طهران- بعد مضي نحو عامين على المحاولات الإيرانية الرامية إلى تطبيع الحديث عن مراجعة العقيدة النووية لمواجهة التهديدات الوجودية، أعادت التطورات الإقليمية الحديث عن ضرورة تعزيز الردع الدفاعي إلى الواجهة، بيد أن الدعوات لإنتاج قنبلة نووية اصطدمت هذه المرة بمعارضة لافتة داخل البلاد.

وفضلا عن تأكيد الأوساط الرسمية بلوغ الجمهورية الإسلامية العتبة النووية وتوفر التقنيات اللازمة لصناعة القنبلة، سبق أن قال مدير وكالة الاستخبارات الأميركية “سي آي إيه” وليام بيرنز -قبل شهرين- إن إيران قادرة بالفعل على إنتاج قنبلة نووية في غضون أسبوع.

لكن التوجه الأوروبي لتفعيل آلية الزناد، والتقارير الغربية والعبرية عن وجود تنسيق أميركي إسرائيلي لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، إثر تقويض قدرات فصائل المقاومة المتحالفة مع طهران وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، دفع شريحة كبيرة من الإيرانيين للمطالبة بمراجعة العقيدة النووية، حتى أضحى الحديث عن ضرورة حيازة قنبلة ذرية أمرا عاديا في الشارع ومنصات التواصل الفارسية.

بعد سنوات من فتوى التحريم.. هل يغير الإيرانيون عقيدتهم النووية؟

ذريعة للحرب

وتعليقا على تطبيع الحديث في وسائل الإعلام الفارسية عن ضرورة صناعة قنبلة نووية، ردا على التهديدات الإسرائيلية الرسمية بضرب المنشآت النووية، عبّر الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني عن امتعاضه، حيث يرى أن هذا التوجه لا يصب في المصلحة الوطنية وإنما يعطي الذريعة للأعداء.

وفي كلمته أمام عدد من وزراء الحكومتين الحادية عشرة والثانية عشرة ومساعدي الرئاسة الإيرانية خلال حقبته، حث روحاني، الاثنین الماضي، أصحاب المنابر الإعلامية على “عدم توفير الذرائع للأعداء”، نظرا إلى “الظروف الدقيقة” على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وتابع “الحديث هذه الأيام عن تغيير العقيدة النووية يتناغم وإرادة المتطرفين في الولايات المتحدة وإسرائيل، لتمهيد الأرضية لشن الحرب على إيران، حتى يقولوا للرأي العام العالمي إنه في حال عدم التدخل العسكري في بلاد فارس، ستكون الأخيرة على بعد أيام فقط من القنبلة الذرية”.

الأوساط الرسمية الإيرانية تؤكد بلوغ الجمهورية الإسلامية للعتبة النووية وتوفر التقنيات اللازمة لصناعة القنبلة (رويترز)

سباق تسليحي

يقرأ الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه، الموجة الجديدة من مطالبة بعض الأوساط السياسية بحيازة القنبلة الذرية في سياق تهديد الجانب الأوروبي، الذي يأخذ مهمة تفعيل آلية الزناد على عاتقه هذه الأيام.

وفي حديث للجزيرة نت، يعتقد فلاحت بيشه أن التهديد بتغيير العقيدة النووية لن يجدي نفعا في منع الجانب الأوروبي من المضي قدما في سياسته المرسومة حيال ملف طهران النووي؛ لأن الأوروبيين سبق وتعايشوا طوال الأعوام القليلة الماضية مع التهديد الروسي باستخدام القنبلة الذرية وليس صناعتها.

وحذّر من تداعيات إنتاج القنبلة الذرية في الشرق الأوسط، بسبب الدور البارز الذي تلعبه الأيديولوجيا لدى الأنظمة السياسية في المنطقة، مؤكدا أنه إن لم يُنزع فتيل التوتر في الشرق الأوسط فإن “المنطقة ستكون على موعد مع سباق تسليحي نووي خطير من شأنه إضرام النار فيها”.

وبينما یعتقد فلاحت بيشه أنه من واجب عقلاء المنطقة والعالم التحرك سريعا لخفض التصعيد في الشرق الأوسط عبر الدبلوماسية وليس القوة الخشنة، معتبرا أن “من شأن قيام إسرائيل بشن هجوم عسكري على منشآت إيران النووية أن يحوّلها من دولة عتبة نووية إلى قدرة ذرية، وهو ما قد يصعّب على الجميع السيطرة على تداعيات مثل هذا القرار” حسب قوله.

الفتوى الشرعية

لكن في الوقت ذاته، يعتقد العميد منصور حقيقت بور، القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني والمساعد الأسبق للجنرال قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس، أن بلاده لا تحتاج القنبلة الذرية أصلا، واصفا المطالب بتغيير العقيدة النووية بأنها “خارجة عن الأعراف وتصدر عن جهات متطرفة”.

وفي مقال تحت عنوان “لماذا لا نحتاج إلى القنبلة النووية؟” نشره في صحيفة “آرمان ملي”، يحض حقيقت بور على عدم استعجال الحديث عن القضايا التي لم تحظ بإجماع في النظام الإيراني “ذلك لأنها تنعكس سلبا على البلد ومصالحه الوطنية” حسب قوله، مذكّرا بأن المرشد الأعلى علي خامنئي لم يعدّل بعد الفتوى الشرعية التي تحرم إنتاج واستخدام السلاح النووي.

ويؤكد الناشط السياسي الإيراني، أنه لا شك في حيازة البلاد تقنية صناعة القنبلة الذرية لكن تبقى هذه القدرات العلمية والتكنولوجية وإمكانية استخدامها رهن إشارة المرشد الأعلى والسلطات العليا بالنظام الإسلامي.

ويرى حقيقت بور، أن الهتاف بضرورة تعديل العقيدة النووية قد يضر بالمساعي الرامية لحلحلة ملف طهران النووي لدى الأوساط الدولية، متهما المتطرفين بالسير خارج سكة نظام الجمهورية الإسلامية عبر الإصرار على تغيير العقيدة النووية، متسائلا عن انتماءات هذه الشريحة والجهات التي تضبط بوصلة سياساتها.

حسابات سياسية

من ناحيته، يرى الدكتور فرزاد أحمدي، الأكاديمي الباحث في القضايا الجيوستراتيجية بجامعة “تربيت مدرس”، أن الحسابات السياسية كانت وما زالت “عنصرا معطلا” في سبيل إنتاج طهران قنبلتها النووية، ذلك لأن الجمهورية الإسلامية لم تتعرض عمليا إلى تهديد وجودي حتى الآن.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف أحمدي، أنه “لو افترضنا جدلا بتعرض إيران لهجوم عسكري، فإن القنبلة الذرية لن تعزز قوتها الردعية، وإنما قد تحوّلها إلى نموذج مماثل لكوريا الشمالية في العزلة، ناهيك أن طهران تفتقر إلى العديد من الأوراق الجيوسياسية التي تملكها بيونغ يانغ، وعلى رأسها موقعها الجغرافي ومجاورتها للحليف الصيني”.

وخلص إلى أن تحوّل إيران إلى قدرة نووية من شأنه زيادة الضغوط الخارجية على الاقتصاد الإيراني، واتساع الهوة بين المجتمع والنظام، فضلا عن تداعياته الإقليمية والزج بالمنطقة نحو سباق تسليحي لموازنة القوة فيها، مضيفا أنه “على ضوء فقدان طهران لحليف إستراتيجي وازن، فإن ذلك قد يبرر تغيير عقيدتها النووية إلى تكوين تحالف عسكري ضدها”.

ورغم هذه المعارضة، أطلقت شريحة من الإيرانيين وسم “فقط يك عدد”، ويعني “فقط رقم واحد”، طالبوا فيه بإنتاج قنبلة نووية واحدة فقط لتعزيز الردع الوطني “قبل أن تستطيع القوى المعادية مهاجمة احتياطيات البلاد من اليورانيوم عالي التخصيب، والقضاء على قدرتها الكامنة على إنتاج المواد الانشطارية، بعد أن كانت على بُعد أسبوع فقط من القيام بذلك”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version