هذه التصريحات دفعت البعض للتساؤل: هل يحاول المالكي ترسيخ خطاب طائفي، أم أن مواقفه تأتي من رؤية استراتيجية تحذر من مخاطر محتملة على العراق والمنطقة؟

قراءة في تصريحات المالكي

نوري المالكي، الذي قاد العراق بين عامي 2006 و2014، عرف بخطابه الحاد تجاه قوى سياسية مختلفة، وارتبط اسمه في الذاكرة العراقية بسنوات من الاستقطاب الطائفي والتوترات الأمنية التي بلغت ذروتها بسقوط الموصل بيد تنظيم داعش عام 2014.

عندما يهاجم الإدارة السورية الجديدة، فإنه لا يتحدث فقط من منطلق سياسي عراقي داخلي، بل أيضا من زاوية الصراع الإقليمي الذي طالما لعب فيه العراق وسوريا أدوارا متداخلة.

يرى الباحث السياسي، عبدو زمام، أن تصريحات المالكي لا تنفصل عن إرثه السياسي، حيث يقول: “تجربة المالكي في العراق كانت قائمة على الإقصاء والتهميش، ومن الطبيعي أن ينظر إلى أي تحول سياسي في المنطقة من منظار طائفي يخدم مشروعه السياسي”.

ويضيف أن القيادة السورية الجديدة تحاول تجاوز الخطابات الإقصائية التي حكمت سوريا لعقود، وتسعى لتقديم نفسها كبديل أكثر تعددية، وهو ما يزعج بعض القوى التقليدية في المنطقة.

الطائفية أم القلق الأمني؟

على الجانب الآخر، يرى رئيس مركز التنمية للدراسات الاستراتيجية، عدنان السراج، أن تصريحات المالكي يجب أن تُفهم في سياق المخاوف الأمنية العراقية، وليس من باب الطائفية. إذ يشير إلى أن العراق مر بتجربة مريرة مع الجماعات المتطرفة التي كانت جزءا من المشهد السوري، وأن هذه المخاوف مبررة.

يقول السراج: “العراق لديه خبرة طويلة في التعامل مع الجماعات المسلحة، والكثير منها وجد ملاذا في سوريا على مدار السنوات الماضية. المالكي، بخبرته، يحذر من تكرار السيناريو العراقي داخل سوريا”.

هذا الرأي يعكس واقعا معقدا، حيث إن العراق بالفعل تأثر سلبا باضطرابات سوريا، من خلال تدفق المقاتلين والأسلحة إلى أراضيه، وبالتالي فإن أي تغيير جذري في دمشق سيترك أثره المباشر على بغداد.

أزمة الهوية الوطنية في العراق وسوريا

في قلب هذا الجدل تكمن مسألة أساسية تتعلق بطبيعة الدولة الوطنية في العراق وسوريا. فكلا البلدين واجها تحديات عميقة في الحفاظ على هوية وطنية جامعة تتجاوز الانقسامات الطائفية والعرقية. إذا كان المالكي يستخدم الخطاب الطائفي في هجومه على القيادة السورية، فهو يعكس بذلك مأزقًا عاشه العراق نفسه خلال سنوات حكمه.

من ناحية أخرى، تحاول القيادة السورية الجديدة أن تقدم نفسها كمشروع وطني جامع، إلا أن نجاحها في ذلك سيعتمد على مدى قدرتها على إدارة التنوع السوري، وتقديم نموذج مختلف عن التجربة العراقية التي قادها المالكي.

بين اتهامات الطائفية ومبررات القلق الأمني، تبقى تصريحات المالكي تعبيرًا عن توازنات إقليمية معقدة، حيث تسعى كل الأطراف إلى تعزيز نفوذها في مرحلة إعادة تشكيل المشهد السياسي في المنطقة. وفي النهاية، فإن نجاح أي قيادة، سواء في العراق أو سوريا، لن يكون ممكنًا إلا من خلال تجاوز الطائفية، وبناء دولة وطنية قادرة على استيعاب جميع مكوناتها دون إقصاء أو تهميش.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version