تواجه زراعة الأرز ومختلف المحاصيل الزراعية الرئيسية تحديات كبرى خلال الأعوام المقبلة، بسبب التغيرات المناخية التي لم يستطع العالم السيطرة عليها بعد، والتي تسبب عددا من الظواهر الجوية المتطرفة

يمثل الأرز جزءا أساسيا من وجبات البشر حول العالم، وخلال العام 2021-2022 زاد الاستهلاك العالمي لهذا المحصول الإستراتيجي ليصل إلى نحو 520 مليون متر مكعب مقابل نحو 437 مليونا في العام 2008-2009.

وتواجه زراعة الأرز ومختلف المحاصيل الزراعية الرئيسية تحديات كبرى خلال الأعوام المقبلة، بسبب التغيرات المناخية التي لم يستطع العالم السيطرة عليها بعد، والتي تسبب عددا من الظواهر الجوية المتطرفة، مثل ارتفاع درجة الحرارة الشديد أو انخفاضها، إلى جانب السيول والجفاف.

وقد دفع ذلك الأمر بعض باحثي جامعة بكين الصينية إلى دراسة تأثير إحدى تلك الظواهر -وهي الأمطار الغزيرة- في كمية ناتج محصول الأرز الإجمالي في البلاد، ونشرت نتائج هذه الدراسة في دورية “نيتشر فود” (Nature Food) في الرابع من مايو/أيار الحالي.

ظاهرة مناخية مهملة

وأشار فريق الباحثين إلى وجود دراسات عدة سابقة تعنى بتأثير الظواهر الجوية المختلفة في إنتاج المحاصيل الزراعية لعل أهمها ارتفاع درجة الحرارة الشديد والجفاف، لكن تلك الدراسات أهملت التحقق من تأثير الأمطار الغزيرة في تلك المحاصيل، وأشارت بعض الدراسات إلى أن نحو ثلث الإنتاج الزراعي العالمي تأثر بفعل التغيرات المناخية.

ونظرا لأهمية محصول الأرز الذي يمثل مصدرا رئيسيا للسعرات الحرارية لنحو 50% من سكان العالم وضرورته لدولة الصين التي يتخطى تعدادها السكاني المليار نسمة اتجه الباحثون إلى دراسة تغير معدل إنتاج الأرز في الدولة خلال العقدين الأخيرين.

ووفقا للتقرير المنشور في منصة “فيز دوت أورغ” (Phys.org) عن الدراسة، صمم الباحثون بعض التجارب التي تهدف إلى التنبؤ بتغير كمية ناتج الأرز المزروع بسبب تعرضها للأمطار الغزيرة، وتحليل ذلك التأثير في مراحل النمو المختلفة للمحصول.

نتائج تستدعي الحذر

وأكدت نتائج الدراسة انخفاض معدل إنتاج الأرز الفعلي في الصين بنحو 8.3% خلال الأعوام العشرين الأخيرة، وأشارت التنبؤات المستقبلية إلى احتمالية فقدان نحو 8% إضافية من الناتج الإجمالي لمحصول الأرز بحلول عام 2100، وذلك في ظل زيادة درجة حرارة كوكب الأرض المقدرة بنحو 2 إلى 3 درجات مئوية.

وفي تقرير نشره موقع “نيو ساينتست” (New Scientist) أعربت جن فو الباحثة الرئيسية للدراسة عن خطورة الأمطار الغزيرة على إنتاج المحاصيل الزراعية، وقالت إن “الأمطار الغزيرة كارثة يتجاهل الكثيرون تأثيرها في الأمن الغذائي العالمي، لكنها قد تسبب مشكلة كبرى”.

ورغم قدرة الأرز على التعامل مع كميات المياه الكبيرة فإنه قد يتضرر جراء الأمطار الغزيرة لسببين: الأول انخفاض مستوى النيتروجين الموجود بالتربة نتيجة زيادة كمية المياه المفرطة، مما يعني بطء نمو المحصول وانخفاض إنتاجيته، والآخر تلف الزهور الرقيقة بفعل المياه الغزيرة، الأمر الذي يعوق إنتاج الحبوب، مما يؤدي أيضا إلى نقص الغلة.

وقد أشارت نتائج الدراسة أيضا إلى احتمالية انخفاض محصول الأرز في عدد من دول جنوب شرق آسيا، لأنه من المتوقع أن تشهد هذه المناطق أمطارا أكثر غزارة مقارنة بحدة الأمطار في الصين.

صعوبة توقع تأثير التغيرات المناخية مستقبلا

ونشر جوناثان بروكتور عضو مركز البيئة ومبادرة علوم البيانات في جامعة هارفارد مقالا توضيحيا بدورية “نيتشر فود” تحدث خلاله عن نتائج الدراسة الصينية، مشيرا إلى أن تأثير الأمطار الغزيرة في نمو المحاصيل يتساوى تقريبا مع تأثير ارتفاع درجات الحرارة.

وأكد بروكتور أنه رغم التطور التكنولوجي المصاحب لدراسات المناخ والزراعة فإنه لا يزال من الصعب التنبؤ بتأثير التغيرات المناخية الحقيقي في إنتاج الطعام عالميا، نظرا لتأثر المحاصيل بعدد من العوامل، مثل درجات الحرارة وشدة الأمطار ومقدار التلوث وسرعة الرياح ودرجة الرطوبة.

وحتى الآن لا يمكن التعرف على تأثير هذه العوامل مجتمعة، ولا كيف يتفاعل كل عامل منها مع الآخر، لذا من الضروري الحرص على قياس تأثير هذه العوامل المختلفة في الإنتاجية الزراعية بالدول المتوقع تأثرها سلبا بالتغيرات المناخية، خاصة في الدول النامية التي لا تقدم أرقاما كافية توضح مدى تضرر الزراعة فيها.

بدورها، أشارت فو إلى أهمية إجراء مزيد من الدراسات مستقبلا للتوصل إلى سبل تكيف المزارعين مع الأمطار الغزيرة، وذلك عبر زراعة الأرز في المناطق المتوقع أن تشهد أمطارا أقل، أو زيادة استخدام المخصبات النيتروجينية لتعويض فقدانها الناتج عن الأمطار، أو زراعة الأرز مع بعض المحاصيل الأخرى، مثل القمح.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version