تحتفظ مدينة هامترامك برمزية خاصة للمجتمع السياسي المسلم في أميركا، بعد أن أصبحت عام 2021 أول مدينة في التاريخ الأميركي يتكون مجلس حكومتها وعمدتها بالكامل من المسلمين.
وتقع هامترامك في ولاية ميشيغان (شمال شرق الولايات المتحدة) ويسكنها نحو 28 ألف نسمة، 25% من سكانها مسلمون من أصول عربية، وأغلبهم من اليمن، و27% من قاطني المدينة هم أيضا مسلمون من أصحاب الأصول الآسيوية، وأغلبهم من بنغلاديش.
ويعد عامر غالب العمدة المسلم الوحيد في الولايات المتحدة، وهو من أصول يمنية، وهو عضو في الحزب الديمقراطي، ومع ذلك يمثل نموذجا على تغير المزاج السياسي في المجتمع الأميركي خلال السنوات الأربع الماضية، والإزاحة التي شهدتها الجاليات العربية والمسلمة في مواقفها المتأرجحة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
فغالب رغم انتمائه للحزب الديمقراطي، فإنه قرر التمرد ودعم الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب في الانتخابات التي عقدت أمس الأول الثلاثاء، وقال في سبتمبر/أيلول الماضي على منصة إكس “أعلن تأييدي للرئيس السابق دونالد ترامب، وآمل أن يكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة”.
توجهات التصويت
وفي أغسطس/آب الماضي، أظهر استطلاع أجراه مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) أن 18% من الناخبين المسلمين في ميشيغان يؤيدون ترامب، مقابل 12% فقط يؤيدون مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، في حين قرر معظم المسلمين النأي بأنفسهم عن كلا المرشحين ومنح أصواتهم لمرشحين آخرين.
وهذا ما ذهب إليه الإعلامي المختص في الشؤون الأميركية عبد الرحمن يوسف، إذ رأى أن توجهات الجاليات العربية والمسلمة انقسمت في هذه الانتخابات على النحو التالي:
- هناك من قرر المقاطعة، وعدم التصويت لهاريس أو ترامب نهائيا دون الاهتمام بالعملية الانتخابية كلية لأن نتائجها لا تمثل نقطة فارقة لكثير منهم، ويجب التركيز على القضايا المحلية مثل الإجهاض والتعليم والنوع الجنسي.
- الفريق الثاني، قال علينا اختيار جيل ستاين حتى نظهر قوتنا وتأثيرنا خلف مرشح بعينه.
- الفريق الثالث، قرر معاقبة الحزب الديمقراطي على موقفه من قضايا الشرق الأوسط مثل غزة.
وأضاف يوسف -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن “الكثير من العرب والمسلمين لا يرغبون في التصويت لكلا الفريقين، أو أنهم لا يريدون إعطاء الديمقراطيين هذا النجاح في حده الأدنى”، أي أنهم في غالبيتهم لا يدعمون ترامب، ولكنهم قرروا ببساطة التخلي عن هاريس والحزب الديمقراطي.
تأثير الناخب المسلم
يبلغ عدد المسلمين في الولايات المتحدة 4 ملايين نسمة، من بين 336 مليونا هم سكان البلاد، وتمثل الكتلة التصويتية لهم نحو 2.5 مليون ناخب، وهم موزعون على عدة ولايات كثيرة.
ولذلك يرى أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة روتجرز بولاية نيوجيرسي عبد الحميد صيام أن تصويت الجالية العربية والإسلامية غير فعال كثيرا، ولا يوجد لديهم ثقل انتخابي كبير إلا في بعض الولايات مثل ميشيغان وإلينوي وبنسلفانيا.
وأضاف صيام -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن 16 منظمة عربية وإسلامية اتفقت على الالتزام بعدم التصويت لهاريس لمعاقبتها على دورها وإدارة بايدن في دعم حرب الإبادة على قطاع غزة، لكن الأيام الأخيرة شهدت تحولات في الحملة الانتخابية من قبل المرشح الجمهوري.
فقد زار ترامب ولاية ميشيغان 4 مرات، ووعد بأن يكون “رئيس سلام” في منطقة الشرق الأوسط، مما خلخل هذا التوافق من قبل المجتمع المسلم، وبدأت أصوات تنادي بتأييد جيل ستاين، وهناك من رفض ذلك حتى لا تضيع الأصوات سدى، لذلك شهدنا تحولا لدى الجالية الفلسطينية والعربية في منطقة ميشيغان، حسب صيام.
ويرى مسؤول السياسات في التحالف الأميركي من أجل سوريا محمد علاء غانم أن تأثير الناخب المسلم في هذه الانتخابات مختلف كثيرا عن انتخابات 2020 التي فاز بها بايدن، خاصة في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان التي خسر فيها ترامب بفارق ضئيل نتيجة ترجيح كفة المسلمين والعرب فيها.
وأشار غانم -في مقابلة مع الجزيرة نت- إلى أن الانتخابات الحالية شهدت انقساما كبيرا بشأن المرشح الذي يختاره المسلمون، والسبب يعود إلى موقف بايدن والحزب الديمقراطي من الحرب على غزة والدعم الأميركي المقدم لإسرائيل، لذلك خسرت هاريس في ولايات كان بايدن فاز بها من قبل على ترامب ولو بفارق ضئيل.
ظاهرة جديدة
ويستدرك مسؤول السياسات في التحالف الأميركي من أجل سوريا بأن هذه الانتخابات كانت مميزة في ظاهرة جديدة لم تكن موجودة في الانتخابات السابقة، وتتمثل في إعلاء شأن الصوت العربي والمسلم.
وشرح غانم فكرته بأنه للمرة الأولى في تاريخ السياسة الأميركية يتم الاهتمام بالصوت العربي والمسلم على هذا النحو، ففي الماضي لم ينل هذا الحجم وهذه الطريقة من الاهتمام، ولم يكن يذكر في الإعلام بالمستوى نفسه الذي شهدناه في هذه الانتخابات.
وفي رأي غانم، يعد هذا تطورا جديدا وممتازا للجالية العربية والمسلمة، التي أصبحت جزءا من الحياة السياسية الأميركية بأعداد أكبر وبفعالية، وبالتالي “هذا يعد درسا للديمقراطيين، ويجب أن يتعلموا منه، وأن ينتبهوا بشكل أفضل للجميع، بما فيهم العرب والمسلمون”.
البعدان المحلي والوطني
من النقاط التي أُثيرت أيضا حول الانتخابات الأميركية الأخيرة ما يتعلق بموقف الناخبين من القضايا ذات الشأن الأميركي المحلي أو ما يتصل منها بالسياسة الأميركية الخارجية، وكانت قضايا منطقة الشرق الأوسط محور الاختيار والمفاضلة لدى الجاليات العربية والمسلمة.
فالإعلامي المختص في الشؤون الأميركية يرى أن العديد من الأسر المسلمة منذ عام 2022 توجهت للتصويت لمرشحي الحزب الجمهوري في انتخابات الولايات المحلية، كرد فعل على توسع الحزب الديمقراطي في تدريس المحتوى الجنسي والشذوذ والإجهاض والتعليم.
وضرب يوسف مثلا بولاية فرجينيا التي صوّتت فيها الأسر المسلمة وحتى المسيحية لصالح مرشح الحزب الجمهوري، بعد الذي أقدمت عليه ولاية فيرفاكس من تقديم محتوى دراسي لأطفال المدارس الابتدائية يضم حرية تغيير النوع الجنسي والشذوذ.
وفي ما يتعلق بالسياسة الخارجية، فيقول أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة روتجرز إن الحزب الديمقراطي في الأغلب يكون أقل قسوة وشراسة، “فإدارة ترامب السابقة عودتنا ألا تعطي أي أهمية للدول العربية والإسلامية، وكان من أوائل قراراتها في الفترة الماضية أن منعت مواطنين من 5 دول إسلامية وعربية من دخول الولايات المتحدة”.
وعُقدت الانتخابات الأميركية الثلاثاء الماضي، وحسب نتائج أوردتها وسائل إعلام أميركية، فقد حسم ترامب سباق الرئاسة بعد تجاوزه بشكل ملحوظ العدد المطلوب من الأصوات في المجمع الانتخابي البالغة 270 صوتا، متغلبا على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
وسيؤدي ترامب اليمين الدستورية في 20 يناير/كانون الثاني المقبل ليبدأ رسميا مهامه الرئاسية.