تحولت المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان إلى مؤسسة منخرطة أكثر في الشأن التونسي في الفترة الأخيرة، إذ بعد قرار ضد أمر رئاسي لقيس سعيد، تجد المحكمة نفسها أمام قضية تونسية جديدة تخص المعارضين الموقوفين.

والأربعاء، تقدم أهالي معارضين تونسيين موقوفين بشكوى إلى “المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب”، للمطالبة بالإفراج الفوري عن أحبائهم.

ويأتي لجوء الأهالي إلى المحكمة بعد أشهر من إصدار المحكمة ذاتها قرارا لإلغاء الأمر الرئاسي 117، الذي أصدره الرئيس التونسي، قيس سعيد، بهدف الانفراد بالحكم والاستحواذ على كافة الصلاحيات لإدارة السلطة في البلاد.

ويقلل مختصون من خطوة اللجوء إلى المحكمة الأفريقية بشأن “قضية تونسية داخلية” رغم أن البلاد كانت قد وقعت على البروتوكول الذي يعترف باختصاص المحكمة.

ما هي هذه المحكمة؟

أنشئت المحكمة، عام 1998، بموجب المادة 1 من بروتوكول الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وهو بروتوكول بين 32 دولة أفريقية ودخل حيز التنفيذ في عام 2004.

وتونس من الدول الثماني التي أودعت “طرفا في البروتوكول، الإعلان الذي يعترف باختصاص المحكمة لتلقي القضايا مباشرة من المنظمات غير الحكومية والأفراد”، وفق ما يظهر في موقع المحكمة على الإنترنت.

والدول الأخرى هي: بوركينا فاسو وغامبيا وغانا وغينيا بيساو ومالي وملاوي والنيجر.

وتقول المحكمة إن اختصاصها القضائي ينطبق على “جميع القضايا والنزاعات المقدمة إليها فيما يتعلق بتفسير وتطبيق الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (الميثاق) والبروتوكول وأي صك آخر ذي صلة بحقوق الإنسان التي صادقت عليه الدول المعنية”. 

تتكون المحكمة من 11 قاضيا من مواطني الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي ويشغلون مناصبهم بصفتهم الفردية، وهم “من بين الحقوقيين الأفريقيين الذين أثبتوا نزاهة وكفاءة وخبرة عملية أو قضائية أو أكاديمية معترف بها في مجال حقوق الإنسان”، وفق المحكمة.

هل قراراتها ملزمة؟

ومن أبرز الموقوفين، راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة وأحد المعارضين البارزين للرئيس التونسي، الذي حل البرلمان وتولى كامل السلطات خلال الأعوام الماضية.

وقدم أقارب الغنوشي والعديد من المعارضين المسجونين شكوى إلى “المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب” في أروشا في تنزانيا، كجزء من حملة دولية للمطالبة بالإفراج عنهم.

ويرى المحلل التونسي، بسام حمدي، أن لجوء أهالي الموقوفين إلى المحكمة الأفريقية هو محاولة “سياسية” لتدويل القضية التي وجهت فيها اتهامات بجرائم فساد مالي وتهم أخرى.

ويقول حمدي في حديث لموقع “الحرة” إن التوجه إلى المحكمة الأفريقية محاولة أيضا للفت انتباه المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان، مضيفا “هي محاولة لتصدير المعركة بين الأحزاب السياسية وخصمهم، قيس سعيد، رئيس الدولة التونسية”.

ويرى “أنها محاولة لتأليب الرأي العام الدولي حتى لايتم دعم الدولة التونسية اقتصاديا وسياسا خلال هذه الفترة”.

ويستبعد حمدي أن يكون للخطوة أثر قضائي، لكن “تبعاتها قد تكون سياسية أكثر منها قضائية”، خاصة أن سعيد يقول إن الاتهامات مبنية على أدلة وقرائن.

من جانبه، يقول أحمد الهمامي، الناطق الرسمي باسم تحالف “أحرار” المؤيد للرئيس التونسي، إن “الاستقواء بالأجنبي يخالف المبادئ الوطنية التونسية”.

يقر الهمامي في حديث لموقع “الحرة” أن تونس دولة عضو في المحكمة الأفريقية، لكنها “دولة ذات سيادة والقضايا الداخلية تبث فيها المحاكم المحلية”، بحسب تعبيره.

ويشير إلى أن الموقوفين أحيلوا بتهم “جدية” وبعضهم أطلق سراحهم ما يعني أن القضاء في البلاد يقوم بدوره ولا يخضع للتوجهات السياسية.

وكانت المحكمة الأفريقية أصدرت في قرار مفاجئ حكما يلغي الأمر الرئاسي 117 الذي أصدره الرئيس التونسي سعيد بهدف الاستحواذ على كافة الصلاحيات لإدارة السلطة في البلاد.

وبررت المحكمة قرارها بأن الأمر الرئاسي مخالف للدستور التونسي وقوانين البلاد.

وبموجب القانون الدولي فإن تونس ملزمة بتنفيذ حكم المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان لأنها عضو فيها.

ويشرح أستاذ العلوم الدستورية المغربي، رشيد لزرق، أن دولة ما عندما تصادق على بروتوكول منظمة ما، فإن قانون المنظمة يصبح فوق القانون المحلي الوطني وتصبح قراراته ملزمة.

ويشير لزرق إلى أن الدولة عندما تصادق على الانضمام لمحكمة دولية فإن قرارات الأخيرة ملزمة لها لأنها سبق أن وافقت على ذلك وصادق برلمانها على أن “قانون  المحكمة يسمو على القانون الوطني”.

وبموجب الاتفاقية بين الدول الأفريقية، تقول المحكمة إنه يجوز لها تلقى قضايا ترفعها اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، أو الدول الأطراف في البروتوكول، أو المنظمات الحكومية الدولية الأفريقية. ويمكن للمنظمات غير الحكومية، التي تتمتع بصفة المراقب أمام اللجنة الأفريقية والأفراد أيضا، رفع دعاوى أمام المحكمة مباشرة” طالما كانت الدولة المشتكى ضدها وافقت على البروتوكول الخاص باختصاص المحكمة.

ومنذ مطلع فبراير، سجنت السلطات التونسية أكثر من 20 معارضا وشخصية، من بينهم وزراء سابقون، في حملة قمع أدانها المجتمع الدولي وجماعات حقوقية.

وقال رودني ديكسن، محامي الغنوشي وخمسة سجناء آخرين لوكالة فرانس برس: “إنهم يحاولون الدفاع عن قضاياهم في تونس لكن كل الأبواب أغلقت”.

وأضاف أن الأهالي أرادوا اللجوء إلى القضاء ليثبتوا أن عمليات السجن كانت مخالفة لميثاق حقوق الإنسان الأفريقي وإطلاق سراحهم.

ووصفت منظمة العفو الدولية موجة التوقيفات غير المسبوقة منذ تفرد سعيد بالسلطة، في 25 يوليو 2021، بأنها “حملة ذات دوافع سياسية”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version