منذ نشأتها في عام 2001، عايشت موسوعة “ويكيبيديا” سلسلة من القضايا الجدلية حول تفاصيل ثقافية وتاريخية متنوعة، قبل أن تتجه نحو مواضيع أكثر حساسية وخطورة، مثل الانتخابات، الاحتجاجات، والحروب.      

ومن أبرز الأمثلة الحديثة، الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تحولت ويكيبيديا إلى ساحة معركة للروايات المتنافسة والمتغيرة باستمرار، وفق تقرير جديد لمجلة “فورين بوليسي” بعنوان “كيف غزت روسيا ويكيبيديا”. 

تُعتبر النسخة الروسية من ويكيبيديا واحدة من أكبر ستة مواقع ويكيبيديا في العالم، وكانت حتى وقت قريب مصدرا رئيسيا للمعلومات في روسيا.

ولكن، خلال العقدين الماضيين، أصبحت تلك النسخة محاطة بالجدل بسبب تورطها في نشر الدعاية الموجهة من قبل الكرملين الذي استغل المنصة للترويج لرواياته السياسية.

حرب إبادة في أوكرانيا.. ودعاية الكرملين تحول الجنود الروس إلى جلادين

حولت الدعاية التي يوجهها الكرملين ضد أوكرانيا وتتكلف وسائل الإعلام الروسية الرسمية ببثها على مدار الساعة، الجنود الروس إلى “جلاديين بضمير “صافي، وفق ما خلص إليه تحليل من مجلة “فورين بوليسي”. 

تعتمد العديد من المقالات في النسخة الروسية من ويكيبيديا على المصادر الحكومية ويتم تحريرها بواسطة محررين روس يتبنون الروايات الرسمية للكرملين، وفق المجلة. 

وتشير “فورين بوليسي” إلى أن هذا التحيز برز بشكل واضح في تغطية النسخة الروسية للحرب على أوكرانيا.

على سبيل المثال، بينما تؤكد النسخة الإنكليزية من ويكيبيديا على الطبيعة غير القانونية لضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، تشير المقالات الروسية إلى هذا الحدث بشكلٍ يبرّر التدخل الروسي.

كما تقلل النسخة الروسية من دور الجيش الروسي في الصراع وتصور منطقة دونيتسك كجمهورية منفصلة عن أوكرانيا.

في قضية أخرى مثيرة للجدل، تتباين النسختان الإنكليزية والروسية حول حادثة إسقاط طائرة الخطوط الجوية الماليزية MH17 عام 2014، فبينما تُقر النسخة الإنكليزية بأن الطائرة أُسقطت بواسطة صاروخ أطلقه الجيش الروسي، تُشير النسخة الروسية إلى الحادثة بأنها “كارثة” دون الإشارة إلى المسؤولية الروسية، مما يعكس التأثير الكبير للروايات الحكومية الروسية على المحتوى، وفق تعبير المجلة.

وكانت رحلة الخطوط الجوية الماليزية “إم إتش17” في طريقها من أمستردام إلى كوالالمبور عندما كانت تحلق يوم 17 يوليو 2014 فوق المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون شرق أوكرانيا، حيث تعرضت لصاروخ أرض جو روسي الصنع انطلق من قاعدة عسكرية روسية يديرها المتمردون المدعومون من موسكو، وفق فريق تحقيق دولي.

أستراليا وهولندا تتخذان إجراءات قانونية ضد روسيا في “إسقاط الطائرة الماليزية”

قالت أستراليا وهولندا، الاثنين، إنهما بدأتا إجراءات قانونية مشتركة ضد روسيا في منظمة الطيران المدني الدولية بشأن إسقاط رحلة الخطوط الجوية الماليزية رقم “ام اتش17” قبل ثماني سنوات.

تحديات قانونية

واجهت مؤسسة “ويكيميديا”، التي تدير ويكيبيديا، تحديات قانونية في روسيا، حيث تم تغريمها عدة مرات بسبب المحتوى المتعلق بالحرب على أوكرانيا.

وتشير تقارير إلى أن مجموعات من الحسابات المنسقة، تُعرف بـ”حسابات دمى الجوارب” (Sock puppet) قامت بتنسيق جهود لتحرير الصفحات المتعلقة بالعلاقات الروسية الأوكرانية لصالح الرواية الرسمية الروسية.

هذه المجموعات تعمل على تقويض المصادر الأوكرانية والغربية، وتدعم بدلاً من ذلك الروايات المدعومة من وسائل الإعلام الحكومية الروسية.

وفي خطوة أخرى لتعزيز السيطرة على الفضاء الرقمي، أطلقت روسيا في وقت سابق هذا العام منصة بديلة لويكيبيديا تُسمى “روويكي” (Ruwiki)، بقيادة فلاديمير ميدييكو، المدير السابق لمؤسسة ويكيميديا الروسية.

بدأت هذه المنصة كنسخة طبق الأصل من النسخة الروسية من ويكيبيديا، مستفيدة من طبيعة اتفاقية المصادر المفتوحة لويكيبيديا.

تحتوي “روويكي” الآن على ما يصل إلى مليوني مقال باللغة الروسية، بالإضافة إلى 12 لغة إقليمية أخرى تُستخدم في روسيا، وهي تعمل خارج نطاق سيطرة مؤسسة ويكيميديا.

منصة بديلة

تختلف “روويكي” عن نموذج ويكيبيديا الأصلي الذي يسمح لأي مستخدم بإنشاء وتحرير المقالات، حيث يخضع  المحتوى المضاف لمراجعة مجموعة ضيقة من الخبراء المعتمدين من قبل الحكومة.

هذه الآلية تسمح للحكومة الروسية بفرض رقابة صارمة على المحتوى المقدم وضمان توافقه مع الروايات الرسمية، خصوصا في القضايا المعقدة مثل الغزو الروسي لأوكرانيا.

أدى إنشاء “روويكي” إلى خلق نسخة رقمية منعزلة تعكس رؤية الكرملين للأحداث. ففي هذه النسخة، يتم إنكار أحداث تاريخية كبرى مثل مجاعة “هولودومور” التي أودت بحياة ملايين الأوكرانيين في عهد الرئيس السوفييتي جوزيف ستالين، ويتم الترويج لفكرة أن حلف “الناتو” هو المسؤول عن استفزاز روسيا لشن غزوها لأوكرانيا.

وهذه المحاولات لعزل الفضاء الرقمي الروسي عن بقية العالم تندرج ضمن مفهوم “تجزئة الإنترنت” أو “السبلينترنت”، وفق “فورين بوليسي” وهي ظاهرة تتجسد في قيام الدول بتقييد وصول مواطنيها إلى الإنترنت العالمي وتوجيههم نحو منصات رقمية محلية تخضع لرقابة الدولة، مما يحد من حريتهم في الوصول إلى معلومات غير محكومة بالروايات الرسمية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version