القاهرة- سجل الأزهر الشريف مواقف داعمة للقضية الفلسطينية منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان آخرها إصداره كتاب “الإمام ورد المزاعم الصهيونية”.

وقدم الكتاب توثيقًا لمقولات شيخ الأزهر أحمد الطيب، في صورة ردود على 18 من “المزاعم الصهيونية” حول القضية الفلسطينية، كزعم “أن السلام هو قبول الآخر وإن كان محتلا، وأن ما يقوم به الفلسطينيون من أعمال عنف وشغب هو من الإرهاب والتخريب”، وجاء فيه قول الشيخ الطيب إن “كل احتلال إلى زوال، وإن كان قُدّر أن يعيش بيننا عدو دخيل لا يفهم إلا لغة القوة، فمن العار أن نخاطبه بلغة أخرى غير التي يفهمها أو يحترمها”.

وشكل دور الأزهر في دعم القضية الفلسطينية منذ “طوفان الأقصى” وحتى قبله في رفض التطبيع مبررا لهجوم إسرائيلي على المشيخة، وصل حد اتهام شيخ الأزهر بـ”الحض على الكراهية”، وأن الأزهرالذي يقود نظاما تعليميا فيه حوالي مليوني طالب “يشجع على الخطاب العدائي لإسرائيل”، حسب ما ذكرت القناة 12 الإسرائيلية قبل أيام.

وسبق أن أصدر معهد دراسات وأبحاث الأمن القومي الإسرائيلي تقريرًا مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، طالب فيه بـ”كبح جماح الأزهر، وتقويض سمعته دوليًا، ووقف دعمه وتمويله، بما في ذلك التلويح بالمساعدات الأميركية المقدمة لمصر”، وتزامن التصعيد ضد الأزهر مع تقارير عبرية تفيد بأن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب في أدنى مستوياتها، بسبب تطورات الحرب على غزة.

دعم متواصل

تعددت مواقف الأزهر الداعمة لفلسطين والرافضة للعدوان الإسرائيلي، ففي اليوم الأول من عملية طوفان الأقصى أصدر الأزهر بيانًا أعرب فيه عن دعمه لجهود المقاومة، مطالبًا بـ “تقوية أيادي الشعب الفلسطيني”، وتواصل شيخ الأزهر هاتفيًا في اليوم الثاني للعملية مع رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” إسماعيل هنية، وأكد له وقوفه إلى جانب القضية.

وفي اليوم العاشر من العملية، أطلق بيت الزكاة والصدقات التابع للأزهر حملة “أغيثوا غزة”، تحت شعار “جاهدوا بأموالكم وانصروا فلسطين”، كما نظم المصلون في الجامع الأزهر بالقاهرة مظاهرة حاشدة دعمًا للقضية الفلسطينية.

وطالب الأزهر بشكل متواصل بـ”إجراء تحقيق دولي في جرائم الاحتلال”، وأكد أن “ترك الفلسطينيين أرضهم يمثل زوالا للقضية إلى الأبد”، واستمر بتوجيه نداءات دولية لوقف العدوان، وأدان محاولات التهجير والتطهير العرقي والإبادة الجماعية واستهداف النازحين العزل.

ونظمت مجلة الأزهر ندوات لدعم فلسطين، منها ندوة “الصمود الفلسطيني في مواجهة البطش الصهيوني، ودور الأزهر الشريف في دعم القضية”، وندوة “واقع القضية الفلسطينية بين التهجير والتصفية”، ونشرت أعدادا خاصة عن القضية، وأصدرت مطبوعات، منها: توصيف عداوة اليهود، والموجز في تاريخ القدس، والصهيونية العالمية، واختارت صحيفة صوت الأزهر مراسل الجزيرة في قطاع غزة وائل الدحدوح “رجل العام” لسنة 2023.

وأعلن مجمع البحوث الإسلامية عن إطلاق مبادرة عالمية لدعاة العالم الإسلامي ومبعوثي الأزهر لدول العالم، وأطلق حملة توعية بعنوان “وعد الله” لدعم المسجد الأقصى والمقدسات والوقوف ضد محاولات تهويدها، ونشر تحت اسم “كتاب وكاتب” سلسلة من الكتب لدعم القضية الفلسطينية، كان منها: “القدس بين الحق الإسلامي والمزاعم الصهيونية” و “عودة القدس” و”القدس بين اليهودية والإسلام”، كما نظم المجمع حملات توعوية وأكاديمية لتوعية الأئمة والدعاة ووعاظ الأزهر وواعظاته عن القدس والقضية الفلسطينية.

قافلة مساعدات مقدمة من الأزهر أمام معبر رفح تمهيدًا لدخول غزة في يناير الماضي (مواقع التواصل)

حرب دينية

يقول عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الدكتور محمود مهنا إن “للأزهر دورا تاريخيا في مجابهة الصهيونية العالمية والمساعي الغربية في قيام دولة إسرائيل”، مشددًا على مكانة فلسطين في قلوب المسلمين جميعًا والأزهر خاصة.

وفي حديث للجزيرة نت، حذر مهنا من خطورة المساعي الغربية لمساعدة إسرائيل بالقضاء على القضية الفلسطينية، معتبرًا ما يحدث في فلسطين “حربًا دينية، بزعم أن فلسطين دولة يهودية، على عكس الواقع والتاريخ والجغرافيا والدين نفسه، لذلك ثمة حاجة إلى بذل مزيد من الجهد والتضحية”، حسب قوله.

وعن أسباب الهجوم الإسرائيلي مؤخرًا على الأزهر وشيخه أحمد الطيب، أوضح مهنا أن “إسرائيل تحاربنا حربًا دينية، وهي تعلم تمامًا سمعة الأزهر العالمية ودوره الوطني في دعم القضية، ومن هنا يحاربون الأزهر وشيخه وكل من ينصر فلسطين أو له موقف جاد ومجاهد في سبيل الدين والقضية”.

وأضاف أن “موقف الأزهر من فلسطين يبقى شوكة في ظهر إسرائيل، التي تعتبره أقوى من يحمل موقفًا مناصرًا لفلسطين، من شيخ الأزهر لأصغر تلاميذه، وبالتالي هم يريدون القضاء على هذا الدور”، واستدرك “على الرغم من وجود معاهدة بين مصر وإسرائيل، فإن هناك إصرارا قديما وحديثا على القضاء على الدور المصري، وفي القلب منه حراك الأزهر”.

وفي تقييمه للادعاءات الإسرائيلية بشأن المناهج التعليمية الأزهرية، وبأنها تحض على الكراهية والعنف، قال مهنا إن “الأزهر جامع وجامعة، يدرس علوم الدين والتاريخ والفلسفة والجغرافيا وغيرها، ومن هذا المنطلق تسعى إسرائيل للقضاء على هذا الدور وعلى جيل الأزهر”، مشيرًا إلى أن “المناهج الأزهرية كلها تدرس بالأدلة على أن إسرائيل دولة احتلال، والقضاء عليها واجب لابد أن يكون”.

شيخ الأزهر أحمد الطيب يقول في كتابه الجديد “كل احتلال إلى زوال” (الجزيرة))

دور تاريخي

متفقًا مع الرأي السابق، يقول الباحث وأستاذ علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن، إن “الأزهر لم يكن بوسعه أن يتخلى عن أحد أدواره التاريخية، وهو الانتصار لقضايا الأمة، والوقوف إلى جانب الطرف الضعيف المعتدى عليه، وأن ما فعله الشيخ الطيب مواصلة لهذا الدور الممتد لأكثر من ألف عام”.

وفي حديث للجزيرة نت، وضح حسن “إذا كانت بعض الجماعات والتنظيمات اليهودية في الغرب مثل ناطوري كارتا، قالت لإسرائيل لا تقتلوا باسم الدين اليهودي هذا لا يمثلنا، وإذا كانت بعض الشخصيات المسيحية الكبرى في العالم قد رفضت العدوان، أليس من الطبيعي أن يرفضه الأزهر، لاسيما حين يكون بهذه القسوة والوحشية”.

واعتبر حسن أن موقف شيخ الأزهر “مناصر دائمًا لقضايا الأمة، وهو يدرك أن كثيرين في العالم الإسلامي من غانا إلى فرغانة (امتداد الدول الإسلامية جغرافيًا)، ينظرون إلى الأزهر وينتظرون منه موقفًا، أيًا كان موقع الأنظمة الرسمية وموقفها، كما أن الأزهر دائمًا عليه واجب يؤديه، وأن يقول كلمته في الوقت المناسب”.

وشارك شيخ الأزهر في حوارات حول المشترك الإنساني وحوارات الأديان، ولم يكن لديه صد عنها، ويضيف المتحدث ذاته أن “ما يجري الآن في غزة أكبر من أن يتجاهله أحد باسم حوار أو تفاهم أو تعايش، فهو ضد كل هذه المفاهيم والمبادئ، ومن ثمَّ كان على الأزهر أن يقول ما قاله”، مرجحًا استمرار دور الأزهر أيًا كانت الضغوط.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version