لم يعُد الفلسطيني ساري صائب قادرا على العمل في مخبزه بقرية الفندق قرب مدينة قلقيلية شمالي الضفة الغربية، فالاحتلال أغلق متاجر القرية ومنشآتها الاقتصادية بأوامر عسكرية بعد هجوم للمقاومة على حافلة إسرائيلية كانت تمر منها قبل 9 أيام.

وصباح السادس من يناير/كانون الثاني الجاري، نفَّذ مقاومون فلسطينيون عملية إطلاق نار في قرية الفندق الواقعة على شارع نابلس-قلقيلية أو “شارع 55” كما يسميه الاحتلال، وقتلوا 3 إسرائيليين وجرحوا 7 آخرين بينهم إصابات خطرة.

وما إن وقعت العملية حتى سارع الاحتلال لفرض عقاب جماعي على قرية الفندق والقرى المحيطة عبر إجراءات عسكرية تجاوزت الاقتحام والاحتجاز إلى إغلاق المحال التجارية واحتلال المنازل وتحويلها إلى ثكنات عسكرية. وزاد المستوطنون على ذلك فشنّوا هجماتهم العدائية على المواطنين وممتلكاتهم.

وتزامنت اعتداءات المستوطنين المباشرة ومنها حرق ممتلكات الفلسطينيين وتدميرها، مع دعوات تحريض لعدم السماح بفتح محالهم التجارية أو تنقلهم. بل طالبت جماعات المستوطنين جيش الاحتلال “بمسح قرية الفندق من الخارطة كما حدث بغزة”.

وعززوا دعواتهم بمظاهرات عدائية سيَّروها من مستوطناتهم القريبة نحو موقع العملية وحملت شعارات الدعوة لإبادة الفلسطينيين، ونصبوا كمائن لهم وحطموا مركباتهم ورشقوها بالحجارة.

أحد المجمعات التجارية قد أغلقها الاحتلال في قرية الفندق (الجزيرة)

خسائر وتهديد

كان ساري صائب (30 عاما) صاحب “مخبز الولاء” أحد المستهدفين بإجراءات الإغلاق من بين عشرات المحال التجارية، حيث توقفت أعمال مخبزه وتعطّلت معه أرزاق نحو 20 عاملا، وبات الخوف يطارده أكثر في ظل تحريض المستوطنين وتهديداتهم للسكان وأصحاب المحال التجارية تحديدا.

يقول صائب للجزيرة نت إن خسائره تتجاوز آلاف الشيكلات يوميا، “وكل ذلك قد يهون أمام معاناتنا في التنقل والوصول إلى منازلنا الذي بات يتطلب وقتا ومسافة أطول تقدر ببضعة كيلومترات”.

وينتظر ساري مثل غيره من أصحاب المنشآت التجارية السماح بفتح محالهم ثانية، لكنه يتخوف أكثر من عنف المستوطنين وتهديداتهم لهم.

ويضيف للجزيرة نت “تلقينا قرارا من الاحتلال بفتح محالنا الأحد الماضي، وما إن قمنا بذلك حتى هاجمنا المستوطنون واعتدوا علينا فأغلقناها مباشرة. والآن ننتظر فتحها ثانية، ولكن يحاصرنا الخوف من اعتداءات المستوطنين التي لم تتوقف بعد العملية كما قبلها”.

هدم وإعاقة تنقل

على مقربة من مخبز صائب، كانت آليات الاحتلال وجرافاته العسكرية تهدم منشآت أخرى لأهالي القرية، بينها دفيئة زراعية للحاجة خاتمة تيِّم، ومبنى من الصفيح (بركس)، وغرفتان زراعيتان وبئر ماء تعتمد عليها لإعالة أسرتها المكونة من 18 نفرا وتشكل مصدر دخلها الوحيد.

أما ربا يوسف، المعلمة في مدرسة للإناث قرب قرية الفندق، فتضاعفت معاناتها بفعل إغلاق القرية، وبدلا من 7 دقائق كانت تحتاجها للوصول إلى مدرستها قادمة من قرية جينصافوط المجاورة، تضاعف الزمن إلى 40 دقيقة، وتضاعفت معه خطواتها سيرا على الأقدام لأكثر من 2 كيلومتر للوصول إلى مدرستها، وسط خوف من تنكيل جنود الاحتلال أو هجوم مستوطنيهم.

وثمة عقاب أخطر تعدى الاستهداف الفردي وأكد سياسة العقاب الجماعي التي يمارسها الاحتلال ضد أهالي قرية الفندق خاصة والقرى المحيطة، حيث احتل الجنود بنايتين مكونتين من 9 شقق، وحولهما إلى ثكنة عسكرية ونقاط مراقبة بعد أن طرد أصحابها منها.

وواصل الجيش عدوانه فانتشر على طول كيلومتر من “شارع 55” حيث نُفذِّت العملية، ونصب العديد من الحواجز العسكرية، وشلّ حركة الفلسطينيين ومنع تنقلهم عبر الشارع أو داخل قريتهم، قبل أن يعود ويسمح لهم بالمرور فقط ولكن ضمن إجراءات عسكرية مقيدة.

عاطف دغلس- اليات عسكرية اسرائيلية في مشهد سابق تسير عبر شارع 55 لحماية مركبات المستوطنين المارة- الضفة الغربية - قلقيلية- الجزيرة نت4
آليات عسكرية إسرائيلية تسير عبر شارع 55 لحماية مركبات المستوطنين (الجزيرة)

احتلال المنازل

يقول رئيس مجلس قرية الفندق لؤي تيم إن الاحتلال أغلق 60 محلا تجاريا على جانبي “شارع 55” الذي يستخدمه الفلسطينيون والمستوطنون معا، وإن الضرر أصاب مباشرة مخازن كبيرة لبيع اللحوم والخضار، حيث لم يتمكن أصحابها من إنقاذ بضائعهم، مقدرا الخسائر بمئات آلاف الدولارات بفعل الإغلاق.

وأخطر من ذلك -يضيف تيم للجزيرة نت- حالة الحصار التي ضربها الاحتلال على القرية، فقد شلَّ حركة السكان بعد إغلاقه لمداخل القرية الثلاثة بالبوابات الحديدية والمكعبات الإسمنتية. وكذلك فعل بالقرى المحيطة والمعروفة بمنطقة “جورة عمرة” وعددها 9 ويقطنها أكثر من 25 ألف نسمة، حيث نصب بوابات عسكرية وأغلق طرقها الالتفافية وحولها إلى سجون كبيرة.

ويضيف تيم “طردتُ وعائلتي المكونة من 6 أنفار من منزلنا بعد احتلال الجنود له وتحويله إلى ثكنة عسكرية، وتشتتّ وعائلتي إلى منزل أخي، وكذلك حال من طردوا من بيوتهم، وسط انتهاك لحرمة تلك البيوت وممتلكاتنا فيها، ولا نعرف متى نعود إليها”.

وهذه العودة للمنازل أو فتح المحال التجارية “محفوفة بالمخاطر” كما يقول تيم، إذ إن سماح الجيش بذلك يقابله تهديدات المستوطنين بالإغلاق ثانية “وهو ما صرح به رئيس مجلس مستوطنة قدوميم علنا”.

كمائن بين القرى

ومثل غيرها من القرى الفلسطينية، أغلق الاحتلال قرية الفندق ببوابته العسكرية والمكعبات الإسمنتية بعد اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبعد هجوم المقاومة الأخير في القرية عاد ليشدد أكثر، فنصب بوابة عند مدخلها الثالث والأخير ومتنفسها الوحيد.

تقول أمينة الطويل، الناشطة بتوثيق انتهاكات الاحتلال في قلقيلية، إن الاحتلال عاقب قرية الفندق والقرى المحيطة بإجراءاته العسكرية، فأعاق حرية تنقل الموظفين والعمال والطلبة والمعلمين، واتخذ من العملية الفدائية ذريعة لمضاعفة عقابه الذي بدأه قبل الحرب.

وبفعل هذا العقاب أرجأت أمينة عملية جراحية كانت مقررة لها لعدة أيام، وتقول للجزيرة نت “للمرور عبر الشارع الرئيس من أمام قرية الفندق وجراء انتشار جنود الاحتلال والشرطة الإسرائيلية المكثف، يتم إيقاف المركبات وإنزال المواطنين وخاصة الشبان وتفتيشهم وتقييدهم وإهانتهم، فضلا عن تأخير العمال والموظفين والطلاب عن أعمالهم”.

كذلك أصبح المزارعون يعانون من صعوبة الوصول لأراضيهم رغم قربها منهم، وكذلك الحال في تنقلهم الليلي بين منازلهم وأماكن عملهم أو العكس، فشارع 55 يقسم قرى الفندق والقرى المجاورة إلى نصفين، وحتى من يقرر سلك طرق فرعية سيجد جنود الاحتلال منتشرين بين الأشجار وينصبون كمائن للأهالي.

واستخدم الاحتلال والمستوطنون في وقت سابق، وما زالوا، العقاب الجماعي بمواقع كثيرة بالضفة الغربية، كما هو الحال في بلدة حوارة جنوبي نابلس، بحجة تنفيذ عمليات مسلحة ضد جنوده ومستوطنيه أو رشق سياراتهم بالحجارة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version