باريس- أغلقت “النيابة العامة الوطنية الفرنسية لمكافحة الإرهاب” قضية الشكوى المرفوعة “ضد مجهول” للمطالبة بالتحقيق المفصّل مع جندي فرنسي إسرائيلي “دون اتخاذ أي إجراء آخر” بسبب “عدم كفاية الأدلة”.

يأتي ذلك عقب تقديم حركة “30 مارس” وجمعية الفلسطينيين في فرنسا ومنظمة “عدالة وحقوق بلا حدود” شكوى إلى مكتب المدعي العام في باريس بأبريل/نيسان الماضي، تتهم فيها الجندي الذي يدعى يونيل أونونا، بارتكابه “جرائم تعذيب وهمجية” خلال عملية قام بها جيش الاحتلال في غزة.

ويرى الفريق القانوني الذي يرأسه المحامي الفرنسي جيل دوفير، أن قرار النيابة “مفاجئ” و”سياسي” لأن مقطع الفيديو الذي انتشر على منصات التواصل الاجتماعي في 19 مارس/آذار الماضي يعد دليلا كافيا لإثبات ارتكاب جريمة التعذيب من قبل الجندي المزدوج الجنسية ويستدعي فتح التحقيق.

جدل في فرنسا بسبب ارتكاب جندي إسرائيلي فرنسي أعمال وحشية في غزة

قرار سياسي

وجاء في قرار مقتضب للنيابة ـ حصلت الجزيرة نت على نسخة منه- أنه “في نهاية فحص هذا الإجراء، تبدو الوقائع التي تم التنديد بها غير موصوفة بشكل كافٍ، والعناصر المقدمة لدعم الشكوى ليست كافية لإثبات وجود أعمال تواطؤ مادية محتملة”.

وتعقيبا على ذلك، وصف المحامي دوفير القرار بأنه “أسوأ من رسم كاريكاتيري”، مضيفا “نعلم أن مكتب المدعي العام ليس مستقلا في فرنسا ويقع تحت إمرة السلطة السياسية، لذا فإن الأمر متروك لهم لتحمل المسؤولية عن مثل هذا القرار الصادم وغير العادل في سياق يُرتكب فيه التعذيب على نطاق واسع في قطاع غزة ونرى ذلك يوميا على قناة الجزيرة”.

وأشار الخبير في القانون الدولي -في حديث للجزيرة نت- إلى وجود “إرادة سياسية واضحة” لحماية المعتدي الإسرائيلي وتوجه ثابت من الدبلوماسية والسلطات الفرنسية التي لم تتخذ أي موقف بشأن الإبادة الجماعية منذ أكثر من 11 شهرا، مؤكدا أن “الخاسر الأكبر هو العدالة في فرنسا”.

من جانبها، أكدت المحامية لوسي سيمون من الفريق القانوني أن الشكوى كانت مبنية على أسس جيدة ومدعّمة بوثائق كثيرة تكفي لفتح التحقيق. وقالت “لا نتحدث في هذه المرحلة عن محاكمة أو إدانة، لكننا نعي جيدا الطبيعة المشتعلة والسياسية لهذا النوع من الأمور لذا نتعامل اليوم مع مسألة سياسية أكثر منها قانونية”.

وتعتقد سيمون في حديثها للجزيرة نت، أن النيابة كانت تود الحصول على هوية الضحية، إلا أنه بصفتهم مركزا لمكافحة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، تقع على عاتقهم مسؤولية البحث عن هذه الأدلة، على حد تعبيرها.

ونظرا لكفاية الدليل الذي يتضمن العبارات التي تلفظ بها الجندي وتدينه بشكل لا يدع مجالا للشك، يعتبر المحامي عبد المجيد مراري أن قرار النيابة “إهانة للقانون الفرنسي بسبب ترجيح كفة الاعتبارات السياسية على كفة العدالة”.

واستنكر في حديثه للجزيرة نت “ازدواجية المعايير” لأن “النيابة لم تتعامل بنفس الطريقة مع قضية الرئيس السوري بشار الأسد على سبيل المثال، إذ اجتهدت في الملف وقبلته كاملا وفتحت التحقيق”.

متظاهرون في باريس يرفعون علم فلسطين ويطالبون بوقف الحرب على غزة (رويترز)

إستراتيجية التهرب

يُذكر أن ما يزيد عن 4 آلاف جندي يحملون الجنسيتين الفرنسية والإسرائيلية انضموا للقتال إلى جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتعتبر الفرنسية الجنسية الأجنبية الثانية الأكثر تمثيلا في صفوف جيش الاحتلال بعد الجنسية الأميركية.

ولأن قرار النيابة الفرنسية جاء مختصرا للغاية ولم يقدم توصيفا كافيا يبرر سبب الرفض، يفسّر المحامي مراري، المُلم بتفاصيل القضية، ذلك بأنها “لم ترغب في بذل الجهود لفحص الأدلة أو فتح تحقيق سيقود بالتأكيد إلى متابعات أخرى، خاصة وأن هناك ما يزيد عن 4 آلاف جندي من مزدوجي الجنسية في غزة”.

وفي السياق ذاته، أشار المتحدث إلى اتباع “إستراتيجية التهرب” لأنه إذا تم التحقيق مع المجند وتوقيفه في الحدود، فسيكشف عن عدم اقترافه الجرائم وحده مع وجود جنود فرنسيين إسرائيليين آخرين يقاتلون إلى جانب جيش الاحتلال.

بدوره، لا يستبعد المحامي جيل دوفير، ارتباط قرار النيابة بتخوفها من الانجراف وفتح الباب أمام التحقيق مع باقي الجنود المزدوجي الجنسية في غزة، فضلا عن ملف المرتزقة، مؤكدا أن “على النيابة أن تفهم أننا لن نقف عند هذا الحد وطالما فرنسا تفضّل الصمت، فعليها الانسحاب من مجلس الأمن ومن محكمة العدل الدولية التي أعلنت صراحة أن “الاحتلال العسكري يجب أن ينتهي على الفور”.

البديل القانوني

وبما أن النيابة العامة لا تريد قبول الشكوى لفتح التحقيق، فسيتم إحالتها إلى قضاة التحقيق من خلال شكوى مصحوبة بالادعاء المدني، وهو نوع من التحقيق المكثف الذي يتم إجراؤه للحصول على مزيد من العناصر حول هذا الجندي الفرنسي الإسرائيلي، وأيضا حول أعمال التعذيب بشكل عام التي تُرتكب ضد الفلسطينيين، وفق ما أوضحت المحامية لوسي سيمون.

وفيما يتعلق بهذا البديل القانوني، يوضّح دوفير “نمتلك تكتيكا في القانون الفرنسي يسمح للضحايا بتجاوز التصنيفات إذ عندما تكون هناك جريمة، يمكننا رفع دعوى مدنية على الفور وفق قانون الإجراءات الجنائية. وبدورنا، سنعتبر ذلك فرصة للمحاكمة وسنتوجه إلى كبار قضاة التحقيق”، مؤكدا أن “الأمر لم ينتهِ بعد والقضية بدأت للتو”.

وتابع “أمامنا معركة طويلة جدا حيث يتعين علينا دفع مكتب المدعي العام في باريس إلى الاعتراف بأنه عندما يتخذ قرارا بشأن منطقة حرب تخضع لسيطرة المحاكم الدولية، فإنه مُلزم بالامتثال إلى ما ينص عليه القانون الدولي لأنه من غير المقبول أن يضرب بقرارات العدل الدولية عرض الحائط، وهذا يمثل خطأ قانونيا خطيرا جدا”.

ولفهم أهمية الأطراف المدنية في مثل هذه القضايا، أوضح المحامي مراري، للجزيرة نت، أن دور المدعي العام يتمحور في تمثيل النيابة والمتابعة والتحقيق عند تقديم الشكوى، وإذا لم يرغب في القيام بذلك، فيكون من حق الضحية تخطّيه والاتصال مباشرة بقاضي التحقيق.

وتعتبر محكمة التمييز أن هذا حق أساسي للضحايا. لذا، عندما يصبح المجني عليه طرفا مدنيا، فإن القاضي ملزَم بفتح الملف حتى لو لم يقتنع بالقضية، وفق مراري.

وكشف المحامي عن احتمالية انضمام الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان إلى الأطراف المدنية، مشددا على أن العمل مستمر لتنسيق الجهود لبدء مرحلة ثانية من هذه القضية خلال الأسبوعين المقبلين كحد أقصى.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version