باريس- قبل 9 سنوات، أعلنت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أن بلادها وأوروبا لديهما القدرة على منح اللجوء للأشخاص الذين يطلبونه، مانحة الأمل لمئات آلاف السوريين الباحثين عن ملجأ بعيدا عن الحرب.

لكن بعد مرور 24 ساعة فقط على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، كانت برلين أول من فتح الباب أمام قرار تجميد فحص طلبات اللجوء الجديدة وتلك التي لا تزال قيد المعالجة، بعد أن كانت الدولة المضيفة الرئيسية في الاتحاد الأوروبي بقرابة مليون لاجئ، لتحذو دول أخرى حذوها، بما في ذلك النمسا وإيطاليا والسويد والنرويج.

واستنكرت عدة منظمات حقوقية إجراءات هذه الحكومات التي سارعت لاتخاذ قرارات مستعجلة تضحّي بأمن السوريين في الخارج، في ظل الوضع الضبابي وغير المستقر الذي لا تزال تعيشه سوريا.

قرار متسرع

ودعا فيليبو غراندي رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى “الصبر واليقظة”. وأضاف، في بيان الاثنين الماضي، أن المفوضية “تأمل أن تتطور الأوضاع على الأرض بطريقة إيجابية، مما يسمح بالعودة الطوعية والآمنة والمستدامة في النهاية”.

من جانبها، وصفت مسؤولة الدفاع عن الهجرة في منظمة العفو الدولية ديان فوغلمان هذه الإجراءات بـ”المتسرعة”، معتبرة أن التركيز على أمن اللاجئين وكرامتهم لتجنب تعرضهم لمزيد من المخاطر يجب أن يكون الأولوية.

وأوضحت فوغلمان، للجزيرة نت، أن التغييرات التي تخضع لها ملفات اللجوء من حيث تقييم الطلبات، التي يفترض أن يتم تسجيلها مع مرور الوقت وفق اتفاقية جنيف (وهي النص الأساسي في قانون اللجوء)، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار ظروف البلاد التي تتطور بسرعة كبيرة.

وفي بيان صحفي، أكد المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية (إدارة مستقلة) أنه “يراقب الوضع في سوريا عن كثب”، دون أن يتخذ قرارا بتعليق معالجة الطلبات بشكل فوري، مذكرا بوجود حوالي 700 طلب لجوء من السوريين، بما فيها الطلبات المقدمة من القاصرين، وباستفادة حوالي 45 ألف شخص من وضع اللاجئ.

من جهته، اعتبر النائب الإيطالي في البرلمان الأوروبي في بروكسل براندو بينيفاي أن تعليق الطلبات “أمر منطقي لأن العديد من المتقدمين فروا من نظام الأسد الذي سقط الآن، لكن من غير المقبول استبعاد أي طلب لجوء أو فرض توقف تام لتدفقات أشخاص يحتاجون إلى الاعتراف بهم كلاجئين لأسباب مختلفة”.

ويقول للجزيرة نت إن الأمر المثير للدهشة هو سرعة القرارات والخطب السياسية التي تلت سقوط النظام لتبرير هذه القرارات الجديدة بشأن اللجوء في أوروبا.

انتهاك للقانون

وتلقى الاتحاد الأوروبي هذا العام 513 ألف طلب لجوء، تقدم السوريون بنسبة 14% من إجماليها بزيادة قدرها 7 نقاط مئوية مقارنة بعام 2013، فيما لا يزال نحو 101 ألف طلب لجوء سوري معلقا في دول الاتحاد، وفق تقرير منتصف العام الذي أصدرته وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء في سبتمبر/أيلول الماضي.

وبموجب القانون الدولي، فإن الدول ملزمة بالحكم بسرعة وكفاءة على طلبات اللجوء، ولا يمكن إعادة الأشخاص الذين هم في طور التقدم بهذا الطلب أو تم الاعتراف بهم كلاجئين مهما كانت الأسباب في بلدهم استنادا على المبدأ الأساسي لحق اللجوء، وهو مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي تحميه اتفاقية جنيف.

كما تنص الاتفاقية على “شرط التوقف” الذي يمكن تطبيقه “عندما تنتهي الظروف التي أدت إلى منح الحماية”. كما يحدد النص أنه يمكن سحب صفة اللاجئ “عندما يحدث تغيير جوهري في النظام السياسي للبلد الأصلي، وخاصة عندما يؤدي إلى إرساء الديمقراطية في البلاد”.

وبذلك، ترى مسؤولة الدفاع عن الهجرة فوغلمان أن محاولة إعادة اللاجئ السوري يعد انتهاكا للقانون الدولي ويجب اعتبار دعم الشعب السوري مسؤولية دولية، بما فيها مسؤولية فرنسا أيضا، من الناحية السياسية.

وألغت الدانمارك في عام 2021 تصاريح إقامة اللاجئين السوريين وحثتهم على العودة إلى بلد لا يزال في حالة حرب رغم مخاطر التعذيب والاضطهاد التي أصبحت واضحة اليوم منذ فَتح أبواب السجون. وفي عام 2022، حاولت المحافظات الفرنسية طرد شخصين من أراضيها وإعادتهما إلى سوريا، وهو ما ينتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية، وفق العفو الدولية.

وعند سؤالها عن ميثاق الهجرة الذي يُفترض تنفيذه بحلول منتصف عام 2026، أكدت فوغلمان أن العفو الدولية تستنكر خطة تنفيذ الميثاق لأنه لا يوفر أي حماية لحق اللجوء، مضيفة “هناك رغبة على مستوى الاتحاد الأوروبي في اتباع نغمة أكثر صرامة وتقييد عدد اللاجئين”.

في سياق متصل، يعتقد النائب الإيطالي بينيفاي أن العديد من الناس يريدون العودة إلى بلادهم التي فروا منها “لذا يتعين علينا دعم ذلك قدر الإمكان، ولكننا لا نستطيع إجبارهم على ذلك. نحن بحاجة إلى إيجاد توازن جيد وعقلاني بشأن هذا الأمر لتجنب الوقوع في إجراءات الإعادة القسرية وانتهاك حق اللجوء”.

اعتبارات سياسية

وفي ألمانيا، اقترح النائب عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ينس سبان “استئجار طائرات” و”منح مكافأة” لأولئك الذين يرغبون في العودة إلى دمشق.

وقالت زعيمة حزب “البديل من أجل ألمانيا” أليس فايدل “من الواضح أن أي شخص يحتفل بسوريا الحرة ليس لديه سبب للفرار ويجب أن يعود إليها على الفور”.

وفي فيينا، سلط مستشار النمسا كارل نيهامر الضوء على إعادة تقييم الوضع الأمني في سوريا لجعل عمليات الطرد ممكنة في المستقبل، فيما أعلن وزير الداخلية غيرهارد كارنر عن “برنامج إعادة وطرد إلى سوريا” للمواطنين الذين حصلوا بالفعل على اللجوء.

مرحلة جديدة في سوريا عقب إسقاط نظام بشار الأسد.. ما طبيعتها؟

وبرأي بينيفاي، ارتكبت الحكومة الإيطالية خطأ فادحا عندما فتحت سفارتها مع نظام الأسد قبل بضعة أسابيع فقط من سقوطه، قائلا “جعلت إيطاليا نفسها موضع سخرية من خلال إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية في الوقت الخطأ، واليوم تقوم بهذه البروباغندا على الأشخاص الذين هم بحاجة إلى أن يكونوا لاجئين”.

من ناحيتها، أشارت فوغلمان إلى أن التصريحات التي صدرت وفق اعتبارات سياسية مثيرة للقلق ليس فقط من حيث حماية وأمن وكرامة الشعب السوري، ولكن أيضا من حيث التضامن الذي كان غير كاف إلى حد كبير منذ عام 2011 حيث نفذت دول أوروبية عدة سياسات تقييدية لا ترحب باللاجئين السوريين.

وتابعت “يتعرض طالبو اللجوء إلى عدة صعوبات في أوروبا، لا يستطيعون الحصول على السكن ويتم الاحتفاظ بهم في المراكز أو المخيمات، وهي أوضاع محفوفة بالمخاطر. لذا، أنصحهم بالحصول على المشورة القانونية والدعم من جمعيات مثل العفو الدولية لأن القانون هو مفتاح هذه المشكلة نظرا لتنوع أسباب طلب اللجوء وضرورة دراسة كل طلب بشكل فردي”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version