لا تزال التساؤلات في موسكو حاضرة بشأن قدرة الرئيس، فلاديمير بوتين، على إحكام قبضته على البلاد عقب التمرد المسلح الذي شنه مرتزقة “فاغنر”. وطرحت صحيفة “نيويورك تايمز” تساؤلا بشأن صمود قبضة بوتين على السلطة أمام ضغوط خوض حرب طويلة ومكلفة بلا نهاية تلوح في الأفق عقب تمرد “فاغنر” القصير.

وبحسب الصحيفة، فإن قبضة بوتين على تحالف الشخصيات القوية التي تحيط بدائرة حكمه قد تكون أكثر هشاشة مما تبدو عليه.

في الوقت ذاته، اعتبرت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير لها أن التمرد “يهز ثقة النخب الروسية في قوة بوتين”.

وقال ملياردير روسي تحدث لصحيفة “واشنطن بوست” شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب مخاوف من الانتقام، “عندما يكون هناك قافلة من آلاف الأشخاص تسير ولا يمكن لأحد أن يوقفها، فإن فقدان السيطرة يكون واضحا”.

وخلال التمرد المسلح الذي استمر 24 ساعة ووصلت خلاله قوات “فاغنر” إلى بُعد أقل من 400 كيلومتر من موسكو، تحدى زعيم المجموعة شبه العسكرية، يفغيني بريغوجين، مباشرة سلطة الرئيس الروسي قبل أن يسحب رجاله ويغادر إلى بيلاروسيا المجاورة.

وقبل انسحابها، سيطرت قوات “فاغنر” على مقر قيادة الجيش الروسي في روستوف (جنوب غرب روسيا)، ومركز إدارة العمليات في أوكرانيا.

ويرى خبراء أن الحرب ضد أوكرانيا كانت سببا في تقويض قبضة بوتين على السلطة في روسيا بعد أن كان يعتمد على “السيلوفيكي”، وهي مجموعة من رجال أمن روس يحيطون بالرئيس، ومنهم من خدم في جهاز الاستخبارات السوفيتية “كي جي بي”.

وفي حديثها لصحيفة “نيويورك تايمز”، قالت إيريكا دي بروين، أستاذة العلوم السياسية في كلية هاميلتون ومؤلفة كتاب حديث عن الانقلابات، “يمكن أن تتوتر العلاقة بين الحكام الاستبداديين وجوهر أنصارهم من النخبة عندما يشن الحكام المستبدون حربا في الخارج، لا سيما عندما تنظر النخب إلى الصراع على أنه أمر مضلل”.

في وقت سابق الاثنين، قال بريغوجين في أول تسجيل صوتي له منذ إنهاء التمرد، إن هدفه من إرسال مقاتليه نحو موسكو كان إنقاذ مجموعته المهددة بالحل وليس الاستيلاء على السلطة.

كان رجل الأعمال الروسي المعروف باسم “طباخ بوتين” يكتسب شعبية من دخول قواته إلى الخطوط الأمامية بأوكرانيا الصيف الماضي وسط خسائر تكبدها الجيش النظامي، وفقا لصحيفة “نيويورك تايمز”.

الرئيس الروسي يعقد اجتماعا مع رؤساء الأجهزة الأمنية الروسية في موسكو

وكانت القوة المتزايدة لمرتزقة فاغنر بمثابة توازن للقوات المسلحة النظامية أيضا – وهي أداة إضافية يحمي بها بوتين سلطته.

ولكن الصراع بين زعيم “فاغنر” ووزير الدفاع الروسي خلق مشاكل للقيادة الروسية. وبدأ بريغوجين في انتقاد القوات النظامية علانية، بما في ذلك وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويعو.

وفي منشورات حملت ألفاظا نابية على مواقع التواصل الاجتماعي، اتهم بريغوجين، شويغو ورئيس الأركان العامة للجيش بالجبن والفساد وبإدخال الروس في مقصلة الذبح.

“البحث عن خليفة”

مع نمو متابعيه عبر الإنترنت، ازدادت جاذبية بريغوجين الشعبوية، مما منحه مستوى من الشهرة السياسية غير المسبوقة في البلاد.
لكن شويعو تحرك لتقليص سلطات “فاغنر” وقطع وصول زعيمها إلى السجون بهدف تجنيد المقاتلين، بحسب الصحيفة ذاتها.

وفي هذا الشهر، أمر شويعو مقاتلي “فاغنر” بتوقيع عقود مع الجيش بحلول يوليو – وهي خطوة كان من شأنها أن تفكك بشكل فعال استقلالية المجموعة الخاصة. 

وبعد إيقاف قواته، انتقل بريغوجين إلى بيلاروسيا، حيث يعتزم مواصلة تشغيل مجموعة المرتزقة الخاصة به والتي أسسها عام 2014 عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم.

في المقابل، أصر بوتين في خطابه على أن جميع الخطوات قد اتخذت بناء على أمره المباشر “لتجنب إراقة الدماء على نطاق واسع”. 

وأوضح أنه يجب إعطاء الوقت لـ “أولئك الذين ارتكبوا الخطأ” لكي “يدركوا أن أفعالهم قد تم رفضها بشكل حاسم من قبل المجتمع” وأن ما يفعلونه كان يؤدي إلى “عواقب مأساوية ومدمرة لروسيا”.

وقال رجل أعمال روسي لصحيفة “واشنطن بوست” تحدث أيضا دون الكشف عن هويته، إن هذه القضية يجب أن تكون “إرهابية”.

وأضاف: “كانت هذه جرائم خطيرة للغاية. ولكن مرة أخرى، لم يتم فعل أي شيء”.

ويمثل ما حدث في روسيا خلال الأيام الفائتة “بالنسبة للنخب مشكلة كبيرة” على اعتبار أن وجهة نظرهم تشير إلى أن “بوتين يبدو ضعيفا وظهر كشخص خائف اضطر إلى تقديم تنازلات”، حسبما قالت تاتيانا ستانوفايا، مؤسسة “آر بوليتيك”، وهي شركة استشارات سياسية روسية مقرها الآن في باريس.

وتابعت في حديثها لصحيفة “واشنطن بوست” أن “من وجهة نظر ذاتية، خرج بوتين من الموقف بنجاح لنفسه. كان البديل معركة دموية خطيرة في ضواحي موسكو، يمكن أن تكون أسوأ”.

وأضافت ستانوفايا أن تمرد بريغوزين “كشف الكثير من نقاط الضعف في النظام … سيتعامل بوتين مع هذا بجدية بالغة وسيحاول تغطية نقاط الضعف”.

لكن آخرين قالوا إن عقارب الساعة تدق بالفعل في حكم الرئيس الروسي بعد التمرد المسلح لمجموعة فاغنر المرتزقة. 

وقال مسؤول روسي مقرب من الدوائر الدبلوماسية العليا للبلاد – لم يكشف هم هويته – إن البعض في الكرملين أصبح “يبحث الآن عن خليفة” لبوتين.

وأشار المسؤول في حديثه لصحيفة “واشنطن بوست” إلى أن القوات المسلحة الأوكرانية كانت تستغل الفوضى في موسكو لإحراز تقدم في هجومها المضاد.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version