القدس المحتلة- يبدأ قلق المقدسيين مما يسمى يوم “توحيد القدس” مبكرا كل عام مع انطلاق دعوات المتطرفين لتنفيذ اقتحام جماعي للأقصى، والتحضيرات الاستثنائية للشرطة الإسرائيلية لهذه المناسبة في القدس والتي تتخللها مسيرة الأعلام الإسرائيلية التي يشارك بها أكثر المستوطنين تطرفا، ويعتدون خلالها على المقدسيين وممتلكاتهم.

ويُعد هذا اليوم “عيدا وطنيا” لإحياء ذكرى سيطرة إسرائيل على ما تبقى من مدينة القدس، واحتلال الجزء الشرقي منها، وعلى وجه الخصوص البلدة القديمة والمسجد الأقصى، وذلك خلال حرب يونيو/حزيران عام 1967.

وفي ساعات صباح الأربعاء احتشد مئات المستوطنين عند باب المغاربة، أحد أبواب المسجد الأقصى، وأُغلق الباب بعد اقتحام نحو 1600 متطرف، مسجلين بذلك ارتفاعا بنسبة 22% عن عام 2023 الماضي الذي اقتحم المسجد خلاله 1262 مستوطنا في المناسبة ذاتها.

رقص وغناء بالأقصى

وفي ظل التضييق الشديد على دخول المصلين إلى أولى القبلتين، ومنع معظمهم من الوصول إليه، أُتيح للمستوطنين فرصة أداء كافة طقوسهم الاحتفالية والدينية الخاصة بهذا العيد داخل المسجد وخاصة في المنطقة الشرقية وبين بابي السلسلة والقطانين في الجدار الغربي، حيث تنتهي الجولات الاقتحامية.

رقص المستوطنون، وغنّوا “النشيد الوطني الإسرائيلي”، ورفعوا الأعلام ولوحوا فيها بشكل جماعي مرارا، وارتدى بعضهم قمصانا كُتب عليها “جبل الهيكل بأيدينا” ورُسمت على هذه القمصان يد تُحطم مصلى قبة الصخرة المشرفة، وأخرى ترفع “الهيكل” الذي تتمنى الجماعات المتطرفة بناءه مكان هذا المصلى.

وتعمّد المئات من المستوطنين اقتحام ساحات المسجد الأقصى حفاة الأقدام باعتباره “مقدسا يهوديا”، كما أقدم مستوطن ولأول مرة منذ عام 1967 على إدخال لفائف الصلاة السوداء (التيفلين بالعبرية) إلى المسجد، وتمت كافة هذه الانتهاكات بحماية كاملة من شرطة الاحتلال الإسرائيلية.

اعتداءات على المقدسيين

وفي محيط المسجد لم يسلم المقدسيون من الاعتداءات أثناء خروج المستوطنين من الأقصى، وتعمد هؤلاء إيذاء أهالي وتجار البلدة القديمة عبر شتمهم وترديد العبارات المعادية للعرب والاعتداء عليهم بالضرب والبصق.

وقالت المسنة المقدسية فاطمة خضر للجزيرة نت إن أكثر ما آلمها هذا العام هو عجزها عن الوصول للمسجد الأقصى، بسبب حالتها الصحية المتردية والناتجة عن اعتداءات قوات الاحتلال المتكررة عليها خلال السنوات الماضية وخاصة خلال يوم “توحيد القدس”.

وأضافت أنها تشعر “بقهر وإحباط عميقين في هذه المناسبة من كل عام، لأن فضاء القدس يُلوَّث بالأعلام الإسرائيلية، وساحات الأقصى تُدنس باقتحامات المستوطنين”.

المقدسيون سجناء منازلهم

وليست فاطمة وحدها التي تجد نفسها محاطة بكافة أشكال الظلم والقهر، بل إن نحو 40 ألف مقدسي يعيشون في البلدة القديمة يجدون أنفسهم حبيسي منازلهم قسرا، بسبب إغلاق كافة مداخل البلدة القديمة، وإجبار تجارها على إغلاق أبواب محالهم.

يقول أمين سر الغرفة التجارية الصناعية العربية في القدس حجازي الرشق، للجزيرة نت، إن 2100 محل تجاري في البلدة القديمة والشوارع التجارية المحيطة فيها يتأثر أصحابها ويضطرون لإغلاقها ليتسنى للمستوطنين الاحتفال والعربدة بهذه المناسبة التي يتشاءم المقدسيون قُبيل حلولها كل عام.

وأشار الرشق إلى أن احتفال الإسرائيليين بالذكرى الـ57 لاستكمال احتلال القدس تحلّ في ظل ظروف معيشية صعبة، بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة المستمرة منذ 8 أشهر.

وأضاف أنه “بمجرد إعلان الشرطة انتشار 3 آلاف عنصر من أفرادها في مدينة القدس لتأمين مسيرة الأعلام وطقوس المستوطنين الاحتفالية يعطي انطباعا للمقدسيين بعدم التوجه إلى البلدة القديمة ومحيطها تجنبا للاحتكاك مع الشرطة أو التعرض لاستفزازات المستوطنين”.

وتطرق الرشق إلى أن الاستفزازات التي تعرض لها تجار حي باب حطة في البلدة القديمة العام الماضي بهذه المناسبة، انتهت باعتقال التجار وإطلاق سراح المتطرفين الذي حطموا واجهات المحال التجارية وخرّبوا محتوياتها واعتدوا على أصحابها.

ويضطر كثير من التجار خاصة أولئك الذين تقع حوانيتهم في منطقة باب السلسلة وشارع الواد  وطريق المجاهدين بالبلدة القديمة لعدم فتح محالهم حتى في الفترة الصباحية قبل وصول مسيرة الأعلام، لأن المستوطنين يتجولون كمجموعات صغيرة، ويلوحون بالأعلام ويتعمدون خلال مرورهم تخريب ممتلكات الفلسطينيين.

وختم الرشق حديثه بالقول إن “القدس مدينة منكوبة اقتصاديا، ويزيد يوم توحيد القدس من هذه النكبة ويعمقها”.

شتم وبصق

ولأن “مسيرة رقصة الأعلام” تعتبر الاحتفالية الأبرز في هذا اليوم، وتنطلق سنويا من مكان التجمع المتفق عليه غربي القدس بعد تجمع عشرات آلاف المستوطنين، فإن باب العامود،  أحد أبرز أبواب البلدة القديمة، يعتبر مكان التجمع الأكبر لهم حيث تعمدوا هذا العام البصق على الصحفيين والتضييق عليهم والاعتداء على كل مقدسي صادفوه في محيط المكان.

ولم يغادر المتطرفون مدرجات هذا الباب التاريخي سوى بعد شتم العرب والنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وترديد عبارة “محمد مات” بشكل جماعي.

أُسدل الستار عن الاحتفال بهذا اليوم بعد الوصول إلى ساحة البراق مرورا بطريق الواد والحي الإسلامي في البلدة القديمة، لكن رحلة المقدسيين تبدأ صباح اليوم التالي في ترميم ما أعطبه المستوطنون بعد الاعتداء على ممتلكاتهم، كما سيفتح التجار أبواب محالهم متفائلين بمستقبل قريب تنجلي فيه غمامة الحرب السوداء، وتعود الحياة لمدينتهم وأسواقها من جديد.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version