مجددا، عاد الحديث عن تأثيرات زلازل تركيا على العالم العربي، وتحديدا الدول القريبة من صدع البحر الميت، وذلك بعد الزلزال الجديد الذي شهدته تركيا، وشعرت به مناطق من سوريا، الأربعاء 16 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وبعد مرور نحو 17 شهرا على زلزال العام الماضي (فبراير/شباط 2023)، الذي كان مصدره صدع شرق الأناضول، ووصف بأنه “الأقوى في الألفية الجديدة”، كشفت دراسة لباحثين أتراك -نشرتها دورية “ساينتفيك ريبورتس”- عن تأثيرات محتملة لهذا الزلزال على صدع البحر الميت، بسبب ما تعرف بـ”عملية نقل الإجهاد”، وعاد الحديث مجددا عن هذه التأثيرات بعد زلزال الأربعاء، الذي كان مصدره الصدع نفسه.

ويطلق الصدع الذي ينزلق الطاقة المخزنة خلال تلك العملية، مما يخفف الضغط عليه، ويعيد توزيع الإجهاد على المناطق المجاورة، ويمكن للإجهاد الذي تم إطلاقه أن “ينتقل” إلى أجزاء صدع أخرى قريبة أو حتى صدوع بعيدة، وإذا تراكمت بالفعل الضغوط، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث زلزال جديد.

وكشفت الدراسة التركية عن أن التمزق الذي أحدثه زلزال السادس من فبراير/شباط 2023 توقف في بحيرة أميك القريبة من الطرف الشمالي لصدع حاج باشا، الذي ينتمي لمنطقة صدع البحر الميت، وهو ما يثير -وفق تلك الدراسة- مخاوف من أن تصبح تلك المنطقة نقطة ضعف تتسب في وقوع زلزال في هذا الطرف الشمالي، ويمتد تأثيره إلى الطرف الجنوبي من صدع البحر الميت، حيث توجد دول سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والسعودية.

مخاوف ليس لها مبرر

يقول الدكتور عبد العزيز محمد عبد العزيز، أستاذ هندسة الاستكشاف وتقييم الطبقات بقسم هندسة البترول في كلية الهندسة جامعة القاهرة، “حتى نفهم عملية نقل الإجهاد، تخيل صخرة تضرب جانب نافذة سيارتك؛ عند نقطة الاصطدام، يتكون شق صغير، ولا يبقى الإجهاد الناتج عن هذا الاصطدام في المكان الذي ضربته الصخرة فقط، بل تنتشر الطاقة، مما يتسبب في انتقال الشقوق إلى أماكن أخرى، وإذا كانت النافذة بها بالفعل نقاط ضعف أو شقوق أصغر، فقد تكون هذه المناطق أكثر عرضة للكسر بشكل أكبر من التأثير الأولي”.

وبالمثل، عندما يحدث زلزال على صدع ما، فإن الإجهاد الذي تم إطلاقه من هذا الزلزال لا يظل محصورا، بل ينتشر إلى الصدوع القريبة، والتي قد يحدث فيها تراكم للضغوط والإجهادات، وتكون أكثر عرضة للتمزق عندما ينتقل الإجهاد إليها من الزلزال القريب الذي سبق نشاطه.

ويضيف عبد العزيز أن “الدراسة التركية كانت تخشى من أن تصبح المنطقة التي توقف عندها التمزق مصدرا لزلزال يمتد تأثيره للجزء الجنوبي من فالق البحر الميت، وهذا قد يحدث أو لا يحدث بناء على حدوث تراكم للإجهادات أكبر من قدرة الصخور على تحمله، ولكن في كل الأحوال، فإن زلزال الأربعاء حدث في منطقة مختلفة من صدع شرق الأناضول، ويبدو أنها كانت، وفق مثال زجاج السيارة، ضعيفة بما يكفي، مما أدى لحدوث الزلزال”.

ومثل زلزال السادس من فبراير/شباط 2023، وقع الزلزال الجديد على طول منطقة صدع شرق الأناضول، وهو صدع انزلاقي يساري يبلغ طوله حوالي 700 كيلومتر يمتد من ساحل البحر الأبيض المتوسط في الجنوب الغربي إلى تقاطعه مع صدع شمال الأناضول في الشمال الشرقي.

وفي عام 2023، انزلق النصف الجنوبي الغربي من هذا الصدع حتى 8 أمتار، في صدع تسبب في الزلزال الذي كان بقوة 7.8 درجات، و تبع ذلك بعد ساعات زلزال 7.6 درجات، الناتج عن تمزق صدع سورجو إلى الشمال الغربي، ووقع الزلزال الأخير (6 درجات) شرق طرفي هذين الصدعين.

ويقول عبد العزيز “يمكن تفسير هذا الزلزال من خلال سلوك الانزلاق الذي أشارت له عديد من الدراسات، ولكنه أبعد ما يكون عن إثارة المخاوف المتعلقة بفالق البحر الميت التي كانت قد أشارت لها الدراسة التركية”.

ومن أشهر الدراسات التي تناولت سلوك الانزلاق، تلك التي نشرها توم بارسونز من هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، وكانت تحذر من أن زلزال إزميت الشهير عام 1999، الذي وقع بصدع شمال الأناضول، زاد من الضغط على الصدوع الأقرب إلى إسطنبول.

وقالت الدراسة إن هناك احتمالا بنسبة 62% لحدوث اهتزازات قوية في إسطنبول على مدى السنوات الـ30 القادمة، واحتمال بنسبة 32% على مدى العقد القادم، بسبب زلزال أزميت.

منطقة تعويض الحركة

ويتفق زكريا هميمي، نائب رئيس الاتحاد الدولي لأخلاقيات علوم الأرض وأستاذ الجيولوجيا بجامعة بنها، مع التحليل المطمئن الذي ذهب إليه عبد العزيز، لكنه أضاف سببا آخر للطمأنينة بشأن تأثيرات زلزال تركيا الجديد على صدع البحر الميت.

ويقول هميمي للجزيرة نت إن “فالق البحر الميت تعتبره بعض الدراسات جزءا من فالق شرق الأناضول، لذلك فإن أي زلزال في شرق الأناضول قد يسبب بعض الزيادة في الضغط على صدع البحر الميت، لكن من غير المحتمل أن يكون هذا الضغط كبيرا بما يكفي لإثارة زلازل إضافية، لأن هذا الصدع منطقة لتخفيف الضغط، وليس تراكمه، وهذه سمات ما يطلق عليها (منطقة تعويض الحركة)”.

ويشير مصطلح “منطقة تعويض الحركة” إلى المناطق التي تعمل فيها الصدوع الجيولوجية أو الحدود التكتونية على تعديل الحركة بين صفيحتين تكتونيتين رئيسيتين أو نظامين للصدوع، وفي حالة صدع البحر الميت، تعمل هذه المنطقة على تعويض الفرق في الحركة بين الصفيحة العربية والصفيحة الأفريقية، مما يساعد على استيعاب الحركات النسبية لهذه الصفيحات على مدى ملايين السنين.

ويوضح هميمي أن “صدع البحر الميت جزء من الحدود التكتونية الأوسع بين هاتين الصفيحتين، وهو يستوعب الحركة الشمالية للصفيحة العربية بالنسبة للصفيحة الأفريقية، ويحدث تعويض الحركة عندما يمتص الصدع القوى التكتونية ويعدلها من خلال السماح للصفيحتين بالتحرك بجانب بعضهما بعضا بطريقة الانزلاق (الحركة الأفقية)، وتعمل هذه العملية على تخفيف الضغط الذي قد يتراكم ويسبب زلزالا”.

ويضيف: “أي أن هذا الصدع يساعد في موازنة أو تعديل الحركات التكتونية النسبية والضغط بين الصفيحتين العربية والأفريقية، وبالتالي تلعب هذه المنطقة دورا رئيسيا في تقليل التوتر ومنع التحولات الكبيرة التي قد تؤدي إلى أحداث تكتونية أو زلازل أوسع نطاقا”.

ويؤيد ما ذهب إليه هميمي دراسة نشرت العام الماضي بدورية “ساينس”، وقادها الأستاذ بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (كاوست) سيجورجون جونسون، إذ خرجت برسالة مغايرة تماما للدراسة التركية، وهي أن “الضغوط التي تعرض لها صدع البحر الميت ليست كبيرة بما يكفي لإثارة زلازل”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version