في مسلسل الخيال العلمي الأميركي “ستار تيك” الذي عُرض في ستينيات القرن الماضي، جُهزت  المركبة الفضائية “إنتربرايز يو إس إس” بتكنولوجيا متقدمة قادرة على مراقبة صحة الطاقم في الوقت الفعلي، وتوفير التشخيص، وحتى تنفيذ الإجراءات الطبية بشكل مستقل.

واليوم نجح فريق من جامعة “واترلو” الكندية، في تحويل هذا الخيال العلمي إلى واقع باستخدام تكنولوجيا الرادار لمراقبة صحة الناس أثناء القيادة، مما يحول سيارة أو شاحنة عادية إلى مركز طبي متنقل، ونُشرت تفاصيل هذا الإنجاز في ورقة بحثية بدورية “ترانسكشن أون إنسترومينتيشن آند مجمينت”.

استشرَف مسلسل “ستار تيك” المستقبل بتنبئه بقدرة أجهزة الاستشعار على التشخيص، وكانت المركبة الفضائية “إنتربرايز يو إس إس” تضم أجهزة استشعار متطورة وأنظمة ذكاء اصطناعي لمراقبة العلامات الحيوية في الجسم، والكشف عن المشكلات، وتقديم الرعاية الطبية حسب الحاجة. وبالمثل، طور الباحثون في جامعة “واترلو” نظاما يدمج تكنولوجيا الرادار مع الذكاء الاصطناعي لمراقبة صحة الركاب داخل المركبات، وتكتشف أجهزة استشعار الرادار الحركات الدقيقة مثل التنفس ونبضات القلب، بينما يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل هذه البيانات لتحديد الحالات الصحية المحتملة.

كيف يعمل؟

ووفق ما جاء في الدراسة فإن النظام الجديد الذي طوره الباحثون يمر بعدة خطوات، وهي:

  • أولا: دمج تقنية الرادار في مقصورة السيارة، والجهاز المستخدم أصغر من محرك أقراص “يو إس بي”، ويصدر إشارات داخل المقصورة.
  • ثانيا: تنتشر إشارات الرادار عبر المقصورة وتتفاعل مع الركاب، وعندما تواجه هذه الإشارات اهتزازات بشرية مثل تلك الناتجة عن التنفس أو نبضات القلب، فإنها تنعكس مرة أخرى إلى الرادار.
  • ثالثا: يقوم الرادار بجمع الإشارات المنعكسة والتي تحتوي على معلومات عن تحركات الركاب، وخاصة فيما يتعلق بجهازهم التنفسي والقلب والأوعية الدموية، ثم تعالج هذه البيانات لمزيد من التحليل.
  • رابعا: يقوم نظام الذكاء الاصطناعي المتكامل مع تقنية الرادار بتحليل البيانات المجمعة، ويتدرب على تفسير بيانات الرادار لتحديد الأنماط المرتبطة بالحالات الصحية المختلفة.
  • خامسا: يتعرف نظام الذكاء الاصطناعي المدرب على بيانات الرادار التي تشير إلى التغيرات في أنماط التنفس أو إيقاعات القلب، وقد تشير هذه التغييرات إلى مشاكل صحية محتملة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية (على سبيل المثال: عدم انتظام دقات القلب، بطء القلب) أو أمراض الجهاز التنفسي (مثل تسرع التنفس، بطء التنفس، انقطاع النفس).
  • سادسا: بناء على قراءة البيانات يقوم نظام الذكاء الاصطناعي بإجراء تفسيرات طبية، وتحديد الحالات الصحية المحتملة، وتتضمن هذه الخطوة ربط المؤشرات الحيوية المكتشفة بالأمراض المعروفة.
  • سابعا: يرسل النظام التقارير الصحية مباشرة إلى الهاتف المحمول الخاص بالفرد من أجل المراجعة، والتوجه إلى أقرب مركز طبي إذا كانت هناك حاجة لذلك.

تقييم شامل للدقة

واختبر الباحثون دقة هذا النظام عبر تقييم شامل باستخدام مزيج من عمليات المحاكاة والاختبارات العملية، ففي عمليات المحاكاة وُجّه الأشخاص المشاركون في الاختبار لتقليد أعراض أمراض الجهاز التنفسي عن طريق تغيير أنماط تنفسهم، فعلى سبيل المثال، ربما طُلب منهم حبس أنفاسهم أو أخذ أنفاس سطحية لمحاكاة ظروف معينة.

وجمع نظام الرادار البيانات خلال عمليات المحاكاة، مما سمح للباحثين بتقييم قدرته على اكتشاف وتفسير التغييرات بدقة في أنماط التنفس المرتبطة بحالات الجهاز التنفسي المختلفة، ويوفر اختبار المحاكاة ظروفا خاضعة للرقابة لتقييم أداء النظام في اكتشاف مشكلات الجهاز التنفسي.

وبالإضافة لاختبار المحاكاة، أجرى الباحثون اختبارات عملية على الأفراد الذين يعانون من أمراض القلب المعروفة، وراقبوا الأفراد الذين يعانون من أمراض القلب باستخدام نظام الرادار أثناء وجودهم في السيارة.

وجمع النظام بيانات عن ضربات القلب وغيرها من المعالم الفسيولوجية ذات الصلة، وحلل الباحثون تلك البيانات التي جُمعت لتحديد ما إذا كان النظام قد اكتشف بدقة وحدد وجود أمراض القلب في سيناريوهات العالم الحقيقي.

وسمح هذا الاختبار العملي للباحثين بالتحقق من صحة أداء النظام في اكتشاف وتفسير المشكلات الصحية الفعلية التي يعاني منها الأفراد.

ومن خلال الجمع بين عمليات المحاكاة والتجارب الحقيقية التي تشمل أفرادا يعانون من حالات صحية معروفة، تمكن الباحثون من إجراء تقييم شامل لدقة وفعالية نظام المراقبة الصحية القائم على الرادار.

هدف مباشر.. أغراض مستقبلية

عن الهدف من هذا النظام، يقول الأستاذ المساعد بقسم الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسبات بجامعة “واترلو” الدكتور جورج شاكر في بيان أصدرته الجامعة: “هناك هدف وقتي يتمثل في استغلال الوقت الذي يقضيه الأشخاص في سياراتهم لجمع بيانات عن صحتهم، وإجراء تحليل دقيق وعلاج استباقي دون الحاجة إلى أي نوع من الأجهزة القابلة للارتداء”.

ويضيف أن “هناك هدفا أبعد يتمثل في توسيع قدرات هذا النظام لتعزيز التكنولوجيا الخاصة بمراقبة الصحة العامة ورفاهية جميع ركاب السيارات، وإجراء التشخيص، وإنشاء تقارير طبية شاملة، والمساعدة في الاتصال عند حالات الطوارئ أثناء الحوادث”.

وبدوره، أثنى مدير برنامج الذكاء الاصطناعي بجامعة النيل الأهلية في مصر على هذا النظام المبتكر، لكنه شدد في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت” على أن التوسع في تنفيذه يحتاج إلى تجارب طويلة المدى تُجرى على عدد كبير من المرضى وفي ظروف بيئية مختلفة للإجابة على بعض التساؤلات، لضمان استقرار النظام في أداء عمله بكفاءة.

كما يؤكد أهمية مناقشة الأسئلة التالية:

  • هل يمكن للتداخلات الناتجة عن العوامل الخارجية مثل اهتزازات المركبات وضوضاء الطريق التأثير في دقة بيانات الرادار؟
  • وهل نماذج الذكاء الاصطناعي التي تعالج بيانات الرادار، تأخذ في الاعتبار الاختلافات في علم وظائف الأعضاء الفردية والعوامل البيئية؟
  • وهل تتأثر دقة نظام الرادار مع مرور الوقت بعوامل مثل التغيرات في درجات الحرارة؟
  • وكيف تختلف دقة النظام في ظل ظروف القيادة المختلفة، مثل اختلاف السرعات وظروف الطريق وأنواع المركبات؟
شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version