بيروت- تصاعدت المواجهات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل على جبهة الجنوب اللبناني المفتوحة على مصراعيها منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ويتبادل الطرفان القصف والاستهداف، مما يطرح التساؤلات حول احتمال اندلاع حرب شاملة أو إمكانية احتواء التصعيد، وسط تزايد المخاوف من تداعيات إقليمية محتملة.

في الأسابيع الماضية وحتى اليوم، تشهد الحدود اللبنانية – الفلسطينية المحتلة عمليات عسكرية متبادلة مع تهديدات إسرائيلية بشن حرب برية على لبنان لتغيير الوضع في الشمال وإعادة المستوطنين النازحين من المستعمرات، والذين يفوق عددهم 130 ألفا، رغم التحذيرات الإقليمية والدولية من انفجار الموقف وخروجه عن السيطرة.

وقد جاءت تصريحات الطاقمين السياسي والعسكري الإسرائيليين في هذا الاتجاه، إذ أكد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أنه “أعطى الجيش أوامر للاستعداد لتغيير الوضع في الشمال”. بينما قال وزير الحرب يوآف غالانت إن “الجيش بدأ نقل ثقله نحو الشمال، مع اقتراب تحقيق الأهداف في الجنوب”.

الطريقة الوحيدة

وأعلن العضو السابق في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، خلال لقائه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن “الوقت حان كي تتعامل إسرائيل مع الوضع في شمال البلاد في مواجهة حزب الله”.

واللافت في تصريحات الطاقمين ليس فقط أنها جاءت موحدة ونقطة تلاقٍ بين الموالاة والمعارضة الإسرائيلية، بل أنها تزامنت مع تعثر جهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، بوساطة أميركية وقطرية ومصرية، والتي يراها حزب الله الطريقة الوحيدة -حال نجاحها- لتحقيق الاستقرار على جبهة الجنوب، التي يعتبرها “جبهة إسناد”.

في سياق متصل، أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن الحكومة تعتزم إقرار المصادقة على إعادة سكان البلدات الحدودية في شمال إسرائيل إلى منازلهم كأحد أهداف الحرب الحالية، على أن يُتخذ القرار في الجلسة المقبلة للمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية.

ومع خطورة الوضع في المرحلة المقبلة، نقل موقع “أكسيوس” عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين أن آموس هوكشتاين كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن سيصل إلى إسرائيل الاثنين المقبل لمناقشة التوترات مع لبنان، معربين عن قلقهم من تصاعد لهجة إسرائيل تجاه احتمالات نشوب حرب.

في المقابل، رفع حزب الله من وتيرة عملياته العسكرية كمًّا ونوعًا، وأضاف عددا جديدا من المستوطنات إلى بنك أهدافه ردا على الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين. كما زاد من عدد الصواريخ المستخدمة، في إشارة واضحة إلى استعداده لأي عدوان والانتقال من مرحلة الإسناد إلى المواجهة المفتوحة والهجوم.

ويقول الخبير العسكري والإستراتيجي العميد منير شحادة -للجزيرة نت- إن عدد النازحين الإسرائيليين من المستعمرات الشمالية تجاوز 130 ألفا، مما يشكل ضغوطا كبيرة على الحكومة الإسرائيلية.

وأضاف أنه في الفترات الماضية، عقد رؤساء المستوطنات سلسلة من الاجتماعات ووجهوا رسائل للحكومة طالبوا فيها بالانفصال، وهو ما يُعتبر “تحركات رمزية تعكس عمق المأزق الإسرائيلي وسخط المستوطنين الذين يشعرون بالتجاهل الكامل لأوضاعهم، بعد مرور نحو 11 شهرا على مغادرتهم منازلهم وسط خسائر بشرية ومادية”.

وبرأيه، يتزايد الضغط الناتج عن النزوح مع اقتراب موسم المدارس، في ظل غياب تعليمات واضحة حول كيفية التعامل مع هذا الوضع. وأشار إلى تقارير تفيد بأن 40% من المستوطنين قد لا يعودون إلى مستوطناتهم حتى إذا توقفت الحرب، وأن بعضهم غادر إلى خارج إسرائيل.

زيارة تهويل

وأكد العميد شحادة أن الهدف الرئيسي لإسرائيل هو إعادة المستوطنين إلى المستعمرات الشمالية بشرط إبعاد المقاومة عن الحدود الجنوبية لمسافة 10 كيلومترات، وهو شرط غير قابل للتنفيذ منطقيا وعسكريا لأن المقاومة تتكون أساسا من أبناء القرى الحدودية في الجنوب الذين لديهم روابط قوية عقائدية وإستراتيجية بالمنطقة، لذا “فإن إبعادهم عن جنوب نهر الليطاني غير ممكن”.

ووفق الخبير العسكري، جاءت زيارة هوكشتاين إلى المنطقة نتيجة التصريحات الإسرائيلية الكثيرة بشأن الجبهة الشمالية، التي تثير احتمالات حرب واسعة لا ترغب الولايات المتحدة في حدوثها. لذلك تهدف إلى ممارسة الضغط على إسرائيل وعلى لبنان لقبول شروطها، والتي تشمل إبعاد المقاومة، و”هو ما يبدو غير قابل للتحقيق”.

وأشار شحادة إلى أن حركة المبعوثين الدوليين إلى بيروت لم تتوقف منذ بداية الحرب على غزة ولبنان، محملين برسائل ترغيب وترهيب، إلا أنه “لم يحدث شيء ملموس”، خاصة بعد الهجمات التي شنتها المقاومة على قاعدة عسكرية ومبنى الوحدة 8200 على بعد كيلومتر ونصف من تل أبيب وعلى عمق 110 كيلومترات من لبنان، وقد أصابتها بـ6 طائرات انقضاضية، مما أدى إلى استقالة قيادات هذه الوحدة منذ أيام.

وأضاف أن المقاومة استخدمت بعض صواريخ الكاتيوشا، وأطلقت 340 صاروخا، وأرسلت أسرابا من الطائرات الانقضاضية من شمال الليطاني والبقاع، وتمكنت من إصابة الهدف المحدد. وهذه الضربة -حسب شحادة- شكلت ضربة معنوية وكسرا لقواعد الردع، وجعلت إسرائيل ترتدع عن القيام بأي عمل عسكري. لذلك، “توجهت صوب الضفة الغربية تعويضا عن جبهة لبنان”.

وتوقع أن يستمر الوضع في غزة والضفة وجنوب لبنان كما هو حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، موضحا أن نتنياهو يتوقع فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، مما قد يعزز دعمه لخطواته المقبلة.

ووفقا له، يواجه نتنياهو خلافات مع المؤسسة العسكرية بشأن إستراتيجياته، واستخدم وثائق مزورة، مما دفع هذه المؤسسة لفتح تحقيق تحت عنوان “أنت كذاب”. وقال إن جيش الاحتلال “غير جاهز للقيام بأي عمل عسكري في لبنان”.

مئات الصواريخ وعشرات المسيرات.. كل ما تريد معرفته عن رد حزب الله وأبرز المواقع التي استهدفها

سياسة العصا والجزرة

من جانبه، أوضح مدير مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير هادي قبيسي أن نتنياهو يتعرض لضغوط متزايدة من نازحي الجليل. وأضاف -للجزيرة نت- أن بعض قيادات المعارضة الإسرائيلية استغلت هذه الضغوط، مما أدى إلى تلاقي مطالبها مع خطاب “اليمين المتطرف” الذي يدعو إلى التصعيد ضد لبنان، مما زاد من الضغوط على نتنياهو من جميع الأطراف.

وبرأي قبيسي، فإن نتنياهو، وفي ظل الجمود والإخفاقات في غزة، بحاجة إلى فتح ملف جديد لاستعادة المبادرة السياسية وتنشيط الزخم. ولذلك، بدأ في الاستجابة لمطالب متنوعة تشمل إدراج إعادة سكان الشمال ضمن أهداف الحرب.

ورغم سعيه لتحقيق هذا الهدف، يضيف، لا يزال قرار إعادة السكان بالقوة قيد النقاش مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وقيادة الأركان، بالإضافة إلى التنسيق مع الجانب الأميركي بسبب تعقيدات المواجهة المحتملة مع حزب الله.

وأوضح الباحث قبيسي أن نتائج العمليات العسكرية المستمرة منذ أكثر من 10 أشهر في غزة أظهرت صعوبة القضاء على المقاومة أو الحصول على موقف واضح من سكان القطاع، “رغم ضعف قدرة المقاومة على استهداف الجبهة الداخلية الإسرائيلية وافتقارها للأسلحة الفعالة في المواجهات البرية المباشرة”، حسب تقديره.

وتوقع أن المرحلة المقبلة ستشهد تصعيدا عسكريا وسياسيا من قبل “الكيان المؤقت”، ومحاولات دبلوماسية أميركية تتبع السياسة التقليدية المتمثلة في “العصا الإسرائيلية والجزرة الأميركية”، بهدف تحقيق تراجع أو تليين الموقف اللبناني ضمن المسار التصاعدي نحو الحرب.

وأضاف قبيسي أن هناك محاولة لتحقيق نتائج دون الانزلاق إلى مغامرة عسكرية في لبنان، كما تسرَّب من تصريحات غالانت في الأسابيع الأخيرة.

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version