تحتفل الولايات المتحدة الأميركية، الثلاثاء، بعيد استقلالها 247، وهو اليوم الذي تبنى فيه المؤتمر الوطني (القاري) الثاني بالإجماع إعلان الاستقلال، معلنا انفصال المستعمرات الأميركية عن بريطانيا العظمى وتشكيل الولايات المتحدة.

خلال هذه الأعوام، صعدت الولايات المتحدة بسرعة نسبية في مراتب القوى العالمية، لتتربع في صدارة القائمة بوصفها القوة الدولية العظمى لعقود، رغم التحديات المستمرة.

لكن وصف “القوة الدولية العظمى” ما انفك، أثناء السنوات القليلة الماضية، يثير الشكوك، وفقا لخبراء تحدث معهم موقع “الحرة”.

الأعظم في العالم؟

تختلف مقاييس حساب قوة الدول أو مكانتها العالمية، لكن القوة العسكرية، والاقتصادية، والنفوذ السياسي في العالم يمكن أن تعتبر مقاييس عامة لفهم مكانة الدول على المسرح العالمي.

كما إن مقاييس أخرى مثل التأثير الثقافي، الأمن والرخاء الداخليين، والمجتمعات المزدهرة يمكن أن تعد هي الأخرى مفيدة لإجراء مقارنات بين الدول من ناحية القوة.

القوة العسكرية

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في منتصف الأربعينيات، حظي الجيش الأميركي بوصف “أقوى جيش في العالم” في جميع التصنيفات العسكرية التي صدرت عن مراكز الأبحاث الدفاعية والأكاديمية حول العالم.

يقول الخبير الاستراتيجي زميل معهد هدسون الأميركي، ريتشارد وايتز، إن الجيش الأميركي لا يزال الأقوى عالميا، لكنه يتعرض لمنافسة شديدة من الجيشين الروسي والصيني.

مع هذا، يضيف وايتز لموقع “الحرة” إن الجيش الأميركي متفوق ليس فقط بالعدد والعدة، ولكن أيضا بـ”إمكانية الوصول” إلى أي منطقة في العالم بزمن قياسي.

طائرة من طراز اف 35 تخترق جدار الصوت

وتمنح التحالفات والمعاهدات والاتفاقيات الجيش الأميركي تفوقا قياسيا في إمكانية الوصول إلى مناطق العالم المختلفة بزمن قصير، وتنفيذ عمليات معقدة وضخمة بأقل قدر ممكن من التحضير الفوري.

وتشترك أميركا بشكل فعال في أقوى حلف عسكري عالمي، حلف الناتو، الذي يضم 31 جيشا، بعضها من أقوى جيوش العالم وأكثرها تطورا.

وفي 2023، خصصت الولايات المتحدة 136.7 مليار دولار للإنفاق العسكري، بزيادة 20 مليارا عن عام 2022، في المقابل خصصت روسيا، التي تخوض حربا مكلفة في أوكرانيا، 86 مليار دولار موازنة عسكرية في 2023 مقارنة بـ86 مليار دولارا في 2022.

وخصصت الصين 222.4  مليار دولار للموازنة العسكرية في عام 223، مقابل 292 مليار دولار في 2022.

كما أن الولايات المتحدة موجودة في قواعد عسكرية حول العالم، في الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا والمحيطين الهندي والهادئ وقريبا من القطبين.

ويقول موقع The Soldier Project العسكري إن الجيش الأميركي يمتلك 750 قاعدة موزعة على 80 دولة حول العالم، مقابل 36 لروسيا، وخمس تمتلكها الصين.

وكذلك، يتفوق الجيش الأميركي تكنولوجيا بشكل كبير على الجيوش الأخرى.

القوات الأوكرانية حصلت على مدرعات برادلي القتالية الأميركية.. أرشيف
مدرعات برادلي القتالية الأميركية.. أرشيف

مع هذا يقول الخبير وايتز إن هناك مخاوف من حوادث مثل الضربات النووية، حيث لا يعد التفوق العسكري عاملا مهما بعد تعرض الدول لضربة من هذا النوع.

وتضيف زميلة معهد واشنطن، الباحثة آنا بونفيسكايا، أن “تطور الحروب الحالية قلل من أهمية التفوق العددي لصالح عوامل أخرى كثيرة”، مستشهدة بالمقاومة الأوكرانية أمام روسيا، وأيضا الجماعات الإرهابية التي “يمكن أن تحقق ضررا كبيرا رغم تخلفها التكنولوجي والعددي”.

التفوق الاقتصادي

بناتج محلي إجمالي يبلغ نحو 21 ترليون دولار في 2022، حلت الولايات المتحدة على رأس قائمة أغنى الدول في العالم، متفوقة على الصين (16.3) ترليون، واليابان (4.9) ترليون وألمانيا (4.2) ترليون والمملكة المتحدة (3.2) ترليون دولار.

كما أن وضع الدولار كعملة عالمية يمنح الولايات المتحدة قدرة عالية على التأثير الاقتصادي، وفرض عقوبات على الدول والمنظمات التي تهدد الأمن العالمي أو مصالح الولايات المتحدة.

لكن هذا كله يتعرض لتحديات كبيرة من الصين، عملاق الصناعة العالمي الذي يحاول اللحاق بالولايات المتحدة بخطى حثيثة.

صورة تعبيرية من بورصة وول ستريت

ورغم تفوق الولايات المتحدة التجاري، فإن الصين مستمرة في تعزيز نفوذها المالي العالمي من خلال اتفاقات ثنائية تصاعدت وتيرتها مؤخرا، وجذبت بعضا من أقدم حلفاء الولايات المتحدة مثل السعودية التي وافقت مؤخرا على تمويل اتفاقات اقتصادية مع بكين باليوان الصيني بدلا من الدولار.

يقول الخبير وايتز إن تهديدات اقتصادية عالمية، مثل وباء كورونا، يمكن أيضا أن تؤثر على قوة الولايات المتحدة الاقتصادية العالمية.

وبمقارنة مؤشرات النمو التي يوفرها البنك الدولي، فإن الصين تنمو أسرع من الولايات المتحدة. على سبيل المثال نما الناتج المحلي الصيني من نحو 9 ترليون دولار في عام 2012 إلى 16.3 عام 2022، في حين نما ناتج الولايات المتحدة الإجمالي من 17.2 إلى 20.9 في نفس الفترة.

ولم تحقق دول اليابان وألمانيا وبريطانيا نموا يذكر خلال الفترة ذاتها.

وتقول مجلة فوربس إن الصين قد تتخطى الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة خلال العقود الأربعة المقبلة.

التأثير في العالم

يتفق الخبيران وايتز وبونفيسكايا على أن الولايات المتحدة لا تزال الدولة الأكثر تأثيرا في العالم، لكنهما يقولان أيضا إن روسيا والصين تبدوان منافستين قويتيين.

وتمتلك روسيا والصين مجموعة من الحلفاء مثل إيران وكوريا الشمالية وسوريا، لكنهما أيضا يتمتعان بصداقات عالمية مع دول مهمة مثل الهند التي حرصت على البقاء على الحياد خلال الحرب الأوكرانية، والسعودية التي تقود مع روسيا حاليا تحالفا للسيطرة على أسعار النفط العالمية، وتبرم اتفاقات اقتصادية كبيرة مع الصين، ودول أخرى بعضها يقع في أوروبا لا تزال تحافظ على العلاقات الودية مع موسكو.

الوضع الداخلي

ويقول الخبير الأميركي من أصول عراقية، نبراس الكاظمي، إن التحديات قد لا تقتصر على الخارج بالنسبة للولايات المتحدة، وإن هناك تحديات ذات مصداقية تعصف بالبلاد من الداخل.

والثلاثاء، احتفلت أميركا بعيد الاستقلال عشية إطلاق نار دام استهدف عددا من الأشخاص في ولاية بنسلفانيا الأميركية، سبقه إطلاق نار جماعي آخر استهدف محتفلين في ولاية ماريلاند.

ووفقا لموقع Gun Violence Archive فقد شهدت الولايات المتحدة 348 حادث إطلاق نار جماعي منذ بداية 2023 قتل فيها 409 أشخاص وأصيب 1453 آخرون.

 

بايدن يندد في خطاب بمناسبة العيد الوطني الأميركي بعمليات إطلاق النار التي حدثت في مناطق عدة خلال اليومين الماضيين.

 

ويضيف الكاظمي لموقع “الحرة” أن “أميركا تشهد تفككا في مصداقية نخبتها الحاكمة أمام نسبة كبيرة من شعبها، وخصوصا تلك النخبة المختصة بالأمن القومي وادارة الشأن الدولي”.

وربط الكاظمي هذا التفكك بقرارات أثارت انتقادات كبيرة داخليا مثل الرد على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وحربي أفغانستان والعراق، والانهيار المالي عام 2008، وما واكبها من استنزاف للقدرة التصنيعية الأميركية لمصلحة دول أخرى مثل الصين والمكسيك عبر ثلاثة عقود منذ أوائل التسعينيات.

وأدى كل هذا، وفقا للكاظمي إلى “ترسب قناعة بأن هذه النخبة الحاكمة لا تتمتع بالكفاءة والحنكة الكافية لحماية أمن وثراء الشعب الأميركي.”

وبينما لا تعتبر المشاكل السياسية الكبيرة أمرا غريبا على المسرح السياسي الأميركي، تشهد البلاد استقطابا طويل الأمد ظهرت ملامحه إلى العلن بشكل كبير بعد صعود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى الرئاسة عام 2016، وامتد طوال فترة رئاسته ورئاسة جو بايدن، الرئيس الأميركي الحالي.

وأدى هذا التوتر إلى اقتحام غير مسبوق للكونغرس في نهاية فترة حكم ترامب أقدم عليه مؤيدون له اعتقدوا أن الانتخابات التي خسرها الرئيس تعرضت للتزوير، كما أنه أدى أيضا – وإن بشكل غير مباشر – إلى توجيه اتهامات جنائية فيدرالية لأول مرة في التاريخ لرئيس أميركي.

أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد اقتحامهم الكونغرس

مستقبل غير واضح

ويقول الخبير وايتز إن الولايات المتحدة ستبقى على الأرجح القوة الدولية المهيمنة خلال السنوات المقبلة، لكن التحديات من الدول الأخرى، مثل الصين وروسيا، ستزداد في محاولة لكسر هذا التفوق.

ورغم أنه يقول إن التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة “غير مرجحة الحدوث” لكنها “تهديدات مصيرة عالية المخاطر بشكل كبير”، تندرج من فيروس آخر قد يصيب العالم، إلى حرب نووية قد تدمر جزءا كبيرا من الأرض، إلى تهديدات غير تقليدية أخرى مثل الذكاء الاصطناعي.

وتضيف الخبيرة آنا بونيفسكايا لموقع “الحرة” إن التعامل مع التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة ممكن إذا “استقينا دروس التاريخ، وفهمنا كيف تمكنت البلاد من الانتصار في تحديات كبيرة مثل الحرب الباردة، وطبقنا ما تعلمناه على المستقبل”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version