على مدار عقود، استخدمت إيران والجماعات المسلحة التي تدعمها، مثل حزب الله، شركات وهمية في مناطق مختلفة حول العالم، للتهرب من العقوبات الغربية، وذلك في وقت أنشأت فيه إسرائيل شبكات شركات غامضة أيضًا، للتسلل إلى سلاسل التوريد التي تستخدمها طهران وأذرعها، وكان أبرز مثال على ذلك ما شهده لبنان من تفجيرات لأجهزة اتصال “البيجر”.

ورصد تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، ما وصفه بـ”المسار الغامض” لأجهزة النداء التي انتشر استخدامها بين عناصر حزب الله، والتي انفجرت وتسببت في مقتل 37 شخصا، وإصابة نحو 3 آلاف آخرين.

بدأت في أعقاب التفجيرات، تحقيقات في الشركات المسؤولة عن توريد تلك الأجهزة، في محاولة لحل اللغز الذي بدوره قاد إلى متاهة من الشركات والأفراد الغامضين، الممتدة عبر آسيا وأوروبا الشرقية.

وأوضحت عمليات البحث، أن تصنيع وبيع وتوزيع أجهزة النداء (البيجر)، كان وراءها بعض الشركات التي تأسست في السنوات الأخيرة، مع القليل من الأدلة الورقية لأنشطتها، كما أن رجل أعمال غامضين هم من كانوا يديرونها، ولديهم خبرة قليلة في صناعة الاتصالات، وفق الصحيفة.

وقال شخص وصفته “وول ستريت جورنال” بـ”المطلع على العمليات الإسرائيلية في الخارج”، إن هجوم الثلاثاء هو أحد الأمثلة القليلة التي من المحتمل أن تكون إسرائيل قد اخترقت فيها سلسلة إمداد حزب الله للاتصالات.

وأضاف: “لكن هذه هي المرة الأولى التي تنتهي فيها بمثل هذه الانفجارات”.

وقال أشخاص “مطلعون على العملية”، إن إسرائيل “اخترقت سلسلة إمداد حزب الله، ووضعت متفجرات في بطاريات الأجهزة، قبل تفجيرها عن بعد”.

وكانت شركة “بي إيه سي” للاستشارات، ومقرها المجر، متعاقدة لإنتاج الأجهزة نيابة عن شركة تايوانية تدعى “غولد أبوللو”. 

لكن وفقا لما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، عن 3 ضباط استخبارات تم إطلاعهم على العملية، فإن الشركة (التي قيل إن مقرها في المجر) كانت “جزءا من جبهة إسرائيلية”.

“شركة وهمية”.. كيف دخل “حصان طروادة” إلى معاقل حزب الله؟

أظهرت انفجارات أجهزة “بيجر” التي كان يحملها مسلحو حزب الله بشكل متزامن في جميع أنحاء لبنان أن إسرائيل نجحت في تحويل التكنولوجيا المتقدمة إلى حصان طروادة تستعمله بدقة كبيرة في صراعها المستمر ضد الجماعة المدعومة من إيران.

وأضافوا أنه “تم إنشاء شركتين وهميتين أخريين على الأقل، لإخفاء الهويات الحقيقية للأشخاص الذين يصنعون البيجر، وهم ضباط الاستخبارات الإسرائيلية”.

وكانت الشركة تستقبل طلبات وتتعامل مع عملاء عاديين، حيث أنتجت مجموعة من الأجهزة بشكل عادي، لكن العميل الوحيد الذي كان مهما حقا كان  حزب الله، وكانت الأجهزة الخاصة به بعيدة كل البعد عن أن تكون عادية، إذ تم إنتاجها بشكل منفصل، وكانت تحتوي على بطاريات مربوطة بالمتفجرات PETN ، وفقا لضباط المخابرات الثلاثة.

وبدأ شحن الأجهزة إلى لبنان في صيف عام 2022 بأعداد صغيرة، لكن سرعان ما تمت زيادة الإنتاج بعد أن انتقد “الأمين العام” لحزب الله، حسن نصر الله، استخدام الهواتف المحمولة.

وكشف مصدر أميركي لشبكة “إيه بي سي نيوز”، أن المخططات الاستخباراتية التي تتيح التوغل في سلاسل التوريد، استمرت على مدى نحو 15 عاما، مشيرا إلى أن إسرائيل “كان لها دور في تصنيع أجهزة البيجر” التي انفجرت هذا الأسبوع.

وأكد المصدر الاستخباراتي ذاته الذي تحدث للشبكة بشرط عدم الكشف عن هويته، أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه” كانت لفترة طويلة “مترددة” في استخدام هذا الأسلوب “بسبب المخاطر العالية التي قد يتعرض لها المدنيون”.

وتضمنت العمليات الأخيرة في لبنان، استخدام شركات وهمية، حيث تظاهر ضباط استخبارات وعملاء إسرائيليون، بأنهم مستثمرون يديرون شركة تصنع أجهزة النداء تلك، بينما لم يكن بعض الموظفين في تلك الشركات على علم بالجهة التي يعملون لصالحها، حسب المصدر ذاته.

وما يزيد الغموض، هو أنه تم تسجيل شركة  “بي إيه سي” للاستشارات عام 2022، للقيام بعشرات الأنشطة التجارية التي تتراوح من بيع أجهزة الاتصالات إلى إنتاج ألعاب الكمبيوتر.

وتم تسجيلها  في منطقة سكنية هادئة في بودابست، وبلغت مبيعاتها العام الماضي حوالي 600 ألف دولار، وفق “وول ستريت جورنال”.

كما كانت الرئيسة التنفيذية كريستيانا بارسوني أرسيدياكونو، هي الموظفة الوحيدة المسجلة في الشركة، ولا تتوفر معلومات كثيرة عنها.

“المرأة الغامضة” وراء الشركة المرخصة لأجهزة “البيجر” المتفجرة

تتحدث كريستيانا بارسوني أرسيدياكونو (49 عاما) بسبع لغات، وحصلت على درجة الدكتوراة في فيزياء الجسيمات، وشقتها في بودابست مليئة بلوحات من رسمها، وتتضمن مسيرتها المهنية أعمالا إنسانية أخذتها إلى أنحاء أفريقيا وأوروبا.

ولم تظهر كريستيانا بارسوني أرسيدياكونو (49 عاما)، بشكل علني منذ الهجوم المتزامن الذي استهدف حزب الله اللبناني، الثلاثاء، وألقت فيه الجماعة (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى) اللوم على إسرائيل، التي لم تعلق على الهجوم.

وقالت والدتها، بياتريكس بارسوني أرسيداكونو، لوكالة أسوشيتد برس، إن ابنتها “تلقت تهديدات غير محددة، وهي حاليًا في مكان آمن تحميه أجهزة المخابرات المجرية”.

وأضافت عبر الهاتف من صقلية، للوكالة، أن “أجهزة المخابرات المجرية نصحتها بعدم التحدث إلى وسائل الإعلام”.

ولم تستجب أجهزة الأمن القومي في المجر على الفور لطلب التعليق من أسوشيتد برس، ولم تتمكن الوكالة من التحقق بشكل مستقل من هذا الادعاء.

من جانبه، كان كيليان كلاينشميت، وهو مدير سابق مخضرم في مجال الإغاثة الإنسانية في الأمم المتحدة، قد عيّن أرسيدياكونو في عام 2019، لإدارة برنامج ممول من هولندا لمدة 6 أشهر، لتدريب الليبيين في تونس على مجالات مثل الزراعة المائية وتكنولوجيا المعلومات وتنمية الأعمال.

لكنه وصفها بأنها مديرة “متنمرة”، وقال إنه استغنى عنها قبل انتهاء عقدها، مضيفا لرويترز: “أعتقد بأنها كانت أحد أكبر أخطاء حياتي”.

وتابع: “الأمر ببساطة كان بغيضا على المستوى الشخصي.. ثم في وقت من الأوقات قلت كفى. ربما كان يجب أن أفعل ذلك بسرعة أكبر. قلت هذا يكفي واستغنيت عن خدماتها قبل شهر من انتهاء عقدها”.

ولم ترد بارسوني أرسيدياكونو على مكالمات ورسائل بريد إلكتروني من رويترز ولم يكن هناك أحد في شقتها عندما زارتها رويترز في وسط بودابست.

وتشير السيرة الذاتية أيضا إلى عملها في وظيفة “مديرة مشاريع” في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في عام 2008 و2009 وتنظيمها مؤتمرا للأبحاث النووية. وقالت الوكالة إن سجلاتها تشير إلى أن أرسيدياكو تدربت هناك لمدة 8 أشهر.

“شركة حذفت موقعها”.. خيوط جديدة إلى مصدر أجهزة حزب الله المنفجرة

أصبحت بلغاريا والنرويج بؤرتي تركيز جديدتين في عملية تعقب عالمية لتحديد الجهة التي زودت حزب الله بالآلاف من أجهزة الاتصال اللاسلكي (البيجر) التي انفجرت في لبنان، الأسبوع الجاري، في ضربة قوية للجماعة اللبنانية.

وحسب رويترز، فقد أصبحت بلغاريا والنرويج، الخميس، بؤرتي تركيز جديدتين في عملية تعقب عالمية لتحديد الجهة التي زودت حزب الله بالآلاف من الأجهزة المنفجرة.

وقالت السلطات البلغارية، الخميس، إن وزارة الداخلية وأجهزة الأمن فتحت تحقيقا في احتمال صلة إحدى الشركات بالمسألة. ولم تكشف السلطات عن اسم الشركة التي تحقق معها.

وذكرت تقارير إعلامية محلية أن شركة نورتا غلوبال المحدودة، ومقرها صوفيا، سهلت بيع أجهزة البيجر لحزب الله.

وذكرت قناة “بي تي في” البلغارية نقلا عن مصادر أمنية، الخميس، أن 1.6 مليون يورو مرتبطة بعملية الشراء مرت عبر بلغاريا قبل تحويلها إلى المجر.

ولدى شركة نورتا مقرا مسجلا في بلغاريا بمبنى سكني في العاصمة صوفيا يضم ما يقرب من 200 شركة أخرى، وذلك وفقا لمكتب تسجيل شركات محلي. ولم يكن هناك أي علامة على وجود الشركة.

وحُذف محتوى موقع نورتا غلوبال على الإنترنت، الخميس، وفق رويترز. واحتوى الموقع في وقت سابق على إصدارات باللغات الإنكليزية والبلغارية والنرويجية، وكان يعلن عن خدمات تشمل الاستشارات والتكنولوجيا والتوظيف والتعهيد.

ولم تتضح بعد الكيفية التي تم بها تنفيذ الهجوم على أجهزة البيجر أو بمساعدة من، وذلك على الرغم من وجود خيوط محتملة حتى الآن في تايوان والمجر وبلغاريا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version