أديس أبابا- تصاعدت حدة المواجهات العسكرية بين الجيش الإثيوبي ومتمردي الفانو مؤخرا، في منطقة المَتَمة بإقليم أمهرة على الحدود مع السودان، ما أدى إلى نزوح سكان القرى في مناطق النزاع، جراء المواجهات العسكرية منذ مطلع الأسبوع الجاري، وهو ما فتح الباب أمام التكهنات والتوقعات والكثير من التحديات لسكان القرى والمناطق الواقعة على جانبي الحدود.

ويرجع المراقبون المخاوف حول الإقليم الذي يعد ثاني أكبر أقاليم إثيوبيا بعد أوروميا، إلى انتشار المليشيات وجماعات خارجة عن القانون وتنامي تجارة وتهريب السلاح بشكل واسع، خاصة مليشيات “فانو” التي تخوض صراعا مسلحا ضد الجيش الإثيوبي منذ عام، فضلا عما يتمتع به الإقليم وموقعه الإستراتيجي، حيث يحاذي السودان من الغرب والشمال الغربي وإريتريا شمالا، بجانب مجاورته 4 أقاليم بالبلاد.

توقف حركة السير في معبر القلابات الحدودي بين إثيوبيا والسودان إثر المواجهات (الجزيرة)

ماذا يجري بمنطقة المَتَمة في إقليم أمهرة؟

قالت مصادر مطلعة إن قوات مليشيات فانو شنت هجوما بالمدفعية الثقيلة على تجمعات ومعسكرات الجيش الفدرالي قرب مدينة المتمة المتاخمة للحدود السودانية، وسط مخاوف ورعب في مناطق القلابات وعطرب وكنينة السودانية جراء أصوات المدافع، مشيرة إلى أنه تم إجلاء عشرات الجرحى من الجيش الإثيوبي إلى ولاية القضارف السودانية.

وأشارت مصادر محلية تحدثت للجزيرة نت إلى أن المعارك على الحدود الإثيوبية مع السودان أدت إلى سقوط عشرات القتلى، قبل أن يعيد الجيش الإثيوبي سيطرته على المدينة الإستراتيجية والمعبر الحدودي مع السودان الذي لا يزال مغلقا. وكانت السلطات بالسودان قررت من جهتها إغلاق معبر القلابات الحدودي مع إثيوبيا.

وأوضح الباحث السوداني بالشؤون الأفريقية عباس محمد صالح، أن صراع الجيش الإثيوبي ومليشيات الفانو ظل طوال الفترة الماضية منخفض الحدة، وظل المتمردون يتبعون أسلوبا أقرب لنموذج “اضرب واهرب”، لاستنزاف القوات الحكومية وليس بهدف السيطرة على الأرض نظرا للطبيعة الجبلية المعقدة للمنطقة (إقليم أمهرة).

وقال صالح، للجزيرة نت، إنه مع تمدد التمرد إلى مناطق الحدود المكشوفة والمنبسطة وذات الأهمية العسكرية والسياسية لكونها حدودا دولية مع دولة مجاورة (السودان)، ينتقل بذلك الصراع إلى مستويات أخرى وأكثر خطورة على البلدين معا.

ويرى أن مثل هذا الوضع يساعد المتمردين في فتح نوافذ تواصل مع العالم الخارجي بهدف الحصول على الإمداد، رغم أن السودان لن يقدم أي دعم لهذه المليشيات التي تشكل تهديدا أمنيا خطيرا عليه أيضا.

لكن في المقابل، قلّل الكاتب والباحث الإثيوبي في الشؤون الأفريقية، عبد الشكور عبد الصمد، من مصداقية الأخبار المتداولة حول الأحداث الأخيرة، وقال إن الأخبار المتداولة لم تتحدث عن مصادر رسمية بإثيوبيا وأغلبها من وسائل التواصل الاجتماعي.

وأضاف للجزيرة نت أن بعض وسائل الإعلام العربية خاصة المحسوبة على “مصر”، تناولت الأخبار وسلطت عليها الضوء بصورة مقصودة وغير دقيقة.

ما أسباب تفجر القتال بين الحكومة والفانو؟

يعود اندلاع الصراع بين الحكومة المركزية التي يقودها حزب الازدهار برئاسة آبي أحمد الحليف السابق للأمهرة، والمعارضة السياسية لقومية الأمهرة بجانب مليشيات الفانو، إلى أبريل/نيسان 2023، عندما أعلنت الحكومة عن خطط لتفكيك القوات الخاصة الإقليمية في البلاد -وهي وحدات مسلحة أنشأتها حكومات الأقاليم منذ 16 عاما- ودمجها رسميا في الجيش أو الشرطة أو قوات الشرطة الإقليمية.

وهي خطوة عدها القوميون بأمهرة رغبة من قبل آبي أحمد في إضعاف منطقتهم، وبدؤوا بالتعبئة عبر وسائل الإعلام في الداخل والخارج، داعين إلى مظاهرات عدة في المدن الرئيسية اعتراضا على القرار، وتطورت الأحداث إلى أن فقدت حكومة الإقليم السيطرة.

ومطلع أغسطس/آب 2023 تحول التوتر إلى صراع مسلح، وأعلنت الحكومة الفدرالية حالة الطوارئ لمدة 6 أشهر، ووضعت الإقليم تحت قيادة عسكرية مسؤولة أمام رئيس الوزراء، يقودها نائبه المنحدر من الإقليم تمسقن طرونة، وتم تمديد حالة الطوارئ في فبراير/شباط الماضي، لمدة 4 أشهر إضافية انتهت هي الأخرى في يوليو/تموز الماضي.

من الفانو الذين يقاتلون الحكومة منذ عام؟

والـ”فانو” هي مليشيات عسكرية غير رسمية تنتشر بإقليم أمهرة شمالي إثيوبيا، وسبق أن شاركت إلى جانب الجيش الفدرالي الإثيوبي والقوات الخاصة للإقليم ضد جبهة تيغراي 2020-2022.

ومصطلح فانو ليس حديث النشأة، بل تضرب جذوره في التاريخ الاجتماعي لأمهرة، حيث يشير تاريخيا إلى دلالات مختلفة، منها ما يعني “الفلاح الحر الذي يقاتل دفاعا عن وطنه الأم إثيوبيا”، كما قام آخر أباطرة إثيوبيا هيلا سيلاسي بحشد هؤلاء المقاتلين في مواجهة الغزو الإيطالي للحبشة بين عامي 1936 و1941، وفق ورقة أعدها الباحث عبد القادر محمد علي، للجزيرة نت.

وتتبنى الجماعة الدفاع عن مظالم طويلة الأمد لدى شعب أمهرة، تمتد جذورها إلى التهميش المنهجي المستمر منذ عقود، وإلى عمليات القتل الجماعي والتهجير في أجزاء مختلفة من البلاد، وهي حركة لا مركزية.

ولم يتضح الحجم الحقيقي لقوة الفانو وحدود سيطرتها، لكن وفق معطيات سابقة للقوات الخاصة التي خدمت في إقليم أمهرة، فهي تضم نحو 10 آلاف مقاتل إلى جانب مئات المليشيات الأخرى التي كانت تنشط في الإقليم، ما يرجح تزايد قوتهم منذ اندلاع الصراع.

وفي منشور سابق لها، كشفت قوات فانو عن خطة عسكرية توضح توزيعات وإستراتيجية الجماعة التي قسمت تحركاتها بالإقليم إلى 4 محاور عسكرية هي غوجام الشمال الغربي، وغوندر في الغرب على الحدود مع السودان، ووللو شمال شرق المحاذي لإقليمي التيغراي والعفار، ومحور شوا المحاذي لإقليم أوروميا والعاصمة أديس أبابا.

جماعات الفانو شاركت بفعالية في مواجهة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي (الفرنسية)

كيف بدأ التصعيد الأخير؟

مع إكمال الأزمة عامها الأول، تصاعدت حدة المواجهات العسكرية في عدة محاور بين الجيش الإثيوبي والفانو التي عمدت إلى التصعيد، تزامنا مع تحركات سياسية ومبادرات أمنية وتنموية تقوم بها الحكومة لإنهاء الصراع.

وذكرت وسائل إعلام محلية قبل أسبوع، أن قوات فانو صعّدت من عملياتها في جميع المحاور العسكرية، فيما كشفت تقارير أخرى أن الحكومة نشرت قوة ضخمة في المنطقة الأسابيع القليلة الماضية بهدف القضاء على قوات فانو بشكل حاسم، وإن كانت الحكومة الإثيوبية عادة ما تلتزم الصمت في مثل هكذا تحرك.

ومنتصف أغسطس/آب الماضي، أعلنت حكومة الإقليم عن خارطة طريق تهدف لمعالجة التحديات الأمنية وتحقيق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي في الإقليم. وقال نائب رئيس الوزراء تمسغن طرونة إن خارطة الطريق تمثل خطوة مهمة نحو كسر حلقة الصراعات وبداية عصر جديد من الازدهار في الإقليم.

وخلال منتدى عقد بمدينة بحر دار حاضرة الإقليم، أشاد طرونة بجهود حكومة الإقليم في تطوير خارطة الطريق التي تهدف إلى تلبية تطلعات سكان الإقليم، لافتا إلى أن الخارطة تعتمد على تجارب دول أخرى نجحت في التغلب على أزمات مماثلة.

ولاية أمهرة الإثيوبية تحتل موقعا إستراتيجيا وتتصل بالحدود مع السودان (الجزيرة)

ما دوافع تصعيد الفانو في هذا التوقيت والمناطق؟

يسند الباحث محمد علي، تحركات الفانو إلى التصعيد الإقليمي بين مصر وإثيوبيا ورغبة الفانو للوصول إلى الحدود السودانية طمعا في فتح قناة تواصل مع قوى إقليمية تدعمها.

وقال “يهدف التحرك إلى مزيد من الضغط على الحكومة الإثيوبية، مستغلين انشغالها بما يحدث على جبهة الصومال واحتمالات تطور الأحداث فيها، وبالتالي الموارد العسكرية كلها ستحول إلى الحدود الصومالية في ظل هذا التوتر”.

وعدّ عبد الصمد التحركات الأخيرة للفانو في منطقة (المتمة – القلابات) ظهورا إعلاميا وإثباتا للوجود، حيث لم يستمر أكثر من نصف يوم.

ما تداعيات الصراع على سكان المناطق بجانبي الحدود؟

تأتي التطورات الأخيرة وسط مخاوف من الوضع الأمني والإنساني لآلاف اللاجئين السودانيين في معسكرات بإقليم أمهرة، ومخاوف على السكان الإثيوبيين بمناطق المواجهات، فضلا عن ما أفرزه الصراع الدائر بالإقليم من تحديات وأضرار على مستوى الجانبين من سقوط لمئات القتلى وآلاف الجرحى والنازحين.

وتعطلت حركة التجارة والسياحة والزراعة في معظم مناطق الإقليم، جراء قطع خدمات الاتصال والإنترنت لنحو عام كامل، مما شكّل ضغوطا واسعة على الحكومة الإثيوبية من قِبَل منظمات دولية ومحلية، قبل أن تتم إعادتها قبل أكثر من شهرين.

ويقول صالح إن تمدد النزاع سيقود إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية على جانبي الحدود خاصة وأن معبر “المتمة” ظل منذ اندلاع الصراع في السودان يعتبر المنفذ الوحيد الأسهل بالنسبة للسودانيين للسفر إلى الخارج، وسيفاقم الأوضاع في معسكرات اللاجئين السودانيين هناك، فضلا عن ازدياد وتيرة اللجوء والنزوح لأسباب أمنية على جانبي الحدود.

وفي السياق ذاته، ذهب محمد علي قائلا “مليشيات الأمهرة لها تاريخ غير مريح بالنسبة لسكان الفشقة السودانية”، مشيرا إلى احتمال تزايد عمليات اللجوء والنزوح خاصة إذا ما قررت الحكومة توسيع الهجوم على الفانو ومحاولة الوصول إلى الحدود السودانية.

ما السيناريوهات المتوقعة لمسار المواجهات؟

يفترض المحللون عدة سيناريوهات لما يمكن أن تؤول إليه المواجهات على الحدود السودانية الإثيوبية، ويتوقع محمد علي أن تذهب الأمور على هذا الحال، خاصة وأن المرحلة الحالية ستكون مرتبطة بما يحدث في الصومال، وبالتالي الحكومة الإثيوبية ليست في موقف تحسد عليه وأي تحول للتركيز من الجبهة الصومالية سيفهم أنه ضعف.

وأضاف “ربما تركز الحكومة على أعمال أمنية تستهدف الفانو وليست حملة عسكرية موسعة”. وأردف “يبدو أن علينا الانتظار حتى منتصف سبتمبر/أيلول ونتائج الوساطة التركية في الجولة الثالثة وما سيحدث فيها، وأعتقد أنها ستكون مؤشرا مهما في تحديد اتجاه الحكومة”.

ولم يستبعد عبد القادر أن تتواصل الحكومة الإثيوبية مع نظيرتها السودانية خاصة في ظل التطور الإيجابي في العلاقات خلال الفترة الماضية لمحاولة إغلاق الحدود أمام تسرب أي معدات أمنية أو لوجستية أو عسكرية أو أي نوع من أنواع الدعم إلى الفانو عبر الحدود السودانية.

أما الباحث صالح، فقد وضع سيناريوهات الحسم العسكري لأحد الطرفين أو التفاوض، وقال إن الذهاب نحو الحسم العسكري هو المرجح لأهمية مناطق الحدود بالنسبة للطرفين، بالتالي سوف تتصاعد حدة المواجهات بهدف تثبيت السيطرة على هذه المناطق، الى جانب سيناريو التفاوض.

وأوضح أنه قد يدفع تصاعد الصراع إلى دخول طرف ثالث كوسيط بهدف جر الأطراف إلى طاولة التفاوض للتوصل لتسوية تنهي الصراع، ولكن يتطلب تحسين المواقف الميدانية لكلا الطرفين مما يستدعي مستويات محددة من التصعيد العسكري.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version