يعاني السودان من حرب طاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع، ودعت قبائل عربية في إقليم دارفور أتباعها إلى التخلي عن الجيش والانضمام لقوات الدعم السريع، في تطور جديد للصراع الدائر يهدد بتأجيج الوضع المتوتر أصلا في الإقليم الذي لا يهدأ.

ذكرت فرانس برس أن دعوة القبائل العربية السبعة التي جاءت عبر مقطع فيديو لم يتبعها أي تمرد معلن من جانب عناصر الجيش السوداني حتى الآن، في وقت يشار إلى أن المسؤول الثاني في عمليات الجيش في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور هو جنرال ينتمي إلى قبيلة المسيرية العربية، بجانب الرجل الثاني في عمليات القوات المسلحة في شرق دارفور.

وهناك كثير من ضباط الجيش ينتمون إلى قبيلة الرزيقات التي ينحدر منها قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، وبحسب الوكالة الفرنسية، ظهر زعيما قبيلتي المسيرية والرزيقات في مقطع الفيديو الذي بٌث الاثنين.

وتنتشر الخلافات والمعارك القبلية في الإقليم من آن لآخر، وهناك مخاوف من تحرك تلك القبائل العربية ضد الأخرى غير العربية، ما سيجعل الجيش يتحرك من أجل تسليح القبائل الأخرى المناوئة للدعم السريع هو الآخر.

القبائل العربية في دارفور.. هل تغير موازين القتال في السودان؟

قد يغير مقطع مصور قصير انتشر أخيرا الموازين في السودان، ففيه يظهر زعماء قبائل عربية في دارفور وهم يدعون أتباعهم الى الانضمام لقوات الدعم السريع وترك الجيش، ما يؤجج الصراع العرقي في هذا الاقليم الواقع في غرب بالسودان.

لكن قال مصدر في الجيش لفرانس برس، إن هذا سيناريو مبالغ فيه، مشيرًا إلى أن قوات الدعم السريع سارعت بدعم دعوة القبائل العربية بحثًا “عن فرقعة إعلامية”.

لكن في جنوب وشرق دارفور حيث تشكل القبائل العربية الغالبية، انضم مقاتلون قبليون بالفعل إلى قوات الدعم السريع، بحسب نقلته وكالة فرانس برس عن الكثير من سكان الولايتين.

يعيد هذا التحيز والشقاق القبلي الذي يصل إلى الأذهان كيفية اندلاع الحرب في الإقليم عام 2003، حينما أعلنت حركتا جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة المتكونتين من مقاتلين ينتمون إلى قبائل غير عربية، التمرد ضد الحكومة في الخرطوم بسبب شكاوى من التهميش.

آنذاك أطلقت الحكومة برئاسة عمر البشير مجموعة مسلحة كانت تحمل اسم “الجنجويد” والتي تحولت بعد ذلك إلى قوات الدعم السريع وتكونت آنذاك من قبائل عربية، وهو ما يشير إلى تكرار نفس السيناريو بدعوة القبائل الأخيرة.

واتهمت قوات الجنجويد وحكومة البشير بارتكاب جرائم حرب شملت بحسب منظمة العفو الدولية، الإعدام خارج نطاق القضاء والقتل غير القانوني للمدنيين والتعذيب والاغتصاب وتدمير القرى وتهجير السكان.

وحينها تم تهجير أكثر من 1.2 مليون شخص وعبر من بينهم نحو 170 ألفًا إلى خارج الحدود في تشاد.

ما هي قبائل دارفور؟

ينقسم الإقليم إداريًا إلى خمس ولايات هي شمال ووسط وغرب وجنوب دارفور، ويمتلك حدودًا مع ليبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان.

كشف تقرير سابق للمنظمة الدولية للصليب الأحمر أن نحو 85 قبيلة عربية وأفريقية بجانب مئات العرقيات تعيش في دارفور، ويبلغ نسبة الأفارقة بين سكانه نحو 60% بينما العرب يمثلون 40%، ويجمعهم الدين الإسلامي على المذهب السني.

أهم القبائل الأفريقية في الإقليم هي الفور والزغاوة والمساليت والبرتي والتاما والداجو والتنجر والبرجق والفلاتة والبقارة، وأغلبهم ينحدرون من دول الجوار مثل تشاد وأفريقيا الوسطى.

نازحون من دارفور في تشاد

ويعود اسم الإقليم بالأساس إلى قبيلة الفور حيث ينقسم إلى “دار” أي موطن و”فور” أي قبيلة الفور.

وهناك قبائل عربية من أبرزها الزيادية والتعايشة والهبانية والرزيقات والمسيرية والمعاليا ومحاميد ومهرية وبني حسين، وأغلبهم يمتهنون الرعي.

ساهم الجفاف في العقود الأخيرة في انحسار المراعي ونضوب الآبار وقلة مصادر المياه في حدوث هجرات داخلية، واضطر كثيرون في شمال وغرب دارفور إلى النزوح إلى الجنوب، ما أدى إلى بدء احتكاكات بين الرعاة والمزارعين، وتطورت الأمور إلى تشكيل مليشيات مسلحة هدفها كان في البداية حماية القبيلة.

معترك السياسة

قالت منظمة هيومان رايتس ووتش، إن النزاعات القبلية على الموارد المتضائلة وغياب الحكم الصالح وسهولة الحصول على السلاح، جعلها تتخذ طابعًا أكثر دموية وتلعب السياسة دورًا فيها.

ولفتت إلى أن حكومة البشير بدأت عمليات تنظيم إداري واسع في الإقليم عام 1994، لتتولى خلالها قبائل عربية مواقع في السلطة، ما جعل القبائل الأخرى مثل المساليت والفور والزغاوة محاولة لزعزعة دورهم القيادي التقليدي وسلطتهم على تجمعاتهم في أرضهم الأم.

واندلعت نزاعات في عامي 1998 و1999 مع تحرك العرب نحو الجنوب بسبب التغير المناخي، واندلعت اشتباكات بينهم وبين المساليت وقتل خلالها المئات من الجانبين، وعلى إثرها استخدمت الحكومة قوات عسكرية لإخماد العنف وقررت تعيين حاكم عسكري لمتابعة الوضع الأمني في ولاية غرب دارفور.

الجنائية الدولية تلاحق  البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي في دارفور غربي السودان
الجنائية الدولية تلاحق البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي في دارفور غربي السودان

استمرت التوترات واتهمت القبائل الأفريقية حكومة الخرطوم بتهميشهم وسط الظروف الاقتصادية الصعبة، وفي فبراير عام 2003 ظهرت حركة جيش تحرير السودان المسلحة التي تنحدر من قبائل الفور والزغاوي والمساليت وهاجمت أهدافًا حكومية.

وبعد شهرين ظهرت حركة العدالة والمساواة، وطالبتا سويًا بتوفير مزيد من الحماية لقبائلهم.

وواجهت الحركتين، بحسب منظمة العفو الدولية، اتهامات بارتكاب انتهاكات خطيرة بحق المدنيين والقرى المدنية واحتجاز رهائن بما فيهم عمال إغاثة.

قرر نظام البشير الرد عسكريًا آنذاك بعد هجوم لجيش تحرير السودان على مطار الفاشر قتل نحو 70 جنديًا، واستخدمت حينها مليشيات الجنجويد وهم بحسب وصف منظمة العفو الدولية في وقت ظهورها “أفرادا من جماعات البدو الرحل وقطاع الطرق”، وواصلت استخدامهم على مدار سنوات الصراع، ويواجه البشير حاليًا اتهامات بارتكاب جرائم حرب بسبب الفظائع المرتكبة خلال حرب دارفور آنذاك.

وبحسب “العفو الدولية” فقد سبق البشير في هذا التحرك، الرئيس الصادق المهدي الذي سلح قبائل زريقان ومسيرية في دارفور، كما تم تسليح قبائل الزغاوي خلال عهد الرئيس السوداني جعفر النميري، لتلعب دورًا في الحرب الدائرة بين تشاد وليبيا والتي انتهت في عام 1987.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version