في الوقت الذي تدور فيه المعارك في مدينة باخموت الأوكرانية، إلا أن معارك سياسية أخرى تدور في موسكو حول ما يجري في المدينة ذاتها.

زعيم مجموعة فاغنر الروسية، يفغيني بريغوجين تتكرر تصريحاته خلال الأسابيع الماضية والتي كان آخرها تحذيراته من ثورة محتملة مماثلة لتلك التي حصلت في 1917، ما لم تتعامل النخبة مع الحرب بجدية.

وأعلن بريغوجين، الخميس، بدء عملية “الانسحاب من مدينة باخموت الأوكرانية وتسليم مواقعهم إلى قوات روسية نظامية”، وهو ما أكدته وزارة الدفاع الأوكرانية أيضا.

وقال في تسجيل مصور: “نسحب الوحدات من باخموت.. معظم الوحدات ستعيد تمركزها في معسكرات في المؤخرة. نسلم مواقعنا للجيش”، مشيرا إلى أن قواته ستكون مستعدة للعودة إلى باخموت إذا لم يستطع الجيش النظامي السيطرة على الوضع.

من جانبها، أكدت نائبة وزير الدفاع الأوكراني، هانا ماليار، الخميس، هذه المعلومات وقالت إن “روسيا استبدلت قوات نظامية بوحدات مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة في ضواحي باخموت، لكن مقاتلي فاغنر ما زالوا داخل المدينة المدمرة”.

وكشفت معركة باخموت عن شقاق بين القوات المسلحة النظامية الروسية ومجموعة فاغنر التي يبث رئيسها رسائل صوتية ومرئية يومية تسخر من الجنرالات العسكريين في موسكو.

وأكد في رسائله خلال الأيام الماضية “إذا لم تكن قوات وزارة الدفاع كافية، فعندئذ لدينا الآلاف من الجنرالات، نحتاج فقط إلى تشكيل كتيبة من الجنرالات، أعطوهم جميعا أسلحة وسيكون كل شيء على ما يرام”.

“رأس حربة”

بريغوجين أمام عناصر من قوات فاغنر

الباحثة السياسية في معهد واشنطن المتخصصة بالشأن الروسي والأوكراني، آنا بورشفسكايا، قالت إن “مجموعة فاغنر استطاعت أن تحدد لنفسها أهمية في الحرب الأوكرانية، فمنذ بداية الحرب، كان الجيش الروسي هو من يقوم بكسب الأراضي، ولكن بعد بضعة أشهر أصبحت فاغنر الأكثر نشاطا في تحقيق الانتصارات لموسكو”.

وأوضحت في حديث لموقع “الحرة” أنه خلال فترات معينة “استخدم الجيش الروسي مجموعة فاغنر كرأس حربة لكسب الأراضي، ولكن انسحابه لا يعني أن الجيش الروسي لن يكون قادرا على الضغط والاستمرار في الحرب”.

الباحث السياسي الروسي المقيم في موسكو، أندريه أنتيكوف، قال في رد على استفسارات موقع “الحرة” إنه “لا توجد مؤشرات بأن مجموعة فاغنر ستنسحب من العمليات القتالية في أوكرانيا، ولكن ما يحدث أنه سيتم تسليم المناطق المحررة للجيش الروسي”.

وأعلن بريغوجين الاستيلاء على باخموت، الأسبوع الماضي، بعد خوض أطول معركة في الحرب وأكثرها دموية.

وذكر سيرهي تشيرفاتي، المتحدث باسم القيادة العسكرية الشرقية لأوكرانيا، أن عدد الهجمات الروسية في المنطقة انخفض خلال الأيام الثلاثة الماضية، وأنه كان هناك اشتباكان عسكريان خلال ساعة الماضية رغم استمرار القصف.

فيديو زعيم فاغنر الغاضب وحوله الجثث.. هل انفجر الصراع بين رجال بوتين؟

تتوالى تصريحات رئيس مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية، يفغيني بريغوجين، والتي كان آخرها طلب سحب مجموعته القتالية وتسليم موقعه للقوات الشيشانية التي تقاتل إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا، في خطوة احتجاجية منه على نقص الذخيرة، وهو ما يثير تساؤلات حول تماسك الجبهة الداخلية لقوات، فلاديمير بوتين، التي تواجه مصاعب في الغزو الذي تشنه على البلد الجار.

وأضاف “يمكننا بالتأكيد ملاحظة انخفاض الهجمات ربما بسبب ارتباط ذلك بإعادة تجميع صفوفهم. من الواضح أننا تسببنا في خسائر فادحة وهم بحاجة إلى ذلك” لإعادة تجميع صفوفهم.

ويرجح بأن “قوات فاغنر ستنتقل إلى مناطق أخرى للتحضير للمعارك والعمليات القتالية في أماكن أكثر خطورة”، مؤكدا أن أي انسحاب لا يمكن أن يتم من قبل قوات فاغنر من دون “موافقة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باعتباره قائد القوات المسلحة”.

مدير مركز “أوراس” للدراسات الإستراتيجية في كييف، أوراغ رمضان، أكد أن المشاركة العسكرية لمجموعة فاغنر الروسية في أوكرانيا لا يجب النظر إليها بعيدا عن أنها “شركة مقاولات عسكرية خاصة ولها أهداف ربحية بحتة، وهي بالنهاية تنفذ الخطط العسكرية التي رسمتها الجهات الرسمية”.

وأشعل الغزو الروسي لأوكرانيا، في عام 2022، أحد أكثر الصراعات دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية وأكبر مواجهة بين موسكو والغرب منذ أزمة الصواريخ الكوبية، عام 1962.

الضغط على موسكو

زعيم فاغنر ينسحب من باخموت خلال أيام. أرشيفية
زعيم فاغنر ينسحب من باخموت خلال أيام. أرشيفية

وهاجم بريغوجين وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، ورئيس هيئة الأركان الروسية، فاليري غيراسيموف، أكثر من مرة، وقال إنه يطلب الانسحاب من المناطق التي احتلتها قواته مبررا ذلك بـ “نقص الذخيرة” منذ وقت طويل، متهما رئاسة الأركان بتزويده فقط بـ 32 في المئة من الذخيرة المطلوبة، منذ أكتوبر الماضي.

ويتهم بريغوجين، منذ أشهر، هيئة الأركان الروسية بعدم إمداد مجموعته بكمية كافية من الذخائر لمنعها من تحقيق انتصار في باخموت يعجز عنه الجيش النظامي.

وتشرح بورشفسكايا أن بريغوجين يضغط في موسكو على الكرملين ووزارة الدفاع الروسية، لأنه يشعر بأن “التحشيد الذي حصل حتى الآن للحرب في أوكرانيا ليس كافيا”، مشيرة إلى أنه ينتمي إلى “القوميين اليمينيين المتطرفين” الذين أرادوا “تعبئة واسعة للحرب، حتى وإن كانت أكثر وحشية”.

وذكرت أنه لا يمكن النظر “للتوترات الحاصلة بين بريغوجين ووزارة الدفاع والكرملين بعيدا عما يحصل من توتر بين هذه الأطراف والتيار اليميني المتطرف في روسيا”.

وقال بريغوجين إن أوكرانيا تعد لهجوم مضاد يهدف إلى دحر القوات الروسية، إلى حدود ما قبل 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم. وأضاف أن أوكرانيا ستحاول محاصرة باخموت وشن هجوم في القرم.

وأضاف في مقابلة نشرت عبر قناته على تطبيق تيلغرام “على الأرجح لن يكون هذا السيناريو في صالح روسيا، لذلك نحن بحاجة للاستعداد لحرب شاقة”.

وقال: “نحن في وضع يمكن أن نخسر فيه روسيا، هذه هي المشكلة الرئيسية.. نحن بحاجة إلى فرض أحكام عرفية”.

زعيم فاغنر يعترف بمقتل 20 ألف عنصر من قواته في باخموت

قال رئيس مجموعة فاغنر الروسية، يفغيني بريغوجين، إن 20 ألفا من قواته قتلوا في معركة مدينة باخموت التي استمرت لأشهر واستنزفت القوة البشرية العسكرية الروسية.

ولا يرى الباحث أنتيكوف أن تصريحات بريغوجين المتكررة تشكل أي “ضغط على الكرملين”، متوقعا أن “الجانب الأوكراني يستغل ويروج مثل هذه التصريحات على أنها انتقادات”، ولكن الواقع على الأرض يكشف أن “قوات فاغنر كان لها تقدم واضح على الأرض في المعارك وهناك تنسيق عالي المستوى بينهم وبين وزارة الدفاع الروسية”.

وأكد أن قوات فاغنر هي “داعمة للجيش الروسي وليست بديلا عنه، وهي تشارك في المعارك على طول جبهات القتال في المدن الأوكرانية، ورغم أنها قوات خاصة، إلا أنها لا تنفصل عن كونها جزءا من القوات الروسية”.

بوتين و”القوات شبه العسكرية”

فاغنر تكبدت خسائر فادحة في الأشهر الأخيرة في محاولتها للسيطرة على باخموت

وأشار بريغوجين إلى أن النخبة الروسية تحمي أبناءها من المشاركة في الحرب، بينما يهلك أبناء عموم الشعب على الجبهة، وهو وضع قال إنه يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في روسيا.

وأكد أنه إذا استمر المواطنون العاديون في استلام جثامين أبنائهم بينما يستمتع أبناء النخبة بأشعة الشمس في رحلات بالخارج، فإن روسيا ستواجه اضطرابات على غرار، ثورة 1917، التي أشعلت حربا أهلية.

وإضافة للجيش الروسي، يمتلك بوتين ترسانة عسكرية تضم عدة قوات شبه عسكرية، ما يمكّنه من استخدامها دون تكبد تكاليف كبيرة ومحاولة التهرب قانونيا من أي مسؤولية عن ممارساتهم، بحسب بورشفسكايا.

وتضيف أن فاغنر واحدة من بين عدة ميليشيات شبه عسكرية روسية أو شركات خاصة تمتلك قوات خاصة، وعلى سبيل المثال فقد أنشات شركة “غازبروم” المملوكة للدولة شركة أمن خاصة بها منذ عدة أشهر، وهو ما يعني أنه بالنسبة لبوتين فإن فاغنر تعد “أداة مفيدة ومهمة” ولكنها قابلة للاستبدال بقوات شبيهة بها، ولكنها لن تشكل بديلا عن الجيش الروسي.

رغم تطاول زعيمها على القيادة العسكرية.. لماذا يحتاج بوتين إلى فاغنر؟

بحث تحليل لموقع “فورين آفيرز” في سبب حاجة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لمرتزقة فاغنر، والتي لا تسمح له بالتخلي عن خدماتهم رغم تهجمات قائدها، يفغيني بريغوجين، المتكررة، ضد قيادة الجيش الروسي، وذلك في غمرة معارك ضارية، تجري في باخموت، يبدو أنها تسير لصالح أوكرانيا.

ويتفق رمضان مع هذا الرأي، مؤكدا أن “فاغنر ليست بديلا للجيش الروسي لبوتين، إذ أن القوات الروسية مؤسسة عسكرية سيادية دستورية”، ولكن سيبقى هناك دور هام “لفاغنر في المعارك والعمليات الحربية، خاصة تلك التي تريد موسكو فيها التحايل على القانون الدولي حتى لا تتم محاسبتهم عليها”.

وأشار إلى أن موسكو أيضا تستخدم قوات فاغنر لأهداف داخلية في روسيا “إذ يتم وضعها في مقدمة المعارك أحيانا، حتى لا يقال إن القوات الروسية هي من تخسر أمام القوات الأوكرانية”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version