مع بداية موسم الأعياد في الولايات المتحدة، المتزامن مع عيد الشكر الذي يحل في الخميس الأخير من نوفمبر، يبدأ موسم التسوق السنوي، في اليوم الموالي، فيما اصطلح على تسميته بمصطلح “بلاك فرايداي” أو الجمعة السوداء.
ورغم انتشار التسوق الإلكتروني، وتأثير جائحة كورونا، التي أوقفت ظاهرة الحشود الكبيرة من المتسوقين، الذين ينتظرون أمام المحلات التجارية الكبرى منذ ساعات الصباح الأولى، ليتدافعوا داخلها عندما تفتح أبوابها، قصد الظفر بالتخفيضات السنوية، إلا أن مؤشر الاستهلاك لايزال يسجل أرقاماً قياسية جديدة.
خلال موسم هذه السنة، يتوقع الخبراء أن يتجاوز عدد المتسوقين في الولايات المتحدة 183 مليون شخص، 137 مليونا منهم سيقومون بالتسوق اليوم الجمعة. وبفضل التسوق الإلكتروني، لم يعد البلاك فرايداي يقتصر على يوم واحد، بل تبدأ الإعلانات الخاصة بالتخفيضات قبل ذلك بعدة أسابيع.
ورغم استمرار الحديث عن تأثير نسبة التضخم على الاقتصاد ، إلا أن الأرقام التي نشرها مكتب العمل الأميركي، تشير إلى انخفاض مستمر في أسعار بعض المنتجات، مثل التلفزيونات، التي انخفض سعرها بنسبة 75 في المئة مقارنة بأسعار عام 2014.
أصل تسمية “الجمعة السوداء”
ظهر مصطلح الجمعة السوداء لأول مرة في الولايات المتحدة خلال منتصف القرن 19، ولم يكن مرتبطاً بعيد الشكر أو موسم التسوق، بل كان يتعلق بحدث غير متوقع.
ففي 24 من سبتمبر عام 1869، الذي صادف يوم جمعة، انهارت أسعار الذهب في الولايات المتحدة، عندما قام كل من دجاي غولد وجيم فيسك، وهما مستثمران معروفان في أوساط وول ستريت، بالمضاربة على أسعار المعدن النفيس، التي ارتفعت بصفة مفاجئة لكنها سرعان ما تراجعت بشكل حاد، وهو ما تسبب في أزمة مالية حادة.
وصلت حدة الأزمة إلى درجة تدخل الرئيس الأميركي آنذاك، يوليسوس غرانت، الذي دفع بجزء من الاحتياطي الحكومي من الذهب إلى الأسواق قصد محاولة إعادة التوازن لها. كما فتح الكونغرس تحقيقاً حول ملابسات حدوث ذلك.
لكن التسمية المعاصرة للبلاك فرايداي تعود إلى بداية خمسينيات القرن العشرين، وبدأت من مدينة فيلادلفيا، التي تنظم فيها عقب عيد الشكر، مباراة دربي كرة القدم الأميركية، بين فريقي الجيش والبحرية، ما يجلب الآلاف من الجماهير والمتسوقين والباعة المتجولين، ويحدث اختناقات مرورية كبرى، ما يجعل عمل رجال الشرطة في المدينة أكثر صعوبة وهو ما دفعهم إلى إطلاق اسم بلاك فرايداي أو الجمعة السوداء على ذلك اليوم.
ومنذ تلك الفترة واصل التجار وشركات التجزئة إطلاق اسم بلاك فرايداي على فترة التسوق التي تلي عيد الشكر، والتي تم تمديدها تدريجياً لتصبح 4 أيام لاحقاً، تُقدم فيها عروض خاصة وإعلانات عن تخفيضات كبرى، لإغراء المتسوقين خلال موسم الأعياد، الذي يمتد حتى رأس السنة.
من يوم التسوق إلى شهر التسوق
تطور الاستخدام التجاري للبلاك فرايداي، ولم تعد الجمعة الأولى التي تلي عيد الشكر هي بداية موسم التسوق لموسم الأعياد. بل أصبح عيد “هالويين”، يمثل ضربة البداية لذلك الموسم، الذي يمتد حتى احتفالات أعياد الميلاد.
ونظراً للتطور الكبير الذي شهده التسوق الإلكتروني، الذي ارتفعت نسبته من 1.7 في المئة من مجموعة مبيعات التجزئة عام 2003، إلى 17.1 في المئة خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من 2023.
ومنذ عام 2005 ظهر مصطلح “سايبر مانداي”، أو الاثنين السيبراني، الذي يشهد تقديم عروض خاصة وتخفيضات هامة على كل مبيعات التجزئة الإلكترونية خلال يوم الاثنين الأول الذي يلي عيد الشكر.
كما أثرت جائحة كورونا على عادات المستهلكين، الذين تجنبوا الازدحام والتجمهر في الأماكن العامة، خشية العدوى وانتقال المرض.
تعافي بعد كورونا
خلال 2024، شكلت نسبة التضخم الشغل الشاغل للأميركيين، الذين حافظوا رغم ذلك على مستوى استهلاك مرتفع، رغم التحديات المالية التي يشهدها الاقتصاد. وتكمن مصادر قلق المستهلكين الأميركيين في مقارنتهم المستمرة للأسعار ما قبل جائحة كورونا وما بعدها، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الديون على على بطاقات الائتمان البنكية، ما يجعل التسوق أكثر كلفة.
تشير نتائج سبر الآراء التي نشرها معهد غالوب خلال أكتوبر الفارط، إلى أن 38 في المئة من الأميركيين يعتزمون إنفاق أكثر من ألف دولار خلال موسم الأعياد، فيما قال 31 في المئة منهم أنهم سينفقون أقل من 500 دولار، خلال نفس الفترة.
وتقوم شركات البيع بالتجزئة وباقي المحلات والمؤسسات التجارية بمحاولة التأقلم مع تطور عادات المستهلكين. إذ استهدفت الحملات الدعائية لمتاجر والمارت هذه السنة المستهلكين الذين يفوق دخلهم 100 ألف دولار سنوياً، نظرا لكونهم يمثلون 75 في المئة من مجموع حرفائها.
لكن عددا متزايداً من الأميركيين، لازالوا يحبذون الحصول على منتجات ذات جودة عالية، بقطع النظر عن السعر، ما سيرفع رقم المعاملات للمحلات عالية القيمة، وهو ما يدفع المداخيل المتوقعة هذه السنة إلى 989 مليار دولار، ما يشكل ارتفاعا مقارنة بالسنة الفارطة حسب الأرقام التي نشرها الاتحاد الوطني لبائعي التجزئة الأميركيين.