مع انطلاق فعاليات اليوم الأول لقمة الويب، والتي بلغت نحو 250 فعالية، بدا واضحا أن الذكاء الاصطناعي يطغى على معظم ندواتها وجلساتها، كما بدا واضحا وجود معسكرين في هذا المجال، فهناك من يدافع عنه ويتحمس له، وهناك من يدعو إلى تنظيمه وتقنينه.

وكانت القمة افتُتحت الاثنين في العاصمة البرتغالية لشبونة. وتمكنت الجزيرة نت من حضور ومتابعة بعض أبرز فعالياتها وخرجت بالانطباعات التي نوردها في هذا التقرير.

كيف ننظم الذكاء الاصطناعي؟

ففي ندوة بعنوان “كيف ننظم الذكاء الاصطناعي؟”، عارض عالم الأبحاث الرئيسي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أندرو مكافي، فكرة تنظيم الذكاء الاصطناعي، واعتبر أن التنظيم يقف في طريق الابتكار.

وقال في ندوة صباحية في قمة الويب إن “القوانين تحمي بالطبع من الضرر والآثار السلبية، لكنها تقف أيضا في طريق الابتكار”. وانتقد الخبير بشكل خاص المجالات التي تم تعريفها على أنها قطاعات عالية المخاطر في قانون الذكاء الاصطناعي، مثل التعليم.

ووفقا له، فإن هذا التصنيف يجب أن ينطبق أكثر على مجالات مثل البيئة أو صحة الإنسان. وفي مجالات أخرى، ينبغي أن تظل القواعد التنظيمية مريحة.

ويرى مكافي أن هناك فريقين بهذا الشأن؛ أولئك الذين يؤيدون مزيدا من التنظيم الحكومي، وأولئك الذين يدعمون “الابتكار بدون إذن”، معتبرا أنه ينتمي بشكل مباشر إلى المعسكر الأخير، ويشير في الوقت ذاته إلى أن هناك بعض الاختلافات التي لا يمكن التوفيق فيها بين الاثنين.

لكنه في المقابل يرى أن الفريقين يتفقان على أن هناك الكثير على المحك حاليا، لأن الذكاء الاصطناعي “يغير عالمنا بشكل جذري” ووفقا لمكافي، فـ”الابتكار بدون إذن” لا يعني أنه لا ينبغي أن يكون هناك أي تنظيم على الإطلاق، حيث إن الأهم هو التعرف على السياق ووضع اللوائح في الوقت المناسب وبالقدر المناسب.

هل الذكاء الاصطناعي هو الصفقة الحقيقية أم مجرد ضجيج؟

من جهتها ترى ميريديث وايتيكر رئيسة شركة سيغنال (تطبيق للمراسلة المشفرة) والباحثة الأخلاقية في مجال الذكاء الاصطناعي، أن مصطلح الذكاء الاصطناعي ليس حديثا وإنما يعود إلى عام 1956، وتم تطبيقه على مجموعة غير متجانسة من التكنولوجيا في كثير من الحالات.

واعتبرت، في ندوة بعنوان “هل الذكاء الاصطناعي هو الصفقة الحقيقية أم مجرد ضجيج؟”، أنه مصطلح تسويقي أكثر منه تقني، وتساءلت: لماذا عاد هذا المصطلح إلى السطح الآن؟

وقالت إن إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون على وجه الخصوص فشلت في أواخر التسعينيات في تنظيم نموذج الأعمال التجارية والمراقبة عبر الإنترنت والذي يتيح المراقبة عبر الإعلانات، لذلك فإن الشركات التي كانت قادرة على تبني هذا النموذج تمكنت من ترسيخ نفسها كشركات مهيمنة وأصبحت تتمتع بمواد هائلة من البيانات الحاسوبية والشبكات الضخمة مع أسواق هائلة تمكنها من سحب البيانات منها باستمرار والدفع بالمنتجات والخدمات استنادا إليها، وهذه هي بالضبط الموارد التي تم الكشف عنها في عام 2012 لتكون حاسمة في إحياء الذكاء الاصطناعي هذا.

وأضافت وايتيكر التي خدمت في شركة غوغل لمدة 13 سنة، أن الذكاء الاصطناعي يتطلب كميات هائلة من البيانات التي تقود بدورها دورة الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي أصبح قوة مركزة تراكمت في أيدي حفنة من الشركات عبر احتكارها لنموذج أعمال المراقبة.

من ناحية ثانية، قالت الباحثة الأخلاقية، إن الذكاء الاصطناعي لا يحل محل العمال بقدر ما يوفر لأصحاب العمل “ذريعة لتدهور ظروف عمل العمال الذين يديرون أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه”، مشيرة إلى أنها لا تنظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره تقنية سحرية تحل محل العمال.

الذكاء الاصطناعي والصحافة

وفي ندوة أخرى بعنوان “الذكاء الاصطناعي في الصحافة: الآفاق والصعوبات”، شارك فيها إيثان ستيفانوبولوس المسؤول الرقمي الرئيسي في شبكة سي إن إن، وإد فريزر مدير تحرير القناة الرابعة في المملكة المتحدة؛ يعتقد الطرفان أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل الصحفيين، بل سيساعدهم على أداء المهام “المعتادة”، بحيث يكون لديهم المزيد من الوقت للقيام بما يجيدونه وهو “إعداد التقارير”.

كما يريان أن من بين الأمور التي يمكن أن يساهم فيها الذكاء الاصطناعي تسجيل المقابلات، وتوفير زوايا لإجراء تحقيق أو تقرير، وإنشاء الرسوم البيانية وغيرها من أشكال الدعم البصري للمعلومات.

وبهذه الطريقة، ستعمل منصات الذكاء الاصطناعي مثل “تشات جي بي تي” بمثابة “مساعد الطيار” في جمع المعلومات، بحسب ستيفانوبولوس. كما أشار إد فريزر أيضا إلى أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساعد كذلك “فرق البحث”.

لكن مدير تحرير القناة الرابعة حذر في المقابل بأن أحد المجالات التي لا يجب الاعتماد فيها على الذكاء الاصطناعي هو التوثق من الحقائق، حيث إنه في هذا المجال “لا يمكننا إخراج البشر من هذه المعادلة”.

الحقيقة في عصر الذكاء الاصطناعي

من الندوات الأخرى التي تابعتها الجزيرة نت، واحدة بعنوان “الحقيقة في عصر الذكاء الاصطناعي.. هل يمكننا تحصين وسائل الإعلام؟”، وتحدثت فيها مانويلا كاسبر كلاريدج رئيسة تحرير موقع دويتشه فيله الألماني.

تقول كلاريدج إن تحصين الحقيقة يكون بتدريب الصحفيين وتقديم التوجيه لهم، وبالتالي الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بطريقة معقولة تضمن وصول الحقيقة للجمهور، مشيرة إلى التطور السريع للذكاء الاصطناعي بحيث أصبح بالإمكان إنتاج فيديو لشخص يتحدث أكثر من لغة، وكأنه حقيقة.

وأضافت أن علينا التأقلم مع التقنية ومواكبة التطور وتبني الأساليب الجديدة التي ستأتي بها مستقبلا، لكن مع الالتزام بالحقائق، وهذا يكون بالتدريب والإرشاد، مشيرة إلى أن الأمر ليس عملا فرديا وإنما يتطلب تكاتف الجميع لتحقيقه.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version