كشفت دراسة حديثة عن كمية التسريبات الإشعاعية التي يصدرها الجيل الثاني من كوكبة الأقمار الصناعية التابعة لستارلينك، والتي تتجاوز 30 ضعف ما كان يطلقها الجيل السابق، وفي ظل استمرار إرساء مزيد من هذه الأقمار الصناعية في الفضاء القريب من الأرض، فمن الممكن أن يعوق هذا الأمر الفلكيين في مراقبة الفضاء.

يمثل مشروع ستارلينك أحد المشاريع الأساسية التي تعمل عليها شركة سبيس إكس، وقد بدأ العمل على إرسال أول دفعة من الأقمار الصناعية منتصف عام 2019، ووصل مجموع ما أرسلته الشركة حتى سبتمبر/أيلول الماضي 6426 قمرا صناعيا.

إنترنت بلا حدود.. ما لا تعرفه عن مشروع ستارلينك

مخاوف من اللحظة الأولى

ومنذ اللحظة الأولى، عبّر الاتحاد الفلكي الدولي عن مخاوفه إزاء إرسال أقمار صناعية بأعداد كبيرة في المجال الفضائي القريب، قائلا إن هذه الأقمار الصناعية تشكل تهديدا كبيرا للبنى التحتية الفلكية المهمة الحالية والمستقبلية، وقد حثّ البيان آنذاك على أن يتخذ صناع القرار خطوات حازمة ومنسقة لدراسة مدى التأثير السلبي الناتج.

وقد عكفت بعض الأبحاث على دراسة التأثير السلبي الناتج عن انتشار الأقمار الصناعية، وصدرت في يوليو/تموز 2023 دراسة تشير إلى حجم تسريب الأشعة الكهرومغناطيسية، وتظهر هذه الأشعة على شكل موجات راديوية، تنبعث في اتجاهات متعددة خلال إرسال الأقمار الصناعية الإشارات إلى الأرض.

وخلص الباحثون إلى أن هذه الترددات الراديوية تشبه الأشعة التي تنبعث من الأجرام الكونية البعيدة، مثل النجوم والثقوب السوداء والنجوم النابضة، ومن الممكن أن تتداخل هذه الأشعة وتشوش على الفلكيين عملهم في مراقبة الأجرام السماوية.

وخلال العام ونصف العام الماضيين، عملت سبيس إكس على استبدال الأقمار الصناعية القديمة من الجيل الأول لتحل محلها أخرى جديدة من الجيل الثاني، وشهد أوّل إطلاق للجيل الثاني مطلع عام 2023، وقالت الشركة إنها أصغر حجما وأكثر قوة وقابلية للمناورة مقارنة بأسلافها، ولم يكن معروفا حينها إذا ما كانت الشركة قد عالجت مسألة تسرب الأشعة الراديوية أو لا.

تفاقم المشكلة وعلماء يحذرون من تلوث فضائي

بعد إطلاق الإصدار الجديد من الأقمار الصناعية، عمل مجموعة من الباحثين على دراستها مستخدمين أقوى تلسكوب أرضي قادر على التقاط الأشعة الراديوية في الفضاء، وهو تلسكوب “لوفار” الراديوي، وهو شبكة من أطباق الراديو تمتد عبر 8 دول أوروبية.

وأظهرت النتائج أن كمية الأشعة المسربة تضاعفت على نحو مقلق بـ32 مرّة، وذلك عند عقد مقارنة بين الجيلين الأول والثاني من أقمار ستارلينك الصناعية، وفقا للدراسة المنشورة في دورية “أسترونومي آند أستروفيزكس” سبتمبر/أيلول 2024.

ويحذر الباحثون من أن تسرب الإشعاع من الأقمار الصناعية الجديدة، إلى جانب العدد الكبير من الأقمار الصناعية المتوقع أن تدخل مداراتها السنوات القادمة، قد يلحق ضررا بالغا بقدرة التلسكوبات الراديوية على رصد الموجات وتمييزها، ومن ثم عرقلة البحث العلمي الفلكي.

خطر قد يعصف بنافذة الأرض إلى الكون

وأوضح عالم الفلك في المعهد الهولندي والمؤلف الرئيسي للدراسة سيس باسا، في بيان صحفي رسمي، أن الإشعاعات المنبعثة من أقمار الجيل الثاني تعد أكثر سطوعا بما يصل إلى 10 ملايين مرة مقارنة بأكثر الأجرام السماوية خفوتا التي يمكن رصدها في السماء، وشبه الباحثون هذا الفارق بتباين سطوع أضعف النجوم المرئية بالعين المجردة مع سطوع القمر الكامل حينما يكون بدرا، مما يبرز مدى خطورة التداخل الذي تسببه هذه الأقمار الصناعية على الأرصاد الفلكية.

كما حذر عالم الفلك فيديريكو دي فرونو، المؤلف المشارك للدراسة من المعهد الهولندي لعلم الفلك الراديوي، من “أننا قد نقترب بسرعة من نقطة تحول لا رجعة فيها، حيث يفقد علماء الفلك القدرة على دراسة الكون بسبب الإشعاعات الكهرومغناطيسية غير المستقرة المنبعثة من الأقمار الصناعية، وعلينا اتخاذ إجراءات عاجلة بهذا الشأن”.

ووفقا للخطة المتبعة، فإن وتيرة انتشار أقمار ستارلينك تتصاعد على نحو متسارع، إذ أُطلق أكثر من 1300 قمر صناعي عام 2024 وحده، كما أن هناك أقمارا صناعية أخرى تابعة لشركات عالمية مثل أمازون والحكومة الصينية بدأت الدخول على خط صناعات الفضاء والإنترنت الفضائي، ويقدّر الباحثون أن عدد الأقمار الصناعية في المدار القريب من الأرض قد يصل إلى 100 ألف قمر بنهاية هذا العقد.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version