منذ بداية أكتوبر الحالي بدا للحملة الإسرائيلية القائمة ضد حزب الله وجه آخر، على مستوى خارطة الغارات وعلى صعيد تصريحات المسؤولين العسكريين، وتمثلت تفاصيله على نحو محدد بالتركيز على ضرب “شرايين الأسلحة” التي تصب في مستودعات الجماعة اللبنانية، ومصدرها مناطق سيطرة نظام الأسد في سوريا.

أول حادثة كشفت عن هذا الوجه إعلان إسرائيل استهداف مواقع حدودية بين سوريا ولبنان إحداها بالقرب من معبر المصنع، في الرابع من أكتوبر. وشيئا فشيئا استنسخ الجيش الإسرائيلي ذلك على وصلات حدودية أخرى كان آخرها، الجمعة، مما أسفر عن خروج معبرين عن الخدمة.

الجيش الإسرائيلي يبث فيديو لقصف معبر حدودي بين سوريا ولبنان

أكد الجيش الإسرائيلي، الجمعة، أنه شنّ غارة جوية على معبر حدودي بين لبنان وسوريا، مشيرا الى أنه استهدف “بنى تحتية عسكرية” لحزب الله، بعد إعلان مسؤول لبناني أن المعبر خرج عن الخدمة.

تقول إسرائيل إنها تسعى لقطع كامل طرق الإمداد التي يعتمد عليها حزب الله للحصول على الأسلحة والذخائر من سوريا، وفي تصريح سابق لـ”الحرة” وضع الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري هذا الهدف كجزء لا يتجزأ من الحملة لإضعاف الجماعة المدعومة من إيران وتقليص قدرتها على القتال.

ورغم أن الضربات الإسرائيلية على طرق الإمداد المارة والنابعة من سوريا ليس جديدا، لكنها باتت تأخذ منحى تصاعديا الآن، مما يطلق تساؤلات عن مدى قدرة إسرائيل على تحقيق ما تسعى إليه والبدائل التي قد تعتمد عليها الجماعة في حال انقطع شريان إمدادها من سوريا وهل قد تتضرر بالفعل؟

وترتبط سوريا مع لبنان بحدود يبلغ طولها 373 كيلومترا. وفي حين أنه توجد هناك ستة معابر شرعية طالما سلطت تقارير إعلامية خلال السنوات الماضية الضوء على الوصلات غير الشرعية، التي تستخدم في عمليات تهريب الأسلحة والبشر.

ليس ذلك فحسب فقد تحولت المناطق الخاضعة لسيطرة النظام منذ دخول حزب الله لدعم رئيسه بشار الأسد إلى ساحة يستفيد منها كممر للحصول على الأسلحة القادمة من العراق عبر الطريق البري المار من البوكمال.

ولم يكن الطريق المار برا هو الوحيد، بل كان يسير بموازاته آخر بحري وجوي.

ودفع ما سبق إسرائيل لأكثر من مرة، قبل أن تبدأ حملتها القائمة الآن في جنوب لبنان وغزة، لتنفيذ ضربات قالت وسائل إعلام إسرائيلية مرارا إنها استهدفت شحنات أسلحة وذخائر وصواريخ متطورة.

ما الذي تشكّله سوريا لحزب الله؟

لاتزال الطائرات المسيّرة الإسرائيلية تواصل مراقبة الحدود السورية-اللبنانية، في محاولة “لتضييق الخناق على حزب الله، ومنعه من نقل السلاح من سوريا إلى لبنان”، كما يقول “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.

ويؤكد مدير المرصد رامي عبد الرحمن لموقع “الحرة” أن “هذه الرقابة المشددة هي جزء من استراتيجية إسرائيلية تتبعها بهدف محاولة شل حركة عمليات نقل السلاح إلى الحزب”، لافتا إلى ضربات جوية حصلت مؤخرا، واستهدفت نقاطا بالقرب من المعابر، ومسؤولين يشرفون على عمليات النقل.

الجغرافيا السورية ونظام الأسد يعتبران ضروريان لبقاء حزب الله، وهو ما ترجم على الأرض من خلال تحرك الأخير الكامل نحو سوريا بعد 2011، لحماية الأسد كشخص وحماية نظامه وما يمثله كلاعب مهم في سلسلة الدعم والممر الوحيد للأسلحة من إيران، كما توضح الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتي.

وتستعرض الخبيرة في حديثها لموقع “الحرة” تفاصيل المسارات المتعلقة بـ”شريان الأسلحة السوري” والمحطة التي يصب فيها عند حزب الله.

وتقول إن الأسد يزود حزب الله منذ سنوات بالذخيرة والصواريخ من مناطقه، كما أن الجماعة اللبنانية لديها مستودعات خاصة بها منتشرة في ريف حمص الجنوبي والغربي وريف حلب الجنوبي وريف دمشق الغربي والجنوبي وداخل محافظة درعا.

الخطة “باء”.. مطار القليعات اللبناني يعود إلى الواجهة

مع تصاعد حدة القصف الإسرائيلي في لبنان، وتسجيل غارات قرب مطار رفيق الحريري الدولي (مطار بيروت)، عاد موضوع مطار القليعات الدولي للتداول على المستوى الرسمي.

وفي مقابل ذلك كانت إيران وميليشياتها قد سيطرت على عدد من مصانع الدفاع التابعة للأسد، وأهمها مصنع السفيرة في ريف حلب، وبالتالي فإن “سوريا ليست ممرا فحسب، بل أيضا موردا عسكريا للميليشيا”، وفق كولوريوتي.

إحدى الضربات الإسرائيلية، التي حصلت قبل عشرة أيام، كانت قد استهدفت مستودعات أسلحة للجيش التابع للنظام السوري في ريفي حمص وحماة.

وضربت غارات أخرى مواقع عسكرية تابعة للنظام في ريف العاصمة دمشق، وجاء ذلك بالتزامن مع مواصلة إسرائيل قصفها لنقاط بالقرب من المعابر من جهة منطقة القصير.

ومنذ عام 2018 بنت إيران وحزب الله في سوريا، كل على حدة، أساسات لطريقة العمل وبناء على ظروف جغرافيات معينة، بحسب الباحث السوري في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، نوار شعبان.

ويشرح شعبان لموقع “الحرة” أن اختيار حزب الله لمناطق مثل القلمون الشرقي، ومن العريضة وصولا إلى عرسال وبعض المناطق والأرياف في حمص وحلب والقنيطرة “لم يكن عن عبث” خلال السنوات الماضية.

على العكس كانت الجماعة اللبنانية كمنظومة “تدرك كافة الاحتمالات”.

ويضيف الباحث السوري أن “عمليات تهريب السلاح في سوريا من جانبه لم تكن وليدة الحرب الحالية، بل هي عملية أشرف عليها وما يزال كأداة من إحدى الأدوات التي عمل عليها بالتدريج وخلال السنوات الماضية”.

هل إسرائيل قادرة على قطع “شريان” حزب الله؟

التركيز على ضرب مخازن حزب الله من الأسلحة والذخائر لا يقتصر على الساحة السورية والمعابر الحدودية، بل يتعدى إلى القرى والبلدات الجنوبية الواقعة في جنوب لبنان، بحسب ما تشير إليه البيانات المتكررة من جانب إسرائيل.

ومع ذلك، لأكثر من مرة كان اسم سوريا في الصورة، وتمثلت آخر المعطيات الخاصة بذلك بصور نشرها الجيش الإسرائيلي، يوم الخميس، وأظهرت صناديق صواريخ مضادة للدبابات تمت السيطرة عليها في جنوب لبنان.

أكثر ما ميز تلك الصناديق أنها ممهورة من الخارج بتفاصيل ورد فيها اسم سوريا وروسيا أيضا ومحطتها الأولى في طرطوس الساحلية.

وتعتقد الخبيرة كولوريوتي أن وقف استيراد الأسلحة على الحدود السورية اللبنانية “أمر صعب لعدة عوامل”.

إلى جانب الحدود الطويلة وصعوبة مراقبتها كاملة يمتلك حزب الله شبكة أنفاق في منطقة القلمون وريف حمص الجنوبي، وتربط بين البلدين ويصعب تعقبها من الجو.

من الجانب الإيراني لن تتخلى طهران عن حزب الله، على الأقل في المرحلة الحالية، ما يعني أنها ستستمر في دعمه عسكريا في هذا الصراع، بحسب الخبيرة.

غارات إسرائيلية تخرج معبرين بين سوريا ولبنان عن الخدمة

تعرض محيط معبرين حدوديين بين سوريا ولبنان لغارات إسرائيلية صباح الجمعة، مما أسفر عن خروجهما عن الخدمة بحسب ما قال وزير الأشغال اللبناني، علي حمية لوكالة “فرانس برس”.

ونظرا لحاجة الجماعة اللبنانية إلى الذخيرة والصواريخ، فإن طهران تعطي الأولوية لإيصال هذا الدعم إلى الأراضي اللبنانية، وهو ما يفسر زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي إلى دمشق بعد زيارته لبيروت، قبل أسبوعين.

وتضيف كولوريوتي أن “رسالة الإيرانيين لنظام الأسد، الذي يرفض فتح جبهة الجولان كانت على الأقل إبقاء الأراضي مفتوحة لشحنات الأسلحة المتجهة إلى لبنان”.

ولا يعتقد الباحث السوري شعبان أن حزب الله يفتقد القدرة على التأقلم، في تعليقه على ما تسعى إليه إسرائيل بشأن قطع طرق إمداده مع سوريا.

ويوضح من ناحية أخرى أن الغارات التي تنفذها إسرائيل ما تزال حتى الآن “جراحية”.

وفي حين أن الضربات أثرت على عمليات تدفق الأسلحة من سوريا وعلى مخزون الحزب إلى حد ما ليس من الواضح ما إذا كانت ستحد من قدرة الحزب على “التحرك والإمداد انطلاقا الجغرافيا السورية”.

ويمتلك حزب الله منذ سنوات قدرة كبيرة على التحرك في سوريا والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

ويؤكد شعبان أن “المناطق الحدودية ليست عبارة عن جسور ومعابر فقط”، وعلى العكس توجد مناطق شاسعة يستخدمها حزب الله بمسارين.

المسار الأول عبر مجموعات ووكلاء تابعين له، ويرتبط الثاني بعصابات التهريب الواقعة في مناطق القلمون، والتي غض النظر عنها خلال السنوات الماضية وحولها إلى سلاسل توريد يعرف أفرادها كيف يتحركون.

هل ضَعُف مخزون حزب الله؟

قال الناطق باسم أفيخاي أدرعي في بيان نشره، الجمعة، إنه خلال الشهر الأخير هاجم الجيش الإسرائيلي أكثر من 3200 هدف للجماعة في جنوب لبنان، منها نحو 350 مستودع أسلحة.

وأضاف أنهم ضبطوا 2500 قذيفة دبابات ومنصات وصواريخ كورنيت، وعرض تسجيلا مصورا يوثق ذلك.

وتوضح الخبيرة كولوريوتي أن جزءا كبيرا من الضربات التي تنفذها إسرائيل تستهدف المخزون الاستراتيجي لحزب الله من الصواريخ الدقيقة والمتوسطة المدى ومنصات الإطلاق ومخازن الذخيرة.

وبينما لا يمكن الجزم بحجم مخزون الجماعة من الصواريخ والذخائر، لا شك أن الضربات الإسرائيلية أضعفت قدراتها على صعيد الصواريخ والطائرات المسيرة بشكل واضح، وفق حديثها.

ويمكن ملاحظة حالة الضعف من خلال فحص عدد الصواريخ التي يطلقها حزب الله بشكل يومي.

ويبلغ الإطلاق في المتوسط الآن نحو 200 صاروخ، وهو رقم أقل بكثير مما كان متوقعا من أكبر جماعة في الشرق الأوسط وصاحبة أكبر مخزون من الصواريخ، والذي قدرت بعض التقارير الأميركية عدده بنحو 150 ألف صاروخ، بحسب الخبيرة.

وترى كولوريوتي أن سبب هذا المعدل المنخفض لإطلاق الصواريخ من قبل الحزب باتجاه الأراضي الإسرائيلية مرتبط بثلاثة عوامل:

الأول: الضرر الذي لحق بمخزونه نتيجة الغارات الإسرائيلية.

الثاني: يقين حزب الله بأن هذا الصراع لن يتوقف في أي وقت قريب، وقد يستمر لعدة أشهر أخرى.

الثالث: خوفه من احتمال قطع واردات الأسلحة من الأراضي السورية.

ويجعل هذا الواقع العسكري المعقد من الحدود السورية اللبنانية وشحنات الأسلحة القادمة عبر الأراضي السورية ذات أهمية كبيرة بالنسبة لحزب الله، وفق كولوريوتي المتابعة لتحركاته وقدراته داخل لبنان وفي سوريا منذ سنوات.

“مسارب خفية”

في مقابل ما سبق ومن خلال الواقع الميداني على الأرض يتبين أن حزب الله لديه حتى الآن “قدرة تحت الأرض ومسارب خفية”، على حد تعبير الخبير العسكري اللبناني، ناجي ملاعب.

وينعكس ذلك من استهدافاته التي تسفر عن إصابة العشرات من الإسرائيليين يوميا والضربات التي تطال الداخل الإسرائيلي والثكنات والتجمعات الخاصة بعناصر الجيش الإسرائيلي، وفقا للخبير.

ويقول ملاعب لموقع “الحرة” أيضا إن “قياس صمود جبهة حزب الله وقتاله تحت الأرض يدل على أنه يستدرك التطورات الميدانية الحاصلة”، من بينها محاولات إسرائيل لقطع طرق الإمداد عنه.

ويعتقد أن “خزائنه من السلاح يبدو أنها مليئة، ولم يصرف منها إلا على المستوى القريب. كما لا يزال لديه أسلحة على مستوى أبعد”.

“مشغله ومسلحه الإيراني يعتمد كثيرا على ما أسماها رأس حربة المحور وهو جنوب لبنان”، وفي حال لم يصمد حزب الله في الجنوب سيدفع المحور الذي تقوده إيران الثمن كله، ولذلك تضع الأخيرة بحسبانها المحاولات الحاصلة لقطع شريان الإمداد، بحسب قول ملاعب.

ولا يتوقع الباحث السوري شعبان أن تكون الأدوات المتعلقة بحصول الحزب على السلاح في سوريا قد انتهت، لاعتبارات بينها المساحة الكبيرة للجغرافيا التي يقدمها نظام الأسد.

ورغم أن “النظام السوري ليس شريكا في المعركة إلا أنه شريك في الحرب”.

“3 أشكال للحظر”

وتعرض حزب الله، خلال الأسابيع الماضية، لعدة “نكبات”، آخرها مقتل أمينه العام، حسن نصر الله، وخليفته، هاشم صفي الدين، وقادة آخرين من الصف الأول والثاني.

وتواصل إسرائيل حتى الآن التأكيد على استمرار حملتها العسكرية، وكان الناطق باسمها هاغاري كشف لـ”الحرة” في 15 أكتوبر عن 4 خطوات يتم العمل عليها، الثالثة منها قطع طرق الإمداد مع سوريا.

وإذا تمكنت إسرائيل من إغلاق الحدود السورية اللبنانية عسكريا، من خلال الغارات أو من خلال قرار سياسي قد يفرضه الأسد فإن حزب الله سيضطر إلى “الاعتماد على مخزونه المحدود من الذخيرة والصواريخ على أمل أن تجد له طهران طريقا بديلا، وهو أمر معقد”، وفق الخبيرة كولوريوتي.

ومنذ أكثر من شهر، بدأت إسرائيل تفرض شكلا من أشكال الحظر البحري والجوي.

وتحرك سلاح الجو الإسرائيلي أكثر من مرة فوق بيروت لمنع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار العاصمة اللبنانية.

كما تحرك الأسطول البحري الإسرائيلي بشكل مكثف في البحر الأبيض المتوسط لمنع وصول أي سفن قادمة من إيران، بحسب الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط.

ولكن ورغم كل هذه التحركات تقول كولوريوتي إنه “لا يزال هناك احتمال نقل الذخيرة عن طريق البحر، إما بقوارب أصغر حجما، أو ضمن شحنات مساعدات إنسانية كغطاء”.

ومن جهته يعتقد الخبير العسكري، ملاعب أننا “أمام مرحلة طويلة”.

ويضيف أن السؤال المتعلق حول كيف سيغطي الحزب أسلحته ومخزونه “سيبقى متروكا للمستقبل.. ويبدو أنه يدرك هذا الأمر”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version