بالتزامن مع مداهمات أمنية وحملات ترحيل أطلقتها السلطات اللبنانية على مدى الأسابيع الماضية بحق لاجئين سوريين في لبنان، كانت حملات إعلامية تضليلية تصعّد من خطاب الكراهية وتساهم في تحريض اللبنانيين وتقليب الرأي العام على اللجوء السوري في لبنان، ترافقت مع دعوات للترحيل القسري أطلقتها جهات متنوعة بشكل متزامن، من بينها أحزاب وتنظيمات سياسية وجهات رسمية حكومية. 

وفي بلد يشهد استقطابا سياسياً حاداً ينسحب على الوسائل الإعلامية، وتلعب فيه الحملات الممنهجة والجيوش الإلكترونية دوراً بارزاً في صناعة الرأي العام، كان لحملات التحريضية أثراً بارزاً على إبراز قضية اللجوء السوري وتقديمها على ما سواها من قضايا وهواجس وأزمات يشهدها لبنان طيلة الأسابيع الماضية.

أكثر ما لفت في تلك الحملات التي اتخذت طابعاً منظماً، اعتمادها على بث كم كبير من الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة التي تنطوي على تحريض، فضلاً عن ترويج هائل لخطاب كراهية إعلامي، انخرطت فيه مؤسسات إعلامية بارزة ومسؤولين رسميين في البلاد التي شهدت ” كثافة كبيرة للأخبار الزائفة أو المحرضة على اللاجئين السوريين في أقل من شهر واحد” وفق ما يؤكد الصحفي اللبناني ومدقق المعلومات ميغيل حدشيتي. 

ويضيف في حديثه لموقع “الحرة” شهدنا أيضا بث للكثير من المعلومات المغلوطة على مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات واتساب، ما زاد من الاتجاه نحو اعتماد خطاب الكراهية والتحريض الذي سبب توترات بين السوريين واللبنانيين في بعض البلدات والمناطق اشتباكات كلامية وحملات مضادة على مواقع التواصل.”

 كل ذلك صعّد من المخاوف حول انعكاسات هذا الخطاب وتأثيره على واقع اللاجئين وسلامتهم في لبنان، إضافة إلى الوضع الأمني والسلم الأهلي في البلاد التي لا طالما شكل اللاجئون فيها مادة انقسام حادة بلغت في سبعينيات القرن الماضي حد الحرب الأهلية. 

 تزييف من أجل التحريض

في هذا السياق أجرى موقع “الحرة” بحثاً حول أبرز الأخبار المنشورة خلال الشهر الماضي والتي كانت عماد الحملات التحريضية، لاسيما تلك التي انطوت على تضليل وتزييف وخطاب كراهية، في سبيل الإضاءة على حجم تلك الحملة الإعلامية والأسلوب المعتمد خلالها فضلاً عن التأثير السلبي الذي تركته، والمخاطر المترتبة عنه.

واحد من أبرز الأخبار التي رافقت المداهمات الأمنية للاجئين السوريين كان حول كتابات “داعشية” على جدران مبنى بلدية الطيبة جنوب لبنان، سرعان ما جرى نسبها إلى اللاجئين السوريين وتحميلهم مسؤوليتها، فكانت مادة دسمة للتحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في تجييش واسع، فيما تبنت وسائل إعلامية تلك السردية وعممتها. 

إلا أن التحقيقات الأمنية في هذه القضية، التي أجراها جهاز أمن الدولة، أظهرت لاحقاً مسؤولية شابين لبنانيين عن تلك الكتابات، وتبين أن الهدف منها كان إلصاق تهمة الإرهاب بالنازحين السوريين القاطنين في البلدة. 

الاتهام نفسه تكرر في خبر آخر، عمد إلى تضخيم مداهمة أمنية للاجئين في منطقة النبطية، حيث تحدثت عناوين الصحف عن “تحركات مشبوهة” ومصادرة أجهزة اتصال وأجهزة كومبيوتر، ومحاولة فرار وملاحقات، وسط ترويج أنباء عن تجهيز عبوات ناسفة واتصال مع تنظيمات إرهابية بناء على “تسريبات أمنية”، استُغلت أيضاً في سبيل التحريض. 

إلا أن ما أظهرته التحقيقات لاحقاً جاء عكس ذلك تماماً، حيث اتضح للأجهزة الأمنية أن لا علاقة للسوريين الموقوفين بأي اتهامات أو ارتباطات بتنظيمات إرهابية، فيما تبين أن أحد الموقوفين يعمل في إصلاح الأجهزة الالكترونية ولا وجود لأي عبوات ناسفة أو تهديد أمني. 

ومن المخاوف الأمنية، انتقلت الأخبار الزائفة لتستهدف الهواجس الاقتصادية للبنانيين، وذلك تماشياً مع الترويج لسردية تحميل السوريين مسؤولية الأوضاع الاقتصادية للبنانيين، والتي تسوق لكون السوريين ينافسون اللبنانيين في سوق العمل ويزاحمونهم على الفرص ما يرفع مستويات البطالة في البلاد. 

وفي هذا السياق انتشرت على نطاق واسع صورة لبطاقة شرطي في بلدية اللقلوق، باسم شخص سوري على أنه لاجئ يعمل بوظيفة مخصصة للبنانيين، وأثارت الصورة ضجة واسعة على مواقع التواصل بعدما جرى استغلالها بشكل كبير. 

 

 ليتضح بعد أخذ ورد وطلب وزير الداخلية التحقيق في الأمر، أن الصورة مفبركة أيضاً والخبر غير صحيح وفق ما أكدت بلدية اللقلوق في بيان لها. 

في الإطار نفسه، أعيد نشر الكثير من الصور والمقاطع ذات الطابع التحريضي على وسائل التواصل الاجتماعي، بعضها مزيف، وبعضها الآخر يعود إلى وقت سابق، كما هو حال فيديو يعود إلى أكثر من عامين، يظهر إحراق خيم في منطقة عكار شمال لبنان تعود للاجئين سوريين، على اثر إشكال فردي، ويسمع في الفيديو صوت شخص بلكنة سورية يدعو السوريين في لبنان إلى التسلح والدفاع عن مخيماتهم وبيوتهم. 

بني على هذا تحريض إعلامي ضخم روج لفكرة التهديد الأمني الذي يمثله السوريون في لبنان، وهو ما لاقى استثمارا واسعاً أيضاً في الخطابات السياسية والتصريحات الرسمية على هذا الصعيد. 

التزييف انتقل أيضاً إلى الحملات المضادة التي خاضها سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي رفضاً لمساعي ودعوات الترحيل القسري من لبنان. حيث عمد ناشطون سوريون أيضا لاستخدام صور ومقاطع مصورة مزيفة أو قديمة لوضعها في سياق ما يجري حالياً في لبنان.

من بينها صورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة قيل إنها للبنانيين يتظاهرون في العاصمة الفرنسيّة للمطالبة بترحيل اللاجئين السوريين.

 إلا أن خدمة تقصي الأخبار الزائفة في وكالة الصحافة الفرنسية AFP أكدت أن الادعاء غير صحيح، فالصورة في الحقيقة هي لتظاهرة نفّذها لبنانيون في باريس عام 2019 ضدّ الطبقة السياسيّة الحاكمة في لبنان.

ولم تسلم حتى المفوّضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين في لبنان من الأخبار الزائفة المنسوبة لها، حيث اضطرت وبصورة دورية على إصدار بيانات توضيح وتكذيب عبر الإعلام اللبناني للعديد من المعلومات المغلوطة المتعلقة بشؤون اللاجئين السوريين. 

أحدث تلك الأخبار الزائفة تتحدث عن “ورقة خطيرة تقدّمت بها المفوضية إلى الأمن العام اللبناني، تطالب بإعطاء مليون و600 ألف نازح سوري حق الإقامة والعمل والتعليم وتثبيتهم في لبنان كلاجئين، مقابل تقديم الداتا الخاصة بالسوريين في لبنان.” وهو ما نفته المفوضية في بيان لها وصفت فيه المعلومات بغير الدقيقة. 

وأكدت المفوضية أنها لم تطرح أي قضايا تتعلق بالتعليم أو بالحصول على عمل، بل تناولت قضايا تتعلق بالحماية الدولية. وأشارت إلى أن المناقشات مع الأمن العام اللبناني تشمل مسألة مشاركة الداتا حيث اتُفق على تشكيل لجنة تقنيّة للمضي قدماً ضمن المعايير الدولية لمشاركة الداتا وحمايتها.

وصم.. تمييز.. وتهويل

لم يقتصر الأمر على الأخبار الزائفة، بل كانت سياسة التمييز والوصم والتخويف نهجاً تحريرياً واضحاً لدى وسائل إعلامية لبنانية عمدت إلى تظهير كل ما يتعلق بقضية اللجوء السوري في لبنان، وتعمدت الإشارة إلى الجنسية السورية في عناوين أخبار أمنية تحمل وصمات اجتماعية معينة، وتأتي في سياق تحريضي، وذلك على حساب المعايير المهنية في معظم الأوقات، وفق حدشيتي. 

حدشيتي يؤكد أن نوعية الأخبار الزائفة أو التحريضية، “تبين أن كثيراً من القنوات والوسائل الإعلامية لم تلتزم بأخلاقيات المهنية ولا بأساسيات العمل الإعلامي، سعياً لجذب القراء من جهة ومساهمة بالحملة الجارية على اللاجئين السوريين في لبنان، من جهة أخرى”.

ويضيف الصحافي اللبناني الذي يعمل في مبادرة إعلامية لتدقيق الأخبار والمعلومات، “من خلال متابعتي يبدو جلياً أن هذه الحملات مدفوعة، وجاءت في صالح الرأي السياسي المطالب بترحيل السوريين عن لبنان، والأكيد أن هذه الحملة لم تحصل من تلقاء نفسها في هذا التوقيت تحديداً”.

من الأمثلة البارزة على تلك الأخبار وأثرها السلبي يتمثل فيما وصف على أنه، “محاولة خطف” طفلة شهدتها بلدة أرزي جنوب لبنان، حيث تناولت مواقع إلكترونية ووسائل إعلامية الخبر مبرزة جنسية السورية للمتهم في العنوان، استباقاً للتحقيقات الأمنية، واعتماداً فقط على رواية من طرف واحد وهو الأب، الذي قال إنه لاحظ اقتراب العامل من ابنته وتدخل عبر ضربه وتسليمه للقوى الأمنية. 

إلا أن حجم انتشار هذا الخبر غير المؤكد وغير المحسوم، انعكس تصاعداً كبيراً لخطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين في البلدة، وأدى إلى توتر كبير وحالة من الهرج والمرج تخللها تحطيم دراجات نارية تعود لعمال سوريين واعتداء على بعضهم الآخر، والمطالبة بفرض حظر تجول على السوريين داخل البلدة وحصره بأوقات محددة. 

الأمر نفسه سبق أن تكرر في بلدة القليعة جنوب لبنان أيضاً، مع تداول خبر اشكال بين شرطي في البلدية وأحد اللاجئين السوريين لاقى انتشاراً واسعاً وشهد تحريضاً انتهى بتوجه عدد من أبناء البلدة إلى منازل يقطنها سوريون وعمدوا إلى طردهم منها ورمي أغراضهم وأثاث منزلهم في الشارع.

وعلى الرغم من تكرر الأمر نفسه في أكثر من منطقة ونتائجه المأساوية التي عادة ما تنتهي على شكل أعمال عنف وتحريض وسلوكيات عنصرية، تستمر وسائل إعلامية في تنميط مجتمع اللاجئين السوريين، وإن لم يكن بوصمهم بجرائم أو ارتكابات معينة، فمن خلال التهويل والتخويف من أصل وجودهم والتغيير الديمغرافي الذي قد يمثله بقاؤهم في لبنان. 

وفي هذا السياق أيضاً انتشرت تقارير منسوبة لإحصاءات ضيقة النطاق تهول من تزايد أعداد السوريين في لبنان وارتفاع نسب الولادات في صفوف اللاجئين، بعض تلك التقارير التلفزيونية تحدث عن 3 ملايين لاجئ سوري في لبنان، بخلاف الأرقام الرسمية المعلنة من ناحية الأمم المتحدة، والبعض الآخر اعتمد على إحصاء ضيق قامت به إحدى البلديات لعدد اللاجئين ضمن نطاقها أظهر أن 48 في المئة من اللاجئين ما دون عمر ال15 عاماً، وهو ما استغل للترويج أن نسبة الولادات لدى اللاجئين آخذة بالارتفاع والقول إن “لبنان يتجّه نحو انفجار سكاني” وفق إحدى العناوين المستخدمة.

خطاب كراهية.. عن لسان مسؤول

كل تلك الحملات الإعلامية جاءت منسجمة مع خطاب برز على لسان مسؤولين حكوميين وسياسيين بارزين في لبنان، عمد إلى الترويج للخطر الأمني الذي يمثله النازحون السوريون من جهة، والإيحاء بأن وجودهم في لبنان يأتي في سياق مؤامرة دولية، وتحميلهم وزر الأزمة الاقتصادية والأعباء المعيشية التي يعيشها اللبنانيون، فضلاً عن ربطهم بارتفاع معدلات الجرائم والسرقات وغيرها. 

في هذا الإطار برزت تصريحات لوزير الدفاع اللبناني موريس سليم الذي تحدث في مقابلة صحفية عن وجود “مجموعات مسلحة بين النازحين السوريين”، معتبراً أن “المجتمع الدولي يضغط لبقاء النازحين السوريين، وهو مصرّ على دمجهم في المجتمع اللبناني”. 

الأمر نفسه تكرر في تصريح لوزير الداخلية اللبناني بسام مولوي، الذي وضع اللاجئين السوريين في خانة التحريض على الجيش والدولة في لبنان، مؤكداً أنه “لن يسمح بالتحريض على الجيش اللبناني وعلى الدولة اللبنانية والإساءة لهما”، مضيفاً أن “السوري الموجود في لبنان يجب أن يلتزم بالقانون اللبناني، وسنفرض عليه التزامه”.

كذلك رصد تصريح لوزير المهجرين بالحكومة اللبنانية هيكتور الحجار حمل فيه اللاجئين السوريين المسؤولية عن عمليات سرقة وجرائم معتبراً أن عمليات الترحيل تجري على أساسها، ودعى اللاجئين السوريين بشكل جماعي لاتخاذ موقف “يعلنون فيه أنهم ضد السرقة والجريمة في لبنان”.

أما بالنسبة للتصريحات السياسية فقد تناوبت جهات سياسية عدة على تناول قضية اللاجئين السوريين في لبنان والتعبير عن ضرورة إيجاد حل لهذه القضية، إلا أن التصريحات الأبرز في هذا السياق جاءت على لسان رئيس الجمهورية اللبنانية السابق ميشال عون، الذي وصف اللاجئين السوريين بأنهم “نازحين أمنيين” مضيفاً أن دولا أوروبية تعمل على إبقائهم في لبنان واصفاً الأمر بالخطر، 

وفي المهرجان الحزبي نفسه الذي أقامه التيار الوطني الحر في منطقة جزين، تابع النائب اللبناني جبران باسيل ما بدأه عون، حيث وصف اللجوء السوري بأنه جزء من مؤامرة خطرة على لبنان وسوريا، مضيفاً أن إبقاؤهم في لبنان كان يقوم على اعتبارهم “عنصراً مقاتلاً وجاهز للتسليح لمقاومة النظام السوري، أما اليوم فانتهت الحرب في سوريا.” 

وفي تصريح لوزير العمل في الحكومة اللبنانية مصطفى بيرم أكد أن نحو 37 ألف سوري دخلوا خلال عطلة عيد الفطر من لبنان إلى سوريا ومن ثم عادوا إلى لبنان، داعياً إلى “إسقاط صفة النزوح أو اللجوء عن كل سوري يدخل إلى سوريا”.

 وهو قرار اتخذه مجلس الوزراء اللبناني الذي اعتبر رئيسه نجيب ميقاتي في تصريح أن “لبنان لم يعد يتحمل أعباء النزوح واللجوء”، مستغرباً الاستفسارات الواردة عن “ترحيل الذين يدخلون خلسة وبطريقة غير شرعية إلى لبنان”، متحدثاً عن عصابات مختصة تعمل على إدخال السوريين خلسة من سوريا إلى لبنان مقابل بدلات مالية ضخمة”. 

بين التزييف والكراهية.. أهداف مختلفة

يرى المسؤول الإعلامي في “مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية” – “سكايز”، جاد شحرور، أن هناك تباينا في الأهداف الكامنة خلف الحملات الإعلامية التي تستهدف اللاجئين السوريين في لبنان، فيروج لخطاب الكراهية “عندما يكون الهدف ربط اللاجئين بالأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تعيشها البلاد”، فيما يجري بث أخبار زائفة “من أجل الحصول على المزيد من الأموال من الجهات الدولية الداعمة، حيث يجري تضخيم أعداد اللاجئين وأثرهم الاقتصادي، وقد عاينا ذلك في السنوات الماضية ليتبين لاحقاً زيف الأرقام المروج لها.” 

 ويلفت إلى أن الأمر نفسه يحصل من خلال الترويج لكون النازحين السوريين يتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي فيما الحقيقة أنهم يتقاضون المساعدات بالليرة اللبنانية ووفق ما تفرضه المصارف من شروط وحسابات”، معتبراً أن هذا التحريض بين السوريين واللبنانيين، “تبرر من خلاله السلطة أخطاءها، وتبعد الأنظار المسؤول الحقيقي عن الأزمة المتمثل بالنظام المصرفي.” 

يبدي شحرور استغرابه للحملة المكثفة على اللاجئين السوريين التي شهدها لبنان خلال الأيام العشر الماضي، معتبراً أن “حسن الظن قد يدفعني للقول أن انخراط الإعلام اللبناني إلى هذا الحد فيها ناتج عن ملاحقة للترند السائد في البلاد لحصد متابعات وقراءات، لكن من منطلق سوء نية يمكن القول انه ليس محض الصدفة أنهم جميعا تحدثوا عن نفس المواضيع بالوقت نفسه ومدة زمنية محددة، خصوصاً وان الإعلام الكلاسيكي في لبنان معروف بأنه ممول سياسياً وسلطوياً.” 

ما يزيد من شكوك شحرور، أن “الحملة الإعلامية لم تأت بخطاب صالح للنقاش حول الأزمة الممثلة باللجوء اللبناني، وإنما مجرد تبن لخطاب الكراهية وترويج لمعلومات زائفة لأهداف سياسية ومالية، على حساب اللاجئين.” 

ويرى شحرور أن كل ما جرى خلال الأيام الماضية هو للضغط على الجهات المانحة عبر القول إن هناك نفور في المجتمع اللبناني من اللاجئين وتقديم أمثلة في الإعلام على ذلك، من أجل زيادة الأموال التي يتم منحها من ناحية المجتمع الدولي، “ولا أعتقد أن الأمر يتعلق بالتبرير للترحيل القسري المستمر أصلاً منذ سنوات تحت غطاء العودة الطوعية”.

مخاوف من العنف

ويعرب شحرور عن خشيته من إمكانية أن يتخذ خطاب الكراهية في لحظة معينة “طابعاً دمويا”، لاسيما في المناطق الأقرب لتبني هذا الخطاب الموجه، بحيث يتحول للاحقا إلى اعتداءات جسدية على اللاجئين. مذكراً بما سبق أن شهده لبنان منذ العام 2005 حتى اليوم من انتهاكات بحق السوريين ناتجة عن تصاعد خطاب الكراهية. 

مخاوف شحرور تتوافق مع تلك التي تحذر منها الإعلامية والمتخصصة بالتواصل اللاعنفي وحل النزاعات، تانيا غرّة التي ترى أن خطاب الكراهية الذي يشهده لبنان قد يكون “تأسيساً لمعركة أو لموجة عنف قادمة، فعادة ما يسبق أعمال العنف موجة تمييز وتنمر، إن كان بالقوانين أو بالتعامل أو بالحياة اليومية، وبالتالي تطبيع لخطاب الكراهية ليكون هو الطبيعي والسائد.” 

تنبه غرّة إلى أن خطاب الكراهية من شأنه أن ينزع عن الآخر صفته الإنسانية وكرامته، وهو ما ينعكس تجريداً للآخر من صفته الإنسانية، فيصبح من الطبيعي إلغاؤه أو إقصاؤه أو القضاء عليه، وبالتالي يمهد الأرضية لتقبل العنف ضد هذه الفئات واعتباره ردة فعل طبيعية على التهديد الذي يصور اللاجئين على أنهم يمثلونه.

بالنسبة إلى الإعلامية اللبنانية ما يحصل اليوم “ممنهجاً ومقصوداً، مشيرة إلى وجود سعي واضح لبث خطاب كراهية يتعلق بالسوريين في لبنان. وفي كثير من الأحيان كان الاعتماد في ذلك على الأخبار الزائفة.” 

وتوضح غرّة أن ليس كل من يتحدث بخطاب كراهية هو محرض متعمد، ففي كثير من الأحيان ينبع خطاب الكراهية عن مخاوف، ويقوم على استعمال خوف الناس واستثماره. وتحذر من أن ذلك لا يعني أن كل خطاب يتناول قضايا اللاجئين السوريين أو مشكلتهم هو خطاب كراهية، حيث أن هذا الاعتبار “قد يتحول في مكان ما إلى كم أفواه، وإقصاء يتحول إلى قمع لحرية التعبير.” 

بالنسبة إلى الخبيرة بالتواصل اللاعنفي وحل النزاعات فإن “الطريقة الوحيدة لمحاربة خطاب الكراهية وانتشاره هي المزيد من حرية التعبير المسؤولة، وليس عبر كم الأفواه، الذي يزيد من تشبث صاحب خطاب الكراهية بخطابه.” 

ترى غرة أن خطاب الكراهية تجاه اللاجئين ليس حكراً على لبنان وحسب، وانما هو أمر يتكرر مع كافة أزمات اللجوء حول العالم، “لاسيما حين تزداد أعداد اللاجئين في مجتمع فقير أصلاً، فيصبح هناك نوع من المزاحمة على الموارد ما يؤسس بحد ذاته لخطاب كراهية واعمال عنيفة خاصة حينما لا يتم تنظيم اللجوء وهو ما يحصل في لبنان.” 

وتتطرق غرة إلى الأساليب الإعلامية في تبريز الجنسية السورية في نوع من الأخبار التي تحمل وصمات، حيث ترى زنه نوع من التمييز الخطر، وتضيف “يجب أن يسأل الصحفي نفسه قبل كتابة الخبر، ما الإضافة التي ستمثلها إبراز الجنسية او الاسم أو لون البشرة أو العمر؟ 

وفي مثال على ذلك انتشر خلال الأيام الماضية أيضاً فيديو لأطفال قيل إنهم سوريون يسبحون في بركة في ساحة سمير قصير بوسط بيروت، في محاولة لربط اللاجئين السوريين بالفوضى في البلاد، في هذا السياق تسأل غرّة “ما الهدف من القول إنهم سوريون؟ سوى أنه سيزيد من النقمة والتحريض على هذه الفئة للقول إنهم يملؤون الشوارع والأماكن العامة، وبالتالي زيادة الخوف منهم وتاليا التأسيس لخطاب كراهية بحقهم؟”

وتضيف “في هذا المثال كان يكفي نشر هذا الخبر بسياق أن أطفالا يسبحون في بركة عامة رمزية غير مخصصة للسباحة ومساءلة بلدية بيروت عن دورها في ضبط هذه الأماكن العامة بحكم مسؤولية البلدية عنها، ففي النهاية هؤلاء أطفال يلعبون ويسبحون ليس ذنبهم، والأهم أنه ليس ذنب السوريين، وبالتالي ما أهمية إضافة جنسيتهم سوى أنها تنم عن نوايا مبيتة؟” 

وتشدد الإعلامية اللبنانية على وجود مسؤولية على صناع الرأي العام من صحفيين وكتاب ومؤثرين للانتباه إلى الأثر المترتب عما يبثونه أو ينشرونه وكيف سيكون انعكاسه على الناس والمزاج العام وردود فعل المتابعين والقراء. 

مواجهات محدودة

وفي سياق المحاولات المحدودة التي يشهدها لبنان لمواجهة هذه الحملات المنظمة، تعمل مجموعة من الصحفيين والكتاب والمثقفين والأكاديميين والفنانين، على إصدار بيان موقع على أوسع نطاق، يعبرون فيه عن رفضهم لهذا الخطاب التحريضي “باسم الوطنية اللبنانية”.

ويقول الكاتب والصحافي يوسف بزي المشارك والمساهم في إعداد ونشر البيان، أن هذا البيان يمثل “نوعاً من الأمانة لتاريخنا وذاكرتنا، ورفضاً للسكوت على الخطاب العنصري والكراهية التي يواجهها اللاجئون السوريون في لبنان، ومنعاً لتظهير سكوت على ما يجري اليوم.”
 
وبحسب بزي يتوجه البيان “بالدرجة الأولى إلى المجتمع اللبناني والعقلاء فيه، ونطمح عبره لسيادة العقلانية في مقاربة عناوين إشكالية أو سيادية كتلك المتعلقة باللاجئين السوريين.” 

بالدرجة الثانية يتوجه البيان إلى الدول العربية وغير العربية، بحسب بزي، “للقول أنه ليس باسم الوطنية اللبنانية وليس باسمنا كلبنانيين تقام هكذا حملات بهكذا خطاب كراهية. كما نحاول الدفاع عما تبقى من صورة لبقة او محترمة للشعب اللبناني أمام الآخرين، للقول إن هناك ما يعول عليه اليوم في لبنان غير الغرائز، والطائفية والعصبيات والانحطاط.”

ويشدد الكاتب اللبناني في حديثه لموقع “الحرة” على أن قضية السوريين في لبنان “قابلة للحل ويجب حلها، ولا ننكر أعباء وجود اللاجئين السوريين ولا الحساسيات الاجتماعية والثقافية وغيرها التي تتولد نتيجة وجود هذا الكم الهائل من اللاجئين، ولكن الحل لا يكون بالعنف أو بالاعتداء على السوريين في الشارع، بل عبر تشجيع المجتمع الدولي والدولة اللبنانية على التعاون بهدف مساعدة اللاجئين أولا والمجتمعات المضيفة.” 

ويلفت بزي إلى أن اللاجئ السوري اليوم هو الأكثر هشاشة في المشهد اللبناني والطرف المستضعف والأكثر قابلية لأن يكون ضحية لا يدافع أحد عنها. واصفاً ذلك بأنه “نوع من الخبث الإعلامي والسياسي”. 

ويختم بزي معبراً عن رفض واسع للإعادة القسرية للاجئين السوريين التي من شأنها “أن تودي بهم إلى التهلكة او المعتقلات”، مشيراً إلى ضرورة تأمين شروط لعودة آمنة وكريمة، “لاسيما وان هناك قرى مهدمة ومنازل لم تعد موجودة في سوريا اليوم، مؤكداً أن كل ذلك يحتاج إلي حل على مستوى دولي مع ضمانات سياسية وامنية ودولية لهذه العودة، “هكذا نطالب أن تكون المقاربة لقضية شائكة من هذا النوع.” 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version