استخدم الناس على مدى قرون أشكالا مختلفة من جوازات السفر أثناء تنقلهم من دولة إلى أخرى، لكن توحيد جوازات السفر على نطاق واسع كما نعرفها اليوم لم يبدأ إلا بعد الحرب العالمية الأولى عندما كانت تلك الجوازات تُستخدم إجراء أمنيا يهدف لمنع دخول الجواسيس إلى البلاد، واليوم يعتبر البعض أن جوازات السفر الحالية قد عفا عنها الزمن ولا تناسب العصر الحالي.

يعرف جميع المسافرين جوازات السفر الورقية التي حُوّلت لجوازات سفر إلكترونية باستخدام شرائح “إن إف سي” (NFC) عام 2006 ولم يطرأ عليها أي تغيير حتى الآن، ومع ذلك تخضع جوازات السفر لأحد أكبر التحولات، إذ تعمل صناعة السفر والمطارات والحكومات على إيجاد طريقة تُلغي الحاجة لإظهار جواز سفرك عند السفر، وفي النهاية قد لا تحتاج لحمله على الإطلاق.

ما البديل؟

بدلا من جواز السفر الورقي يمكن استخدام تقنية التعرف على الوجه والهواتف الذكية بشكل أكثر فاعلية للتحقق من هويتك وتأكيدها قبل أن تتمكن من السفر، ويزعم مؤيدو هذه الأنظمة أنها قادرة على تقليص وقت الانتظار والفحص الذي يواجه الناس في المطارات، ولكن خبراء الخصوصية يحذرون من بعض العقبات في التقنيات المستخدمة، وأن انتشارها قد يؤدي إلى انتهاكات في بيانات ومستويات أكبر من المراقبة.

وتتزايد جهود الدول للتخلص من جوازات السفر الورقية في جميع أنحاء العالم. وحتى الآن، قامت المطارات في فنلندا وكندا وهولندا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا والولايات المتحدة والهند ودول أخرى بتجربة مستويات مختلفة من طرق السفر من دون جوازات أو تقنية مخصصة لجعل ذلك ممكنا.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن مسؤولون في سنغافورة أن سكانها يمكنهم السفر من وإلى البلاد دون استخدام جوازات سفر، ويدعي المسؤولون أن أكثر من 1.5 مليون شخص استخدموا هذه الأنظمة.

وقالت أثينا يوانو، وهي محاضرة في تحليلات الأعمال بجامعة سري في المملكة المتحدة، “من المحتمل أن يصبح هذا هو الأسلوب السائد للسفر وأعتقد أننا سنرى ذلك قريبا جدا”. وأضافت يوانو “انتشرت ظاهرة السفر بدون أي تلامس خلال جائحة كوفيد-19، والعديد من الجهود كانت موجهة لنقل المسافرين عبر المطارات بسرعة”.

وعلى الرغم من اختلاف مراحل التجارب العالمية لأنظمة جوازات السفر الرقمية والبنية التحتية التقنية المستخدمة، فإنها تتشارك في مبدأ عمل مشترك، فالبيانات التي كانت تُخزن سابقا على شريحة “إن إف سي” في جواز السفر، بما في ذلك بيانات الوجه، أصبحت الآن تُخزن رقميا وتُربط بهاتف المسافر.

ويدرس الاتحاد الأوروبي إنشاء تطبيق خاص بالسفر، إذ يؤدي عرض هاتفك إلى تشغيل نظام التعرف على الوجه ومطابقة البيانات مع جواز سفرك.

إحدى الطرق الأكثر شيوعا لهذه الخطوة هي استخدام اعتماد السفر الرقمي “دي تي سي” (DTC) التي تدعمها المنظمة الدولية للطيران المدني “آي سي إيه أو” (ICAO)، إذ إن “دي تي سي” تتكون من جزءين: جزء افتراضي يمثل المعلومات المخزنة في جوازات السفر، وجزء مادي وهو قطعة توضع على هاتف المسافر.

ويرتبط هذان الجزءان بكود مشفر للتأكد من عدم حدوث تزييف بانتحال شخصية، والميزة الأساسية للاعتماد الرقمي من “آي سي إيه أو” هي أن السلطات يمكنها التحقق المسبق من بيانات جواز السفر الرقمية، مما يضمن سلامتها وموثوقيتها قبل وصول المسافر.

Immigration and passport control at the airport. woman border control officer puts a stamp in the passport. Concept

فحص جواز السفر الرقمي

هناك 3 طرق مختلفة لفحص جوازات السفر الرقمية، إذ إن الطريقة الأولى والثانية تتطلبان منك حمل جواز سفرك الورقي دون استخدامه بالضرورة، في حين أن الطريقة الثالثة التي قد تستغرق سنوات لإنجازها لا تتطلب حتى إصدار جواز سفر.

وفي وقت سابق من هذا العام، أجرى مسؤولو الحدود في فنلندا تجربة صغيرة لفحص جوازات السفر الرقمية باستخدام تطبيق هاتف على 22 مسارا جويا، وبينما لا يزال يتعين على الركاب حمل جوازات السفر، خلص حرس الحدود الفنلندي إلى أن الفحوص استغرقت 8 ثوان فقط، حيث حدثت المعالجة الفنية في ثانيتين.

وقال رئيس مشروع فحص جوازات السفر الرقمية ميكو فايسانين “السرعة ضرورية حقا هنا إذا كنا نتحدث عن تسهيل (مرور) عدد كبير من الأشخاص”.

تحديات جواز السفر الرقمي

صحيح أن إنهاء طوابير المطارات سيكون موضع ترحيب لدى الكثيرين، لكن التحول إلى وثائق السفر الرقمية يثير مخاوف بشأن حماية البيانات وانتشار تقنيات المراقبة مثل التعرف على الوجه، بالإضافة إلى إمكانية توسيع نطاق أنظمة الهوية الرقمية لتشمل جوانب أخرى من المجتمع، وفي النهاية من يتحكم في البنية التحتية الأساسية أو من يقوم بتطويرها.

وحذرت وثائق المنظمة الدولية للطيران المدني من أن اعتماد السفر الرقمي (دي تي سي) قد يُشكل مخاطر مثل “الاحتيال بالتشابه” واستغلال المجرمين لبيانات “دي تي سي”، بالإضافة إلى اضطرابات السفر بسبب انقطاع التيار الكهربائي في الأنظمة، واحتمال رفض خاطئ من قبل أنظمة التعرف على الوجه التي تفتقر إلى آليات تقنية كافية.

وتقوم العديد من الشركات على مستوى العالم بتطوير أنظمة للتحقق من الهوية والتي غالبا ما ترتبط بقواعد بيانات أو أنظمة حكومية رسمية. ويقول أودبهاف تيواري مدير سياسة المنتج العالمية في موزيلا “نُركز على الخصوصية في كل خطوة من خطوات التصميم، ونعمل على تقليل البيانات التي تجري مع تطوير هذه المنتجات والأنظمة، ولكن لا تزال هناك مجموعة من المخاطر الأخرى”.

وأضاف تيواري “نحن لا نعرف حقا مدى أمان هذه الأنظمة، فمع أنظمة الذكاء الاصطناعي هناك دائما مشاكل متعلقة بالعدالة والمساءلة والشفافية”.

ولدى الدول المختلفة أنظمة حماية بيانات ذات جودة متفاوتة وقد تستخدم معايير مختلفة عند تمرير معلومات المسافرين إلى الحكومات أو وكالات إنفاذ القانون، ويقول تيواري “على سبيل المثال، سأكون أكثر راحة في استخدام السفر القائم على البيانات الحيوية في ألمانيا مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى في العالم، لأنني أثق في نظام حماية البيانات والجهات التنظيمية في ألمانيا وقد لا أثق في بلدان أخرى”.

ويقول آدم تساو نائب رئيس الهوية الرقمية في شركة الأمن “إنتراست” (Entrust) إن “الأشخاص الذين يستخدمون هذه الأنظمة سيرغبون في معرفة مصير بياناتهم، مثلا قد يرغب الناس في معرفة من لديه حق الوصول إلى معلوماتهم؟ أو ما هي المعلومات التي يمكن الوصول إليها؟”.

وفي الهند، واجه نظام التعرف على الوجه “ديجي ياترا” (Digi Yatra) انتقادات متعددة حول كيفية تقديمه وطريقة تسجيل الأشخاص في النظام الطوعي، وتقول ديشا فيرما من مؤسسة “فريدون فاونديشن” (Freedom Foundation) إن “الطريقة التي يحدث بها ذلك في الهند لم تعد طوعية، ولا نملك شيئا يُمكننا من محاسبة الحكومة أو أي شخص آخر عليه”.

نظام السفر الرقمي “ديجي ياترا” المُستخدم حاليا في 24 مطارا هنديا، قد يُتاح قريبا للسياح الأجانب بحلول عام 2025، كما تُخطط الحكومة لتوسيع استخدام تقنية التعرف على الوجه لتشمل الفنادق والمعالم السياحية، مما يعني إمكانية استخدام وجهك كبطاقة دخول للفنادق في المستقبل القريب.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version