الدوحة- أعرب الكاتب الأميركي “نيثان ثرال” عن تشاؤمه تجاه القصية الفلسطينية خلال المستقبل القريب، موضحا أنه طوال 7 عقود لا يرى إلا توسعا للاحتلال الإسرائيلي وتمددا في الأراضي، في مقابل انكماش وتقلص في الجانب الفلسطيني. وتوقع أن يستمر هذا الأمر وربما بصورة أسرع وبشكل أسوأ “لكن العدالة ستنتصر في النهاية”.

وأضاف الكاتب، الحائز على جائزة بوليتزر العالمية في الأدب الواقعي لعام 2024 -في حوار مع الجزيرة نت- أنه رغم ظهور حركات تعاطف كبيرة في دول العالم المختلفة تجاه القضية الفلسطينية “فإنه يجب ألا نبالغ في تقييم الوضع، لأنه من حيث القوة السياسية الحقيقية، فإن كل شيء يصب في مصلحة إسرائيل الآن، لذلك إذا كان لدينا تفاؤل بشأن التغير الجوهري فهو تفاؤل على الأمد البعيد”.

وحصل ناثان ثرول، وهو كاتب أميركي مقيم في القدس، الذي استضافته جامعة جورجتاون في قطر، على الجائزة عن عمله الرائد “يوم في حياة عابد سلامة”، الذي يروي قصة مأساوية لحادث حافلة مدرسية في مدينة القدس تحمل أطفالا فلسطينيين، كما يتناول الإجراءات والقرارات السياسية العديدة التي تؤثر على الحياة اليومية في فلسطين.

وحصل الكتاب الأكثر مبيعا على مستوى العالم، والمترجم إلى أكثر من 20 لغة، على إشادة النقاد، كما تم اختياره كأفضل خيارات المحرر لمراجعات الكتب بمؤسسة نيويورك تايمز وإدراجه ضمن أفضل الكتب لهذا العام من قبل 18 منشورا.

وأكد نيثان أنه حاول من خلال هذا الكتاب أن يروي التاريخ من خلال أعين الشخصيات أو قصص عائلاتهم، لذلك لم تكن هناك أقسام منفصلة في الكتاب يقدم فيها درسا تاريخيا للقارئ، بل كل شيء فقط من خلال ذكريات وقصص الشخصيات الفردية كما تُرى من وجهة نظرهم، وهكذا سيفهم القارئ الجانب السياسي. وإلى نص الحوار:

جامعة جورجتاون في قطر تستضيف الكاتب الأميركي للحديث عن إنتاجه الروائي العالمي (الجزيرة)

قصة حقيقية

ما الذي ألهمك لكتابة هذه الرواية “يوم في حياة عابد سلامة: تشريح مأساة القدس”؟

أول شيء ألهمني هو أنني تأثرت بشدة بهذه القصة الحقيقية عن حادث حافلة كان على متنها مجموعة من أطفال الروضة الفلسطينيين في منطقة القدس الكبرى، فقد رأيت في هذه القصة شيئا رمزيا للغاية، حيث اشتعلت الحافلة لمدة تزيد على 30 دقيقة قبل أن تصل أول سيارة إطفاء إسرائيلية إلى المكان. وكان الفلسطينيون الموجودون يحاولون جاهدين إطفاء النيران دون أن تكون لديهم الوسائل اللازمة لذلك.

في الوقت نفسه، كان الآباء عاجزين عن الوصول إلى أطفالهم، وغير قادرين على عبور الحواجز للبحث عنهم في المستشفيات التي تم نقلهم إليها، لذلك رأيت في هذه القصة شيئا رمزيا ومؤثرا للغاية، وقد سمحت لي هذه القصة بدمج هدفين أساسيين لدي في الكتاب الأول، أولهما الوصول إلى الناس على المستوى العاطفي لنقل مأساة الحياة في فلسطين، أما الهدف الثاني فهو وصف نظام الفصل العنصري، ومن خلال سرد ما حدث في تلك الساعات الـ24 بعد الحادث، لا يمكن رواية تلك القصة إلا بشرح نظام الهيمنة العنصري الذي كان على الآباء التنقل خلاله.

بالنسبة لي، كانت هذه القصة وسيلة لوصف الحياة اليومية تحت الاحتلال، والتركيز بعناية على شيء يحدث في جميع أنحاء العالم، مثل حادث سيارة، ولكن لإظهار ماذا يعني حدوث هذا الشيء العادي في مكان غير عادي على الإطلاق.

إذن، هل “عابد سلامة” شخصية حقيقية؟ وكيف اخترت هذه الشخصية؟

نعم، القصة حقيقية، وقد وقع هذا الحادث في 16 فبراير/شباط 2012، ففي البداية قررت أن أكتب عن هذا الحادث دون أن ألتقي بعابد، وحاولت التواصل مع كل شخص له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالحادث، الآباء والمعلمين والشهود والأطباء والمحامين وعمال خدمات الطوارئ. وفي وقت مبكر من بحثي ومقابلتي للناس، أخبرتني صديقة مقربة من العائلة أن لديها قريبا بعيدا كان والد أحد الأطفال على متن الحافلة، وقد وضعتني تلك الصديقة على اتصال مع قريب أقل بُعدا، الذي أوصلني بدوره إلى عابد، وبعد يوم أو يومين كنت في غرفة جلوسه أتحدث إليه وفي اللحظة التي بدأ فيها بسرد قصته، امتلأت عيناي بالدموع وأدركت أن هذه قصة يجب أن تُروى.

هناك حركة قوية ومتنامية لدعم حقوق الفلسطينيين لكن نتائجها ستظهر على الأمد البعيد (الأناضول)

علينا ألا نبالغ

يرى الجمهور العربي أن أوروبا وأميركا تدعمان إسرائيل فقط، هل تعتقد أن هناك حركات في أوروبا تدعم حقوق الفلسطينيين؟ وهل هذه الحركة تزداد؟

نعم، أرى ذلك وأعتقد أن هذا ظاهرة مهمة للغاية نحن نشهد تغيرا جليا، فقد رأينا الحشود في لندن ونيويورك، هناك حركة قوية ومتنامية لدعم حقوق الفلسطينيين، ولكن يجب ألا نبالغ في تقييم الوضع فمن حيث القوة السياسية الحقيقية، فإن كل شيء يصب في مصلحة إسرائيل الآن، لذلك إذا كان لدينا تفاؤل بشأن التغير الجوهري فهو تفاؤل على الأمد البعيد. هؤلاء الشباب في العشرينيات من عمرهم، أولئك المشاركون في الاحتجاجات في الجامعات قد لا يكتسبون النفوذ السياسي الحقيقي إلا بعد 20 عاما ربما، لذلك أعتقد أن هذا مهم للغاية، ولكن يجب علينا أيضا ألا نبالغ في تصوير توازن القوى الحالي، الذي يميل بالكامل لصالح إسرائيل.

في غزة، والسودان ودول أخرى، لدينا ملايين القصص مثل عابد سلامة، كيف يمكن للأدب التعامل مع كل هذه القصص؟

أعتقد أن ما يفعله الأدب هو أنه يأخذ وضعا مليئا بملايين المآسي، كما في فلسطين، حيث يميل الناس إلى الحديث بلغة التجريدات أو التفكير بتجرد، فاليوم، عندما يتحدث الناس عن غزة، يتحدثون بالأرقام 46 ألفا و47 ألفا و48 ألفا، وفكرة الأدب ليست إنكار الأرقام، فالأرقام مهمة ويجب أن ننتبه إليها، ولكن الهدف هو أن نفهم حقا ما تعنيه كل واحدة من هذه الـ46 ألف حالة، فكل واحدة منها هي قصة منفصلة بالتأكيد.

لقد كرست حياتي للعمل على القضية الفلسطينية وقد عملت لمدة 10 سنوات في منظمة دولية رائدة، وهي مجموعة الأزمات الدولية، وكان عملي يتمثل في التحدث إلى الدبلوماسيين والصحفيين والمحللين في مراكز التفكير، وأدركت أن هذا كان مضيعة كاملة للوقت، لأنك عندما تتحدث إلى جمهور نخبوي فإن هذا الجمهور لا يكون مستعدا إلا لإجراء تغييرات صغيرة جدا وتدريجية.

ولكن في حالة مثل فلسطين، تحتاج إلى قلب العالم رأسا على عقب، حيث نحتاج إلى فهم مختلف تماما لما يحدث وما الذي يجب تغييره، فالأمر ليس مجرد إجراء تغيير صغير تدريجي، ولذلك كان هذا النهج خاطئا بالنسبة لي. إذا كنت أريد حقا رؤية تغيير في فلسطين، فيجب العمل على مستوى فهم الناس العاديين، وهذا يتم من خلال السرد، ومن خلال الحكي، وليس محاولة إقناع سياسي رفيع المستوى من خلال التحليل، فالكتاب يركز على مأساة القدس.

انكماش فلسطيني

كيف توازن بين السرد الشخصي والقضايا السياسية الكبرى؟

كان هذا هو التحدي الأكبر بالنسبة لي في هذا الكتاب، كنت أرغب في أن يحقق هذا الكتاب كلا الأمرين، أن يجمع بين السياسي والشخصي، والطريقة التي قررت من خلالها ضمان تحقيق ذلك كانت أنني لن أروي التاريخ إلا من خلال أعين الشخصيات أو قصص عائلاتهم. لذلك، لم تكن هناك أي أقسام منفصلة في الكتاب أقدم فيها درسا تاريخيا للقارئ بل كل شيء، فقط من خلال ذكريات وقصص الشخصيات الفردية كما تُرى من وجهة نظرهم وهكذا سيفهم القارئ الجانب السياسي.

هل تعتقد أن الكتاب كان له تأثير على الوضع السياسي في القدس؟

هناك حالة من الظلم العميق لدرجة أنني لا أعتقد أن الفلسطينيين سيحصلون على حريتهم خلال حياتي، وكل ما أتمناه هو أن أترك أثرا، وأن أُحرز تقدما طفيفا في الاتجاه الصحيح ومن ثم فإني أعتقد أن هذا الكتاب يمكن أن يفعل ذلك، ويمكنه أن يغير القلوب والعقول بالنسبة لمن يقرؤه.

ما رؤيتك لمستقبل القدس في ظل هذه الظروف السياسية؟

إذا نظرنا إلى ما حدث خلال العقود الماضية في فلسطين، فإننا نرى عملية مستمرة من التوسع الإسرائيلي والانكماش الفلسطيني إلى مساحات أصغر وأصغر، وهذه العملية تتسارع الآن أكثر مما كانت عليه في الماضي، فخلال السنة التي تلت 7 أكتوبر، صادرت إسرائيل أراضي فلسطينية في الضفة الغربية أكثر مما صادرت في العقدين السابقين. لذلك إذا سألتني ماذا أتوقع للمستقبل؟ فإنني أتوقع المزيد من الشيء نفسه، ولكن بشكل أسوأ، لذلك، حتى وإن كان لدي تفاؤل طويل الأجل جدا بأن العدالة ستنتصر، ولكن ربما لن يكون ذلك شيئا سوف أعيش لأراه، وليس لدي إيمان بأنه سيكون هناك استقلال فلسطيني فأنا بالفعل متشائم.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version