“نحسد على بضعة دولارات تصلنا شهرياً من الأمم المتحدة، بل نُتّهم بأن بقاءنا في لبنان سببه المساعدات التي نحصل عليها، لكن ليت اللبنانيين يعلمون أنني أحياناً كثيرة أنام وأولادي ببطون خاوية”.. بهذه الكلمات علّقت منى على خبر تعليق المساعدات النقدية للاجئين السوريين في لبنان بالعملتين المحلية والدولار للشهر المقبل.

تعيش منى، كما تشدد، على الاستدانة من دكان الحي الذي تسكنه في بلدة مجدل عنجر في البقاع، وهي من المستفيدين من المساعدة المالية التي تقدمها مفوضية شؤون اللاجئين، البالغة 25 دولارا للعائلة، وتقول “كيف لأحد أن يصدق أن هكذا مبلغا يكفي حتى فرد واحد، لذلك أتمنى أن تتضح الحقيقة بأن الصور التي ينشرها البعض على وسائل التواصل الاجتماعي لطوابير اللاجئين أمام أجهزة الصرف الآلية، هي من أجل سحب مبلغ لا يسمن ولا يغني من جوع”.

والسبت الماضي، أعلنت الأمم المتحدة في بيان أنه “نتيجة سلسلة لقاءات عقدت مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار، وبناءً على طلبهما، تمّ اتخاذ القرار بتعليق تقديم المساعدات النقدية بالعملتين (الليرة اللبنانية والدولار) للاجئين للشهر المقبل، في الوقت الذي تستمر فيه المناقشات بشأن الآليّة المناسبة الممكن إتباعها”.

وكان حجار أكد في مؤتمر صحفي رفض لبنان إعطاء اللاجئين السوريين المساعدات بالدولار، لأن “الشعب اللبناني رافض لهذا النزوح وهو يقارن بين المساعدات التي يحصل عليها النازحون والمساعدات البسيطة التي يحصلون عليها كلبنانيين”، مشيراً إلى أنه “تسلّمنا طلباً بدولرة المساعدات بحجة أن الـ ATM لا تتّسع للمبالغ بالليرة، ورفضنا إعطاء العائلة 40 دولاراً بناء على طلب المفوضيّة، كما رفضنا الدولرة لأنّنا نقوم بتحريك عجلة عودة النازحين وستزيد التوتر بين النازحين واللبنانيين في كل المناطق” مطالباً بدفع المساعدات في سوريا “من أجل تحفيزهم على العودة”.

وأضاف حجار “اليد ممدودة للعودة عن الخطأ، ولا نريد افتعال إشكال مع الأمم المتحدة لكن مدّ اليد لا يعني التخلي عن مسؤوليتنا وسيادتنا”، وفي حديث إعلامي شدد على أن “المصلحة القومية العليا للبنان تقتضي بأن لا يحصل النازح السوري على المساعدات المالية بالدولار التي يجب أن تكون مشروطة”، وأن “أعباء النزوح السوري تكلف الدولة اللبنانية 3 مليارات دولار سنوياً”.

على عكس ما اعتقد بعض اللاجئين السوريين أنهم لن يحصلوا على مساعدات مالية عن شهر يونيو، أوضحت الناطقة باسم مفوضية شؤون اللاجئين، دلال حرب، لموقع “الحرة” أنه وبناء على طلب الحكومة اللبنانية، تمّ تعليق قرار تقديم المساعدات النقدية للاجئين بالعملتين إما بالدولار أو بالعملة اللبنانية، غير أن اللاجئين سيستمرون بتلقي المساعدات النقدية من المفوضية والغذائية من برنامج الغذاء العالمي بالليرة اللبنانية فقط، إلى أن يتمّ التوافق على الآلية المناسب اتباعها”.

فرحة لم تكتمل

لم تطل فرحة اللاجئين بقرار استئناف الأمم المتحدة تقديم المساعدات النقدية بعملة مزدوجة، الصادر في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، وذلك بعد مشاورات مكثفة بين المنظمة الأممية و”النظراء المعنيين والرسميين في الحكومة اللبنانية والبنك المركزي خلال الأشهر الأخيرة”، بحسب ما جاء في بيان مشترك صادر عن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان، عمران ريزا، وممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إيفو فرايسن، وممثل برنامج الأغذية العالمي، عبدالله الوردات.

وذكر البيان حينها أنه “أصبح من المستحيل على الأمم المتحدة وشركائها الاستمرار في تقديم المساعدات النقدية بالليرة اللبنانية فقط، نظرا للتحديات التشغيلية – ومنها التدهور السريع في قيمة العملة المحلية والتقلبات المتزايدة في سعر الصرف، والضغط على المُزّود المالي في توفير كميات كبيرة من النقد بالليرة اللبنانية”، لكن بعد المؤتمر الصحفي لوزير الشؤون الاجتماعية تم تعليق القرار.

ولفت البيان إلى أنه في حلول نهاية عام 2022، تم تحويل معظم برامج المساعدات في لبنان، بما في ذلك البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا التابع للحكومة، إلى الدولار الأميركي أو بالعملة المزدوجة، وأن اعتماد المساعدات للاجئين بالعملة المزدوجة يتماشى مع هذا النهج.

وتشدد حرب على أن “أولوية الأمم المتحدة ورسالتها الإنسانية هي الوقوف إلى جانب الأكثر ضعفاً، بمن فيهم اللاجئون، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي يعاني منها كلّ من اللبنانيين واللاجئين”، وأشارت إلى أنه “ليس كلّ اللاجئين يتلقون المساعدات. عدد من العائلات اللاجئة الأكثر ضعفاً تحصل على المساعدتين المالية والغذائية معاً، فيما تحصل عائلات أخرى على مساعدة واحدة من الاثنتين”.

قبل الأزمة الاقتصادية، أي “حين كان سعر صرف الدولار 1500 ليرة، كانت قيمة المساعدة المالية التي تقدمها مفوضية اللاجئين 173.5 دولار للعائلة أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية” كما يقول الناشط الاجتماعي، الشيخ عبدالناصر العسلي، لموقع “الحرة”، أما الآن “يحصل اللاجئ على مليونين ونصف المليون ليرة، أي نحو 25 دولارا”.

كذلك الحال كما يقول العسلي فيما يتعلق بالمساعدة التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي، حيث “كان اللاجئ يحصل قبل الأزمة على 27 دولارا ليتراجع المبلغ إلى مليون ومئة ألف ليرة أي حوالي 11 دولارا، أما الشهر الجاري فحصل كل فرد على 20 دولارا”، مشدداً على أنه لديه واللاجئين شكوك بأنه يتم اقتطاع جزءاً كبيراً من المبالغ التي تصلهم، وهذا ما نفته المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في لبنان، رشا أبو ضرغام، في اتصال مع موقع “الحرة”.

لكن الرسائل النصية التي وصلت للمستفيدين من المساعدات الغذائية للشهر الجاري أشارت إلى أنه “من أجل دعم الأسر للحفاظ على قيمة مساعداتها، اعتباراً من مايو، تم تحميل قيمة المساعدات الغذائية والمالية الشهرية من برنامج الأغذية العالمي بالدولار الأميركي”.. كما تضمنت أنه “تمّ تعبئة بطاقتكم بـ 20 دولارا أميركيا للفرد حتى خمسة أفراد للأسرة الواحدة، وبأنه بإمكانهم سحب المساعدة بالليرة اللبنانية أو الدولار الأميركي”. 

يشدد العسلي على أن “هذه المساعدات هي في الأصل أمانة ولا يحق للمصارف أو غيرها تبديلها، وحتى إن كانت ستعطى بالليرة اللبنانية فالمطلوب أن تؤدى الأمانة بقيمتها، إذ من حق اللاجئ أن يتقاضى الأموال التي أودعت باسمه كاملة”.

نعيم “وهمي”

يستفيد اللاجئ “أبو خالد” من برنامجي المساعدات المالية والغذائية، وكونه لديه ثلاثة أولاد قبض، أمس الاثنين، 125 دولار، ويقول “في السابق كنت أحصل على مليون ومئة ألف ليرة، وبعدما سمح لنا بسحب المبلغ بالدولار شعرت بفارق كبير، إذ حصلت على 20 دولارا عن كل فرد أي ما يعادل نحو مليوني ألف ليرة”، ويضيف في حديث لموقع “الحرة” أنه بعدما سمع خبر تعليق الأمم المتحدة لمساعداتها النقدية بالعملتين اعتقد أنه لن يحصل على أي مبلغ، وهو الذي يستند على المساعدات لتأمين قوت يوم عائلته، فراتبه من سكان المبنى الذي يعمل فيه كناطور لا يتعدى المليون ليرة، أي نحو 10 دولارات.

أما منى فاعتادت من أجل تأمين الحد الأدنى من قوت عائلتها الاستدانة من الدكان المقابل لمنزلها، وتشير إلى أنه “في الفترة الأخيرة بدأت أخجل من مراكمة الدين أكثر، والليلة الماضية رقدت وأولادي من دون طعام لكوني لا أملك ثمن ربطة خبز، كما أن أبنائي بدأوا يتأففون من أكل الزعتر، لكن ما باليد حيلة، وما يحزنني أكثر أن المسؤولين اللبنانيين يشنون حرباً إعلامية علينا ويعملون كل ما في وسعهم لإعادتنا إلى بلدنا، من دون أن يعوا أنه نتمنى قبلهم العودة لكن الأمر خارج عن إرادتنا”.

رغم الأوضاع الصعبة التي تعيشها منى وأولادها إلا أن عودتها إلى بلدها “مستحيلة” كونها، كما تقول “لدي طفلان يحملان الجنسية اللبنانية، ولن يقبل طليقي أن أصحبهما معي إلى سوريا، ومن المستحيل أن أبتعد عنهما، لذلك أفضل أن أتحمّل وإياهما وشقيقتهما من زوجي الأول كل المآسي والفقر المدقع على أن أنسلخ عمن رآهما قلبي قبل عينيّ”.

كذلك يخشى “أبو خالد” من أن يجبر على العودة إلى بلده، لا سيما وأن منزله في الرقة أصبح ركاماً، عدا عن سيطرة الأكراد على بلدته كما يقول، وفي لبنان يشعر أنه في سجن كبير، حيث يعجز عن العمل خارج المبنى الذي يحرسه، ونتيجة ارتفاع الأسعار بصورة خيالية، اضطرت زوجته للعمل في تنظيف المنازل، إذ كما يقول “كيلو الفواكه والخضار أصبح بمئات آلاف الليرات، والحبوب هي الأخرى غالية الثمن، لذلك أعتبر أن كل يوم يمر من دون أن ينام فيه أولادي جياعا بمثابة انتصار لي”.

من جانبه، يخصص أحمد، اللاجئ في مخيم عرسال، المبلغ المالي الذي يصله من المساعدات لشراء الخبز وبضعة كيلوغرامات من الحبوب، ومثل منى، كان يعتقد أنه لن يحصل على مساعدة في شهر يونيو، لافتاً إلى أنه ” في 25 من الشهر الجاري بدأت تصل الرسائل النصية على هواتف اللاجئين إشعاراً بإمكانية سحب مخصصاتهم من أجهزة الصراف الآلي، هذا التأخير بالدفع تسبب بعدم مقدرة عائلات كثيرة في المخيم على تأمين ربطة خبز، فالعدد الأكبر من اللاجئين عاطلين عن العمل ويستندون بشكل أساسي على هذه المساعدات”.

ارتفاع الأسعار وانتشار البطالة أجبر اللاجئين بحسب أحمد، على التقشف إلى أقصى درجة، “فهم لا يعيشون في نعيم كما يحاول المسؤولون اللبنانيون تصوير الأمر، ومنهم محافظ مدينة بعلبك الهرمل في البقاع، بشير خضر، الذي سبق أن أشار إلى أن راتبه أقل مما يحصل عليه اللاجئ رغم إنه في أعلى وظيفة إدارية في الدولة، وكذلك وزير الشؤون الاجتماعية الذي قال في حديث إعلامي إن على النازح أن يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية ولا يفوق راتب المدير اللبناني، بل ما يكفيه ليؤمن الحاجات الأساسية فهناك عائلات لبنانية لا تدخل الـ20 دولارا في الشهر”.

“سلاح متأهب”

التصويب على المساعدات التي يحصل عليها اللاجئون سلاح إضافي يلجأ إليه المسؤولون اللبنانيون في “حربهم” لترحيل اللاجئين السوريين التي بدأوها منذ فترة، كما يقول العسلي وذلك “على الرغم من أن الجميع يعلم أنه من بين اللاجئين أرامل وأيتام ومعوّقين ومصابو حرب وبينهم أيضاً لاجئون سياسيون ربما لا يستطيعون العمل لأنه ليس بحوزتهم أوراق رسمية للتنقل من مكان إلى آخر، وأحياناً يتعذر عليهم تصحيح أوضاعهم لعدة أمور على رأسها خوفهم من أن يجري ترحيلهم”.

وكان الجيش اللبناني بدأ في الخامس والعشرين من الشهر الماضي حملة أمنية على مساكن اللاجئين على امتداد الأراضي اللبنانية، حيث داهمت عناصره منازلهم واعتقلت المئات منهم، وذلك تطبيقاً لقرار المجلس الأعلى للدفاع الصادر في الرابع والعشرين من سبتمبر 2019 حول ترحيل الذين يدخلون منهم لبنان عبر المعابر الحدودية غير الشرعية وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية.

المشكلة الأكبر بحسب العسلي أن “الأمن اللبناني لا يسأل المرحّلين فيما إن كانوا مطلوبين للنظام السوري من عدمه، يرسلهم إلى الحدود ليجدوا أنفسهم أمام خيارين، إما العودة إلى لبنان عن طريق المهربين أو دخول سوريا والوقوع بين يديّ النظام، حينها يجبر بعضهم على الخدمة الإلزامية ومنهم من يكون السجن مصيره وما يستتبع ذلك من تصفيتهم معنوياً أو جسدياً أو انقطاع كل خبر عنهم”.

يختم الناشط الاجتماعي مشدداً على أن “الأموال التي تصل إلى اللاجئين ليست شراً على لبنان، بل على العكس، كلها تصرف في هذا البلد، ورغم ذلك يحاربون ويحسدون وتتردد على مسامعهم أن اللبناني أحق منهم بهذه الأموال، فهل يريد المسؤولون اللبنانيون أن يعاني بلدهم من حرب واضطرار اللبنانيين إلى الوقوف في طوابير للحصول على مبلغ زهيد كما فرض على اللاجئين السوريين”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version