقامتها في مقبرة غربي خان يونس (الجزيرة)

ومنذ 5 شهور تقيم ياسمين وعائلتها في خيمة داخل المقبرة، لكنها لم تتخلص من الخوف الذي يلازمها على مدار اللحظة ويزداد مع حلول المساء. وتقول “أخشى على نفسي ولكن خشيتي على بناتي أشد وأكبر”، وقد مرت بحادثة عززت خوفها عندما تسلل ثعبان صغير للخيمة وتمكن زوجها من قتله.

وُلدت ياسمين كفيفة مثل والدها واثنتين من شقيقاتها وأحد أشقائها، وتزوجت من ابن عمها سمير (28 عاما)، وأنجبت طفلتين كفيفتين، روان (4 أعوام) وتهاني (عامان)، وتقول إنها تمنعهما من الحركة وتجلسهما إلى جوارها داخل الخيمة بمجرد غروب الشمس.

وتتحمل هذه العائلة الانتشار الكثيف للذباب والحشرات المزعجة خلال النهار، وتقول ياسمين: “نجونا من الحيّة، وفي الليل يزداد الخوف مع نباح الكلاب والتحليق المكثف للطائرات وأصوات الانفجارات”.

تهاني (عامان) طفلة ياسمين كفيفة تعاني نقص الطعام المناسب لها والحفاضات الصحية (الجزيرة)

حياة بائسة

كانت الشهور الخمسة الماضية كفيلة بأن تدرك ياسمين وطفلتاها معالم المنطقة والمقبرة، ونسجت علاقات طيبة مع جيرانها في الخيام المجاورة، وتبدأ يومها مبكرا وتستيقظ لأداء صلاة الفجر ومن ثم تتفرغ لهما. في حين ينطلق زوجها صباحا يجوب الشوارع حاملا على كتفه كيسا يجمع فيها الورق والبلاستيك وكل ما يصلح وقودا للنار، حيث لا يمتلكون غاز طهي ولا يتوفر لديهم سوى القليل من أواني المطبخ.

ويظهر بؤس حياة هذه الأسرة من الخيمة الخالية إلا من القليل من الفراش والأغطية لا تحميها من البرد الشديد في ليل الشتاء، في حين خُصصت إحدى زواياها لإيقاد النار، وأخرى كمرحاض ولغسل الأواني والملابس القليلة.

ووسط هذا الواقع المرير، تجد ياسمين وقتا لتعليم طفلتيها ما اكتسبته من حفظها للقرآن الكريم كاملا، وشهادتها الجامعية في تخصص تربية الطفل، وبثقة كبيرة بنفسها تؤكد “أمي رحمها الله علمتني كيف أواجه المجتمع، وأريد لبناتي تحدّي الإعاقة وشق طريقهن فيه”.

وتوجّه هذه الزوجة المديح لزوجها سمير، وتقول “هو سندي بعد رب العالمين، يسعى وراء رزقنا ويساعدني في الطبخ والغسيل وتربية البنات”.

واعتاد سمير العمل في جمع البلاستيك والمعادن من الشوارع ومكبّات النفايات قبل اندلاع الحرب. ويقول للجزيرة نت إنه كان يحصل يوميا على مبلغ 20 شيكلا (حوالي 6 دولارات) من ذلك، لكن عمله توقف لخطورة المناطق الشرقية القريبة من السياج الأمني الإٍسرائيلي.

ويكتفي حاليا بجمع ما تحتاجه أسرته لإشعال النار وطهي ما يتوفر من طعام، وغالبه من المعلبات، حيث لم تتذوق هذه الأسرة اللحوم والخضار والفواكه منذ شهور طويلة لشُحها بالأسواق وللارتفاع الهائل في أسعارها، كما يؤكد.

محمد شبير أسس مبادرة “إسناد الخير” التطوعية لمساعدة النازحين في غزة (الجزيرة)

إسناد الخير

يقول مؤسس “فريق إسناد الخير” محمد شبير، للجزيرة نت، إن أسرة أبو جاموس لها خصوصية كون الأم وطفلتيها كفيفات، وكانت تقيم في الشارع قبل توفير هذه الخيمة لها، “ولم نجد لها سوى هذه المساحة داخل المقبرة للإقامة فيها”.

ويشرف هذا الفريق على مئات الخيام التي تؤوي أسرا نازحة من مناطق مختلفة ولم تجد لها مكانا سوى مجاورة الأموات في المقابر. وقد بادر شبير (33 عاما) وفريقه، الذي يضم 20 متطوعا من الشبان والفتيات، إلى تنظيم هذه الخيام العشوائية والسعي وراء تلبية احتياجاتها الأساسية.

ويعاني هذا الفريق من شح المساعدات الإنسانية بسبب القيود الإسرائيلية، ويؤكد شبير أن غالبية العائلات النازحة في المقبرة تعاني أوضاعا مأساوية وتحتاج للدعم والإسناد. ويقول “هذه المقبرة هي عالم الأموات، ولكننا في غزة بتنا نزاحمهم في قبورهم وننتظر مصيرنا المجهول، والغالبية تعاني من ضيق الحال والمجاعة”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version