رام الله- اعتبرت عملية إطلاق نار وطعن في مدينة يافا داخل إسرائيل أو ما أطلق عليها “عملية يافا” عملية استثنائية من أكثر من زاوية وفق محللين، فمن جهة وصل منفذاها من أقصى جنوب الضفة الغربية رغم الإجراءات الأمنية المشددة في الضفة وبين الضفة وإسرائيل.

ومن جهة أخرى وقعت قبيل حلول الذكرى السنوية الأولى لمعركة طوفان الأقصى وبدء العدوان على قطاع غزة، كما أن العملية تزامنت مع هجوم على قاعدة نتساريم العسكرية جنوبي مدينة غزة وإطلاق مئات الصواريخ من جنوب لبنان وإيران باتجاه إسرائيل.

وبلغت حصيلة العملية مقتل 7 إسرائيليين وإصابة 16 وفق حصيلة أعلنتها الشرطة الإسرائيلية اليوم الأربعاء، في حين كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن منفذيها “تسللا لإسرائيل وطعنا جنديا واستوليا على سلاحه ونفذا الهجوم بسلاحه”.

اقتحام واعتقال

في ساعة متأخرة من مساء أمس الثلاثاء اقتحمت قوة إسرائيلية مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية وداهمت منزلي عائلتي الشابين، وتشير سلطات الاحتلال إلى الشابين محمد مسك (19 عاما) وأحمد الهيموني (25 عاما) على أنهما المنفذان، وفي حين استشهد الأول يعاني الآخر إصابة خطيرة.

وخلال الاقتحام اعتقل جيش الاحتلال أشقاء مسك، في حين طلب من أفراد عائلة الهيموني تسليم أنفسهم، إذ لم يكونوا في المنزل ساعة الاقتحام.

ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، فإن العملية استهدفت القطار الخفيف ومحيطه، وفي المكان ذاته “تم تحييد المسلحين على يد قوات الأمن وعدد من المدنيين” وفق الشرطة الإسرائيلية.

وحسب تقديرات إسرائيلية، دخل مسك والهيموني إسرائيل عن طريق ثغرة في الجدار الفاصل قرب مدينة القدس، مشيرة إلى اعتقالات طالت أقارب المنفذيْن وآخرين في القدس يعتقد أنهم قدموا لهم المساعدة.

فلسطينيان من الخليل طعنا جنديا ونفذا عملية إطلاق النار بسلاحه (مواقع التواصل)

تهديد ووعيد

ومن مكان العملية أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير استدعاء ونشر عشرات آلاف المسلحين المدنيين الإسرائيليين، كما هدد بهدم مسجد في مدينة يافا زعمت وسائل إعلام إسرائيلية أن المنفذين كانا فيه قبيل تنفيذ العملية.

وقال بن غفير إنه اتفق مع المفتش العام للشرطة على “نشر 13 ألف متطوع بشكل فوري في جميع أنحاء إسرائيل”، في إشارة إلى مدنيين وزع عليهم السلاح منذ بدء العدوان على غزة.

أما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش فقال إنه طلب في اجتماع الكابينت الليلة الماضية ترحيل عائلاتي المنفذين إلى قطاع غزة، دون أن يعلن فيما إذا تحقق طلبه أم لا.

وبتقدير مدير مركز يبوس للدراسات سليمان بشارات فإن هناك حلقة مفقودة في الرواية الإسرائيلية بشأن العملية وسرقة سلاح أحد الجنود “ربما لأن إسرائيل لا ترغب في تقديمها، في محاولة للتقليل من شأن العملية ولتجنب إحداث حالة خوف في الشارع الإسرائيلي، خاصة في مدن رئيسية كبرى”.

الحلقة المفقودة -وفق بشارات- هي المعلومة المتعلقة بدوافع العملية وفيما إذا كانت شخصية فردية أم منظمة لها بعد فصائلي.

وأضاف بشارات في حديثه للجزيرة نت “إذا سلمنا بالرواية الإسرائيلية بدخولهما إسرائيل دون سلاح فهذا يدل على وجود إصرار فردي لدى الشابين برؤية فكرية أيديولوجية جعلتهما يبحثان عن أي وسائل يمكن استخدامها، وهذا يعطي انطباعا بأن الاحتلال يواجه الشعب الفلسطيني كله وليس منظومات حزبية فصائلية، وهذا أخطر على الاحتلال من أي زاوية أخرى”.

ويشير المحلل الفلسطيني إلى حرب إسرائيلية ضد الفصائل وبنيتها التنظيمية منذ انتفاضة عام 1987 مرورا بانتفاضة الأقصى (اندلعت عام 2000) وحتى اليوم، إذ من السهل تتبع عناصرها وملاحقتها واعتقالها وإضعاف تأثيرها “لكن الظاهرة الأخطر بدأت تتشكل منذ سنوات وتسميها إسرائيل الذئاب المنفردة”.

وتابع أن العمل المقاوم الآن لم يعد ضمن خارطة منهجية إنما “ذئاب منفردة، مما يشتت الجهد الاستخباري الإسرائيلي من جهة ويدفع باتجاه مشاركة مجتمعية أوسع من جهة أخرى، وهذا ما كانت تخشاه إسرائيل دائما”.

تجاوز الإجراءات

وتأتي العملية فيما يستمر إغلاق مداخل المدن والبلدات الفلسطينية بالحواجز والبوابات الحديدة منذ بدء العدوان على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

أما مدينة الخليل التي خرج منها المنفذان فتعيش على وقع حصار وإجراءات عسكرية إسرائيلية مشددة بعد عملية قرب حاجز ترقوميا العسكري غربي المدينة وأدت إلى مقتل 3 من عناصر الشرطة الإسرائيلية في الأول من سبتمبر/أيلول الماضي.

وكما بالنسبة لمنفذ عملية ترقوميا فإنه ليس لمنفذي عملية يافا سوابق أمنية وفق المصطلح الإسرائيلي، ولم يسبق اعتقالهما لأسباب تتعلق بمقاومة الاحتلال.

ووفق إعلان للجيش الإسرائيلي، تعمل في الضفة الغربية الآن 6 ألوية بالتوازي مع العملية العسكرية المستمرة، خاصة في مخيمات ومدن شمالي الضفة، كما تعمل الحراسات على الطرقات والمستوطنات بتعزيزات كبيرة.

وهنا يقول بشارات إن إسرائيل مهما حاولت أن تُظهر أنها قادرة على ضبط الميدان في المواجهة مع الفلسطينيين فقد فشلت في المقاربة العسكرية والأمنية “فالاعتقال والهدم واستهداف البنية التحتية والعقوبات الجماعية والاغتيالات ثبت فشلها على مدى التاريخ”.

وتابع أن إسرائيل “تخطئ كل مرة في استخدام الأدوات والمنهجيات ذاتها في التعامل مع الفلسطينيين، إذ إن ما يجري من جرائم إسرائيلية على امتداد الأراضي الفلسطينية يشكل عامل توتير نفسي يولّد تلقائيا ردود فعل غير متوقعة”.

دلالة التوقيت

وبالنظر إلى وقت وقوع عملية يافا فقد وقعت فيما كانت طواقم الإسعاف الإسرائيلية تجلي الجرحى، في وقت دوت فيه صفارات الإنذار في أغلب المدن الإسرائيلية تحذيرا من قصف إيراني بمئات الصواريخ الباليستية استهدفت قواعد عسكرية.

كما جاءت في وقت أعلنت فيه وسائل إعلام إسرائيلية عن هجوم نفذه عشرات المسلحين استهدف نقاطا عسكرية في محور نتساريم الذي يحتله الجيش جنوبي مدينة غزة، وبالتزامن مع سقوط عشرات الصواريخ التي أطلقها حزب الله وهزت القرى والمدن شمالي إسرائيل.

لكن بشارات لا يعتقد بوجود رابط بين العملية وصواريخ حزب الله والصواريخ الإيرانية، ويستبعد وجود تخطيط مسبق لتكون متزامنة “بل قد تكون بمجرد الصدفة، حيث اجتهد الشابان في اختيار التوقيت”.

ويضيف أن أشخاصا لا يمتلكون الأدوات قدموا أنفسهم من خلال الميدان “مما يدل على عدم وجود بنية متكاملة، ولا نستطيع أن نقول إن هناك تنظيما بشكل مباشر أو غير مباشر قام بتنسيق وقت العملية”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version