تعيش مدينة صفاقس بتونس، منذ أيام على وقع صدامات واشتباكات عنيفة بين السكان ومهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، زادت حدتها ليلة الثلاثاء الأربعاء، في أعقاب مصرع مواطن تونسي، وتدخل السلطات الأمنية لترحيل آلاف المهاجرين من المدينة.

وتعرف صفاقس خلال الأيام الماضية، مواجهات بين مهاجرين وسكان أحياء المدينة التي تشكل نقطة انطلاق رئيسية للهجرة من تونس نحو السواحل الأوروبية، والتي يحتج سكانها، منذ أسابيع، على ارتفاع أعداد المهاجرين.

وتصاعدت وتيرة الاشتباكات والعنف، خلال اليومين الماضيين، بعد مقتل مواطن يبلغ من العمر 41 سنة، طعنا بآلة حادة في مواجهات بين سكان أحد أحياء المدينة ومهاجرين، حسبما نقلت وسائل إعلام محلية.

وتجمّع مئات السكان، مساء الثلاثاء، للمطالبة  بإجلاء جميع المهاجرين غير النظاميين من المدينة، والتنديد بـ”تجاوزات المهاجرين وتهديدهم لأمنهم وسلامتهم”، فيما يشتكي المهاجرون من “تزايد خطابات التحريض والمضايقات العنصرية”، خلال الفترة الأخيرة.

“وضع خطير”

الناشط الحقوقي الصفاقسي، حمة حمادي، يوضح أن الوضع بالمدينة “خطير جدا”، حيث تصاعد العنف خلال الأيام الأخيرة حتى بات يهدد “السلم الاجتماعي” بالمنطقة، لافتا إلى “تصاعد خطابات التحريض ضد المهاجرين بالمدينة في الآونة الأخيرة”.

ويضيف حمادي في تصريح لموقع “الحرة”، أن السلطات تدخلت بعد أن وصلت الأوضاع إلى “مستويات غير مسبوقة من الاحتقان والغضب”، مشيرا إلى أن “المعاملة التي يتعرض لها المهاجرون بصفاقس، لا ترقى إلى الحد الأدنى للحقوق الكونية للهجرة واللجوء”. 

من جانبه، يشير الكاتب الصحفي التونسي، طارق السعيدي إلى أن “التشنجات” بين مهاجرين وسكان محليين بصفاقس، تفاقمت خلال الأيام الأخيرة إلى “أعمال عنف شبه يومية”، موضحا أن “غالبية السكان يرفضون المهاجرين المقيمين بشكل غير قانوني، والذين يتجمعون في إطار مجموعات ويمارسون أعمال عنف وشغب”.

ويلفت السعيدي في حديثه لموقع الحرة، إلى أن “حالة العنف بالمدينة تسببت في استياء شعبي عارم”، موضحا أن “هناك وعيا بين السكان بظروف المهاجرين الصعبة، خاصة الفارين من مناطق نزاع، لكنهم أيضا يرفضون بعض السلوكات الإجرامية التي تهدد أمنهم”.

“نتيجة حتمية”

ويتخذ آلاف المهاجرين القادمين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء من مدينة صفاقس الساحلية مستقرا لهم، باعتبارها نقطة انطلاق رئيسية لرحلات الهجرة نحو السواحل الإيطالية، وبالمقابل يخرج سكان المدينة بانتظام، في احتجاجات للمطالبة بترحيلهم.

وتحمّل فعاليات حقوقية تصاعد العنف ضد المهاجرين بالبلاد إلى التصريحات التي أدلى بها الرئيس التونسي، قيس سعيد، شهر فبراير الماضي، والتي انتقد فيها وصول “جحافل من المهاجرين غير القانونيين” إلى البلاد من دول إفريقيا جنوب الصحراء، واصفا ذلك بـ”محاولات تغيير التركيبة الديموغرافية” للبلاد.

في هذا الجانب، يرى الخبير في قضايا الهجرة، مجدي الكرباعي، أن الصدامات العنيفة “نتاج حتمي للخطاب العنصري والتحريض المستمر ضد المهاجرين”، ويلفت إلى أن الأوضاع الأخيرة “تجاوزت ما يمكن تسميته بالعنصرية، بل وصلت الأمور إلى مستوى وحشي غير مسبوق، يظهر الوجه اللاإنساني لعدد من التونسيين”.

ويبرز الخبير التونسي في تصريحه لـ”الحرة”، أن المهاجرين عاشوا بالمدينة على وقع “حملات ترهيب واعتداءات ومداهمات”، وذلك في “غياب غير بريء، للسلطات الأمنية التي انسحبت وتركت الأوضاع تصل إلى ما وصلت إليه”.

وعن أسباب توالي حالات العنف بين المهاجرين وسكان هذه المدينة تحديدا، يلفت الكرباعي إلى “النشاط الكبير لشبكات الاتجار في البشر في المدينة، التي تعمل تحت حماية جهات من أجل ابتزاز أوروبا بورقة الهجرة”، غير أنه يشير إلى أن “ارتفاع المهاجرين بالمدينة لا يبرر بأي شكل من الأشكال مهاجمتهم أو الاعتداء عليهم”.

من جهته، يرى الناشط الحقوقي، حمة حمادي أن “الموقع الجغرافي للمدينة القريب من الحدود الليبية الجزائرية، يجعلها وجهة لعدد من المهاجرين القادمين من هذه الدول”، إضافة إلى كونها محطة عبور رئيسية تنطلق منها القوارب المتجهة نحو السواحل الأوروبية.

كما يلفت المتحدث ذاته إلى انتشار خطاب “عنصري تحريضي بين بعض سكان المدينة”، مشيرا إلى أن “هذه الخطابات وصلت إلى مستوى غير مسبوق، وأصبح يتبناها أيضا من يدعي أنه ناشط مدني أو حقوقي”.

“حملات ترحيل”

وأمام التطورات الأخيرة، أطلقت السلطات التونسية، الأربعاء، حملة توقيفات وترحيلات واسعة، استهدفت مئات المهاجرين غير القانونيين المستقرين بالمدينة، حسبما كشفته السلطات وتقارير إعلامية.

وأكّد المتحدث باسم محكمة صفاقس الأولى، فوزي المصمودي، لموفد “الحرة” بتونس، بأنه “هناك تدخلات أمنية و معالجات قضائية لكل الوضعيات”، مضيفا “صحيح هناك تحاوزات واعتداءات على أجانب، لكنها حالات فردية”.

وتابع المسؤول القضائي التونسي، أن “كل تصرف يمس بكرامة الإنسان وحقوقه سيقع التعامل معه بالقانون وكل من يخاف القانون سيكون محل تتبع”.

وأبرز  أن  “حالة الاحتقان كانت وليدة تفاقم عدد المهاجرين”، مشيرا إلى أن “التدخلات الأمنية والمتابعة الفضائية ستحول دون أي توترات جديدة”.

مصير المرحلين

من جانبه، كشف المتحدث باسم منظمة “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، رمضان بن عمر، إنّ الشرطة نقلت العديد من المهاجرين إلى مبنى “معرض صفاقس” في انتظار نقلهم إلى مكان آخر. 

ونُقل مهاجرون آخرون إلى منطقة قريبة من الحدود الليبية، بحسب ما نقلته فرانس برس عن بنعمر، الذي لم يتمكن من تحديد العدد الإجمالي للمهاجرين الذين رحّلوا من صفاقس.

ويبرز الصحفي بجريدة “الشعب” التونسية، طارق السعيدي، أن وزارة الداخلية أوفدت إلى المدينة، الأربعاء، قيادات أمنية رفيعة من أجل متابعة الأوضاع الميدانية، مؤكدا أيضا “إيقاف عشرات المهاجرين والشروع في عمليات ترحيل المئات عبر حافلات وفي قطارات نحو مدن أخرى”.

وعن مصير المهاجرين المرحلين من المدينة، يقول الحقوقي التونسي، حمة حمادي إن “هناك تعتيما كبيرا حول الموضوع”، وبالتالي “تغيب المعلومات والمعطيات عن مآلهم ومآل الأشخاص المعتقلين على خلفية الأحداث الأخيرة”.

من جانبه، يقول مجدي الكرباعي، إن السلطات “ستروج في تبريرها لحملات الترحيل غير الإنسانية ولا القانونية، لخطابات إجلاء المهاجرين لحمايتهم من اعتداءات السكان، غير أن الصحيح هو أنها من بدأت المشكل، وتحاول اليوم إنهاءه بأي طريقة بعد أن بدأ يخرج من بين أيديها”.

وفي أعقاب حادثة مقتل المواطن التونسي في الاشتباكات، عقد قيس سعيد، الثلاثاء، اجتماعا مع وزير الداخلية، وعدد من القيادات الأمنية، تناول الوضع بمدينة صفاقس.

وأكد سعيد، في بيان، أن تونس “دولة لا تقبل بأن يقيم على أرضها، إلا وفق قوانينها، كما لا تقبل بأن تكون منطقة عبور أو أرضا لتوطين الوافدين عليها من عدد من الدول الأفريقية، ولا تقبل، أيضا، أن تكون حارسة إلا لحدودها”.

وأضاف سعيد أن هناك “شبكات إجرامية محمول على الدولة التونسية تفكيكها، وأن هناك عديد القرائن الدالة كلها على أن هذا الوضع غير طبيعي”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version