عمان- “لوحة ورقية التقطتها عيني أثناء وجودي في مسجد الحي كانت السبب لتولّد شرارة الفكرة” بهذه الكلمات يصف الأردني خالد السّلِع انبثاق فكرة مبادرته “الناظرون لبيت المقدس” إذ يوضّح أن ما لفته حينها بتلك اللوحة كان حديثاً نبوياً شريفاً هو ما رواه الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في فضل المسجد الأقصى جاء فيه “… ولنِعْمَ المصلَّى، هوَ أرضُ المَحشرِ والمنشَرِ، وليأتيَنَّ على النَّاسِ زمانٌ ولقَيْدُ قوسِ الرَّجلِ حَيثُ يرى مِنهُ بيتَ المقدسِ؛ خيرٌ لهُ أو أحبَّ إليه مِنَ الدُّنيا جميعًا”.
ويروي السلع للجزيرة نت ما قفز إلى ذهنه حينها من أسئلة “كيف لي أن أحظى بهذا الفضل وهذه الوصية النبوية في ظل واقع صعب تفرضه قيود الاحتلال والحدود؟ كيف يتسنى لنا الرباط في بقعة نرى فيها الأقصى ونكسر فيها ظروف الواقع ولو بالنظر اليوم بينما يغرس فينا همّا التحرير واستعادة الأرض المقدسة يوماً ما آخر”.
ومن هنا انطلقت فكرة “الناظرون لبيت المقدس” لتبدأ محاولات البحث -التي استمرت 3 سنوات و3 آلاف كيلومتر من الترحال في السيارة- عن مكان يمكن منه رؤية المسجد الأقصى المبارك من الأردن ليقوده البحث مع رفاقه لمنطقة “مكاور” وقلعتها في جيل بني حميدة بمحافظة مأدبا جنوب غرب العاصمة عمان حيث يمكن رؤية المسجد بجلاء باستخدام الكاميرا.
بركة الأقصى
ومن اللافت أن الحديث النبوي الذي كان شرارة فكرة “الناظرون لبيت المقدس” هو من رواية الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري الذي يوجد له مقام في منطقة على مقربة من تلك التي استقر لها السلع ورفاقه في المبادرة، وبالتحديد بلدة شقيق غرب ذيبان في محافظة مأدبا حيث أتاها مقيماً قادماً من المدينة المنورة.
ويقول السلع واصفاً تجربته مع أهالي المنطقة “هم يعرفون هذه الإطلالات جيدًا، وكأنها جزء من إرثهم، تشعر أن المسجد الأقصى حاضر في وجدانهم، ليس فقط كصورة بعيدة، بل كجزء من هويتهم وتاريخهم النضالي، تشعر ببركة المسجد الأقصى في محياهم وشهامتهم ووقفتهم المعروفة ضد الظلم، ومع المسجد الأقصى وأهله على مر العصور ومن ذلك معركة الشيخ جراح في القدس عام 1967 التي قادها حمود أبو قاعود بني حميدة”.
ويتابع: ما إن التُقطت أول صورة واضحة للمسجد الأقصى من الموقع حتى انتشرت بسرعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما أثار اهتمام الكثيرين، فلم تعد مجرد تجربة شخصية، بل تحولت إلى حافز للكثيرين، حيث بدأت مجموعات شبابية ومؤسسات بزيارة الموقع لمشاهدة المسجد الأقصى عن قرب، رغم المسافات الفاصلة. كما يسعى الفريق حاليًا لاتخاذ إجراءات قانونية لتسهيل تفويج الزوار إلى المنطقة.
فكرة بالصدفة
لا يقتصر هدف “الناظرون لبيت المقدس” على التقاط الصور فحسب، بل يتعداه إلى إيجاد تجربة وجدانية تعمّق ارتباط المسلمين بالمسجد الأقصى، رغم العوائق السياسية والجغرافية حيث يقول “السلع” إن هدف المبادرة هو “تعميق الحالة الشعورية تجاه المسجد الأقصى المبارك عبر خوض هذه التجربة التي تلبي الدعوة النبوية وتتجاوز صعوبات الواقع وتكسر حاجز المكان وهو ما يغرس في الوجدان أهمية كسر القيد الفعلي للمدينة المقدسة وتحريرها لتعود لكنف أهلها”.
ويختم قوله بالإشارة إلى أن “كل شخص يحمل هاتفا أو كاميرا أو منظارا بسيطا هو جزء من هذه المبادرة والفكرة، ويمكنه بالفعل أن يعيش هذه التجربة” مشيرا إلى أن رحلتهم في أماكن مختلفة في المملكة مستمرة بحثا عن نقاط رؤية أخرى.
أما المصوّر علاء الطباخي فيروي للجزيرة نت كيف قاده الأمر ليكون جزءًا من المبادرة فيقول “لمدة طويلة كنت أتردد بحكم عملي لمكان أشاهد منه أراضي فلسطين وتحديداً القدس، من هنا بدأت البحث على أمل أن أحظى بمشاهدة المسجد الأقصى ولمعان القبة الذهبية، لكن تبيّن لي بعد حساب ارتفاع المسجد وزاوية الرؤية أن جبل الزيتون يغطي المسجد الأقصى المبارك ويمنع رؤيته من المكان الذي كنت أعمل به”.
ويردف “لكن باستخدام الخرائط الإلكترونية تبين لي وجود منحدر فقمت بمد خط من المسجد عبر هذا المنحدر ليتبين لي أن المكان الذي يمكن رؤية المسجد منه يقع في مأدبا” مضيفاً أن ذلك دفعه لاقتناء كاميرا جديدة حديثة، وعند سماعه صدفة عن تجربة السلع تواصل معه وأسسا معاً المبادرة والتقطا بالفعل صوراً واضحة انتشرت كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل.
عين تسبق الجسد
ويعتبر الطباخي صاحب فكرة تصوير الأشخاص من الأردن مع المسجد الأقصى، حيث يقول أن ذلك “جاء صدفة عند محاولته تصوير قلعة مكاور مع المدينة المقدسة بطلب من أحد المسؤولين بالمنطقة، وفي الزيارة التالية قررت أن أصور شخصا يقف على القلعة مع المسجد وكانت النتيجة مذهلة، ومن هنا بدأ الكثير يتلهفون للحصول على صور مماثلة حتى إن عائلات بأكملها تأتي طالبة توثيق صوراً لها مع المسجد المبارك”.
ويؤكد الطباخي أن الهدف من المبادرة جاء من خصوصية المسجد لدى المسلمين “للتأكيد على بركة هذه المنطقة ككل وإرثها التاريخي وارتباطها بالقدس والمسجد الأقصى ارتباطاً عقدياً تاريخياً ثقافياً ونضالياً، فعندما تتعمق في تاريخ المنطقة تجد أنه كان هناك ميناء يصل بين القدس ومأدبا عبر “هيرود” أقدم ميناء في العالم بالبحر الميت، وتجد أن هذا الميناء موجود باللوحة الفسيفسائية في كنيسة الروم الكاثوليكية بالمدينة”.
وبدوره يقول أحمد، أحد الذين خاضوا التجربة عن زيارته للمكان والتقاط صوره له مع المسجد الأقصى “هي لحظة من العمر حيث تشعر وكأن قلبك يقفز فرحاً ولهفة لزيارة المسجد، كنت أردد آية سورة الإسراء وأنا أقف على قلعة مكاور وأقول في نفسي: لن يكون هذا فقط هو نصيبي من بيت المقدس إنما هي لحظة لشحن القلب للحظة الحرية والنصر وهي عين على الأقصى تسبق الجسد”.
وينصح “من المهم اختيار الوقت المناسب بالاستعانة بالمتخصصين بالرصد الجوي حتى لا يعيق الطقس إمكانية رؤية بيت المقدس بوضوح، فكلما كانت الأجواء صافية كانت التجربة أفضل”.