قبل بدء هجوم الفصائل المسلحة في شمال سوريا فرض النظام السوري وقواته مشهدا عسكريا على طول خطوط الجبهات وفي عمق المناطق الخارجة عن سيطرته، واستخدم بذلك طائرات مسيّرة انتحارية، منها ما كان يصيب الهدف بدقة وأخرى ترمي القنابل والقذائف من الجو.

وفي حين كان ينظر لسلاح “المسيرات” من زاوية أنه كان يحرف مسار الصراع على الأرض ويعود على النظام وقواته بالكثير من المكاسب العسكرية جاء هجوم الفصائل المسلحة ليعكس الصورة، من خلال سلاح مشابه لكنه “مضاد”.

ومنذ اليوم الأول لهجوم الفصائل المستمر حتى الآن لعبت الطائرات المسيرة التي استخدمتها دورا كبيرا في تقدم مقاتليها على الأرض، وخاصة في ريف حلب الغربي وصولا إلى المدينة التي أصبحت تحت سيطرتها بالكامل.

وتتبع ذات السياسة العسكرية الآن، في الهجوم الذي بدأته على 3 محاور، في مسعى لدخول مدينة حماة وسط البلاد.

ولم يسبق وأن كشفت الفصائل وبينها “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقا المصنفة على قوائم الإرهاب الأميركية) عن امتلاكها لهذا السلاح بالفعل، وبينما كانت تروج له في السابق أعلنت لأول مرة الزج به في ساحة المعركة وتحت اسم “طائرات شاهين” و”كتائب شاهين”.

ونشرت الفصائل، خلال الأيام الماضية، سلسلة تسجيلات مصورة وثقت من خلالها استخدام الطائرات المسيرة في استهداف الدبابات والنقاط العسكرية التابعة للنظام السوري. وأظهرت أخرى إلقاء طائرات من نوع “شاهين” لقنابل على آليات عسكرية وثكنات.

وفي غضون ذلك كانت عملية إطلاق المسيرات تتم عبر طريقتين، باليد وعن طريق أجهزة تحكم عن بعد.

 أنواع المسيرات وآلية الإطلاق

عندما يتعلق الأمر باستخدام الطائرات المسيّرة (UAVs) من قبل الفصائل المسلحة في شمال سوريا “فإن الأمر مثير للاهتمام للغاية، حيث نرى أنهم يستخدمون مجموعة متنوعة جدا من الطائرات”، وفقا للباحث، فابيان هينز.

على سبيل المثال يشرح هينز لموقع “الحرة” أن الفصائل تستخدم طائرات FPV المسيّرة بطريقة مشابهة جدا لاستخدامها في أوكرانيا، وكذلك، هناك طائرات درون تجارية رباعية المراوح يتم استخدامها، وهو شيء شاهدناه في العديد من النزاعات.

كما أن هناك نوعا من الطائرات الانتحارية التي يبدو أنها صُنعت داخل سوريا.

ومع ذلك يضيف الباحث في مجال الدفاع والتحليل العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: “لا نعرف ما إذا كانوا قد حصلوا على مساعدة خارجية أم لا، لكن يبدو أن هناك جهدا حقيقيا للتطوير المحلي ويظهر من التصميم”.

بحسب ما توثقه التسجيلات المصورة التي نشرتها الفصائل خلال الأيام الماضية يبدو أن هناك عدة نسخ من الطائرات التي تستخدمها.

وتعمل بعض النسخ بمحركات كهربائية، وأخرى بمحركات مكبسية. وعادة ما تعمل طائرة مسيّرة من هذا النوع عن طريق وجود كاميرا في المقدمة مع رابط راديو يسمح للمشغل بتوجيهها، وفق الباحث.

ومن ناحية أخرى وعلى صعيد الإطلاق والتتبع يوضح هينز أن الطائرات التي تمتلكها الفصائل المسلحة يمكنها استخدام نظام الملاحة عبر GPS مما يعني أنه لا حاجة لمشغل، حيث تُوجه الطائرة إلى الهدف تلقائيا.

ويمكن تنفيذ ما سبق على مسافات طويلة جدا، وقد رأينا هذا الأسلوب يُستخدم في سوريا من قبل لاستهداف قواعد جوية روسية، على سبيل المثال.

“سلاح منظم بمسارين”

ولم يسبق وأن استخدمت الفصائل المسلحة في شمال سوريا سلاح الطائرات المسيرة في أي عملية عسكرية سابقة أطلقتها ضد قوات النظام السوري.

وبدأ النظام باستخدام هذا السلاح على نحو كبير في الفترة الأخيرة، مما أسفر عن مقتل مدنيين وعسكريين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب البلاد.

ويرى الباحث الأمني في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، نوار شعبان، أن الطائرات المسيرة التي تستخدمها الفصائل المسلحة “من الواضح أنها مجهزة بتقنية عالية”، وليست تجارية وتم تعديلها لتحمل شحنات فقط.

ويشير في حديثه لموقع “الحرة” إلى وجود أنواع انتحارية مجنحة، وأخرى قادرة على إلقاء القذائف من الجو وقسم آخر مجهز بكاميرات، فيما يرافق قسم ثالث طائرات مهمتها تصوير العمليات.

تشي طبيعة استخدام المسيرات والأهداف التي تضربها بدقة عن وجود “تدريبات ضخمة وربما استمرت لأكثر من عامين”، بحسب شعبان.

ويقول: “يبدو أن الانضباط في عمليات التدريب ضخم جدا، وهو ما نلاحظه بعملية الكشف عنها التي لم تحصل إلا في اليوم الأول للهجوم الكبير الحاصل الآن”.

وكان بمقدرة الفصائل المسلحة أن تستخدم سلاح المسيرات للرد على النظام السوري عندما كان يضرب مناطقها بالطائرات الانتحارية، لقرابة عام.

ويضيف شعبان: “لكن يبدو أن الكتائب المسؤولة عن هذه الطائرات كانت تعد لعمل عسكري وليس ردعي. بمعنى لعب عامل السرية دورا كبيرا في نجاحها في الوقت الحالي”.

 “الأمر الأكثر أهمية”

ولا يقتصر استخدام الفصائل المسلحة للمسيرات على خطوط ومحاور الهجوم الذي تنفذه، بل وصل الأمر بها لإطلاقها إلى مسافات بعيدة، وهو الأمر الذي أكدته وسائل إعلام مقربة من النظام السوري.

ويعتقد الباحث هينز أن “الأمر الأكثر إثارة وأهمية هو أن لدى الفصائل المسلحة نوعا واحدا من الطائرات المسيّرة التي يبدو أنها تعمل بالطاقة الصاروخية. فهي لا تستخدم محرك مكبسي أو كهربائي أو حتى نفاث، بل فقط صاروخ”.

ووثقت إحدى التسجيلات المصورة هذا النوع من السلاح (صاروخ بجناحين)، عندما بدأ الهجوم أولا على قرى وبلدات ريف حلب الغربي.

ويوضح هينز أن “المسيرات التي تعمل بالطاقة الصاروخية (وتمتلكها الفصائل) هي مزيج بين طائرة مسيّرة وقنبلة انزلاقية”.

وربما يكون مداها قصيرا، ولكن سرعتها ستكون عالية جدا، ويمكن تحميلها بحمولة كبيرة مقارنة بالطائرات المسيّرة الأخرى.

وفي بعض سيناريوهات المناطق الحضرية في سوريا، قد لا يكون المدى مهما بقدر السرعة والتأثير، بحسب الباحث.

ويتابع: “هذا المفهوم فريد جدا. وعندما تنظر إلى مفهوم فريد كهذا، يكون الأمر دائما مثيرا للاهتمام بحد ذاته. ولكنه يعني أيضا وجود جهد تطويري، حيث تحاول الفصائل تجربة أشياء مختلفة وتختار طرقها الخاصة. وعندما ينجحون في ذلك، يكون الأمر مثيرا للإعجاب للغاية”.

ومن جهته يعتبر الباحث الأمني شعبان أن سلاح المسيرات الذي تمتلكه الفصائل المسلحة “ذو تقنية كبيرة جدا والعناصر مدربين”.

ويقول إن “الأهم على صعيد استخدام هذا السلاح هو القدرة على ضبط الفصائل لنفسها في السابق، وعدم الكشف عنه واستخدامه في الردع”.

“الآن تستخدمه في حرف صراع المعركة. الطائرات المسيرة التي تمتلكها هي سلاح هام من الناحية التكتيكية والاستراتيجية”، بحسب ما تابع الباحث الأمني السوري.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version