ظهر مفهوم “التوأم الرقمي” بكثرة في السنوات الماضية في إشارة إلى إحدى تقنيات الواقع الافتراضي المستقبلية التي تعزز من كفاءة الواقع الافتراضي واستخداماتها، ورغم أن التقنيات الجديدة المتعلقة بالواقع الافتراضي قد اندثرت بعض الشيء في الآونة الأخيرة واختُزلت في النظارات وخُوَذ الواقع الافتراضي، فإن “التوأم الرقمي” ازدهرت في قطاعات مختلفة، كانت الصناعة والنقل من أبرزها.

كما تحمل تقنية “التوأم الرقمي” في جعبتها الكثير من الاستخدامات المتنوعة والمختلفة في جميع القطاعات، إذ يمكن استخدامها في أي قطاع تقريبًا طالما كان هذا القطاع يتعامل مع الأشياء الفيزيائية في واقعنا، وهذا يطرح سؤالا مباشرا حول ماهية تقنية “التوأم الرقمي” واستخداماتها المتنوعة.

ما تقنية “التوأم الرقمي”؟

يوحي اسم التقنية بماهيتها، إذ تهدف هذه التقنية لصناعة نسخ مطابقة وواقعية من الأشياء الموجودة في واقعنا، ولكن بدلًا من أن تكون هذه النسخ فيزيائية، فإنها تكون رقمية موجودة في الواقع الافتراضي، أي أن “التوأم الرقمي” هو نسخة طبق الأصل من الأشياء أو الأشخاص أو الحيوانات ولكن في الواقع الافتراضي.

وتعد نسخ “التوأم الرقمي” مطابقة حتى في أدق التفاصيل مع نسخ الواقع الافتراضي، فإن كان التوأم الرقمي لإحدى الخيول ذات النسب الأصيل والتي تحمل في جسمها علامات مميزة فريدة، فإن “التوأم الرقمي” سيحمل هذه العلامات وكافة الصفات الموجودة في النسخة الأصلية، وكذلك الأمر في الطائرات والمباني والآثار وغيرها.

ومن أجل الحفاظ على مطابقة “التوأم الرقمي” للنسخة الحقيقية يجب أن يضمن المطور سيلًا مستمرًا من البيانات المحدثة بشكل مباشر بكل ما يحدث في النسخة الحقيقية، فإن كانت النسخة الرقمية لمبنى، فيجب أن يتم تحديثه باستخدام مستشعرات خاصة لمراقبة التغيرات الإنشائية التي تطرأ على هذا المبنى، وكذلك الأمر مع الكائنات الحية.

ويمتد تطابق النسخ الرقمية مع الكائنات الحية إلى أبعد من الصفات الفيزيائية، إذ توفر التقنيات الحديثة آليات لنقل المشاعر والأفكار المرتبطة بالبشر إلى داخل النسخة الرقمية بشكل يربط بين طبقات مختلفة من التصرفات والأفكار والمفاهيم، ليوفر بذلك محاكاة شبه واقعية للبشر في ظروف وبيئات مختلفة.

بالطبع تختلف آليات صنع “التوأم الرقمي” باختلاف مصدره أو نوعه، ولكن في مجملها تعتمد على جمع البيانات من النسخ الحقيقية عبر طرق مختلفة، بدءًا من المستشعرات المتنوعة وحتى إدخال البيانات يدويًا في بعض الحالات، لذا تظل الحاجة لخبراء “التوأم الرقمي” القادرين على استخدام التقنيات المختلفة لبنائه وتحديثه باستمرار.

أنواع مختلفة من “التوأم الرقمي”

يمكن تصنيف “التوأم الرقمي” تحت العديد من الأنواع المختلفة رغم تطابق الفكرة الرئيسية التي تكوّن هذه التقنية، ويكمن الاختلاف في مصدر هذا “التوأم الرقمي” أو الشيء الذي يحاكيه، سواء كان جمادا أو كائنا حيا.

ومن الأنواع المختلفة لهذه التقنية “توأم المنتجات الرقمي” حيث يتم بناء نسخة رقمية من المنتجات المختلفة في كافة مراحل تطويرها واختبار آليات استخدام هذه المنتجات ومحاكاة ظروف الاستخدام المختلفة للتأكد من جودة المنتج وكفاءته دون الحاجة إلى الاستثمار في اختبارات فعلية للمنتج، ويشمل هذا النوع توأم السيارات والطائرات وغيرها من المنتجات.

كما يوجد نوع آخر، وهو “توأم البيانات الرقمي” الذي يربط بين النسخة الفيزيائية والنسخة الرقمية، ويركز هذا النوع من “التوأم الرقمي” على البيانات المتعلقة بالأشياء المختلفة، ويعد تطبيق “خرائط غوغل” وغيره من تطبيقات الخرائط أمثلة حية على استخدام تقنية “توأم البيانات الرقمي”، إذ تضم هذه التطبيقات نسخة من بيانات سطح الأرض والطرق الخاصة بها، وعبر استخدام الأقمار الصناعية يتم تحديثها ببيانات المرور والسيارات والزحام وغيرها من التفاصيل.

ومن الأنواع الشهيرة لتقنية “التوأم الرقمي” هو توأم الأنظمة، ويمزج هذا النوع بين البيانات الرقمية والمنتجات الفيزيائية لتصميم وتطوير محاكاة متكاملة للعمليات المختلفة وتحسينها بقدر كاف ليقدم النتائج المطلوبة، كما ينبغي أن نذكر هنا “التوأم الحي” وهو النسخة الرقمية من الكائنات الحية المختلفة.

استخدامات تقنية “التوأم الرقمي”

أصدرت شركة “ماكينزي” (McKinsey) للتحليلات دراسة حول تقنية “التوأم الرقمي” واستخداماتها في الواقع ومستقبلها، وبناء على هذه الدراسة، فإن الشركة تتوقع أن تصل قيمة قطاع “التوأم الرقمي” إلى 73.5 مليار دولار بحلول عام 2027 فضلا عن كون 70% من المديرين التنفيذين للشركات التكنولوجية بدؤوا بالفعل في استخدام التقنية والاستثمار بها.

وبشكل عام، تتنوع استخدامات تقنية “التوأم الرقمي” بين القطاعات المختلفة، فمثلا في قطاع الصناعة والإنتاج يمكن الاعتماد على هذه التقنية لبناء محاكاة دقيقة وواقعية للمنتجات المختلفة في مراحل التطوير المختلفة، وبالتالي التعرف على التحديات والعوائق التي تحتاج الشركة التغلب عليها لتتمكن من بناء المنتج بشكل جيد ومناسب.

كذلك الأمر مع سلاسل التوريد والتوصيل، فعبر استخدام هذه التقنية يمكن للشركات محاكاة سلاسل التوريد المختلفة والتعرف على نقاط الضعف والخطر بها من أجل تحسينها بشكل كبير والتخلص من هذه النقاط، ويعد هذا الاستخدام أحد أكثر الاستخدامات شيوعًا وفق دراسة “ماكينزي” التي أشارت إلى أن 86% من الشركات بدأت في الاستثمار بها بالفعل.

كما يمكن استخدام تقنية “التوأم الرقمي” في قطاع التجارة الإلكترونية عبر بناء محاكاة متكاملة للمتجر في فضاء الواقع الافتراضي، ومن ثم توجيه المستخدمين وتقديم خدمات تسويقية أكثر فعالية موجهة إلى هؤلاء المستخدمين بكثافة.

“التوأم الرقمي” في القطاع الطبي

ربما يعد القطاع الطبي أكثر المستفيدين من تقنية “التوأم الرقمي” رغم قصر استخدام التقنية فيه، وهذا لأنها توفر للأطباء والباحثين بيئة متكاملة لمحاكاة الحالات المرضية والتشخيصية المختلفة، وبالتالي إمكانية تشخيص الحالات دون الحاجة إلى الحضور الفيزيائي أمام المريض.

كذلك يمكن عبر استخدام هذه البيانات وتطبيق الاختبارات المختلفة والمتنوعة عليها علاج الأمراض المختلفة واختبار العمليات الجراحية قبل تطبيقها على المريض الفعلي فضلًا عن الحصول على استشارات من خبراء الجراحة في القطاعات المختلفة من أي مكان في العالم.

ومن ضمن هذه الاستخدامات التي يمكن للشركات الاستثمار بها هو إجراء الاختبارات المعملية والسريرية على النسخ الرقمية دون الحاجة إلى إجراء هذه التجارب على الحيوانات فضلًا عن تأجيل مرحلة الاختبارات السريرية على البشر حتى يصبح المنتج جاهزًا وآمنًا لإجراء هذه الاختبارات، وهذا ما أشارت إليه دراسة نشرت في موقع “فرونتيرز إن ديجيتال هيلث” (Frontiers in Digital Health).

أمثلة استخدام حيّة على “التوأم الرقمي”

رغم أن مفهوم “التوأم الرقمي” يبدو مستقبليًا للغاية، فإن العديد من الشركات والهيئات بدأت في استخدام هذه التقنية بالفعل، وربما تعد “خرائط غوغل” وتطبيقات التجارة الإلكترونية للمتاجر الفيزيائية المثال الأوضح على هذه التقنية التي يتم التعامل معها بشكل يومي.

ومن أمثلة الشركات التي بدأت في استخدام تقنية “التوأم الرقمي” بكثافة هي شركة صناعة السفن الإماراتية “نيو زيلاند” (New Zealand) الذي تمكنت عبر هذه التقنية من اختبار القوارب والتصميمات المختلفة في ظروف التشغيل والبيئة المختلفة للتأكد من سلامتها قبل صناعة القارب.

وأما ملعب “سوفي” (So FI)  فقد استخدم هذه التقنية من أجل محاكاة ظروف المباريات المختلفة وتوافد المشاهدين لكل مباراة على حدة وتوقع المفاجئات والتحديات المختلفة من أجل تحسين بناء الملعب وتحسين أماكن الخطر الموجودة فيه.

وتعد “سبيس إكس” (SpaceX) و”سبيس فورس” (Space Force) من كبار مستخدمي هذه التقنية من أجل إجراءات محاكاة أقرب للواقعية على أجسام رواد الفضاء والمركبات الخاصة بهم للتأكد من سلامتها وقدرتها على تحمل ظروف التشغيل في الفضاء الخارجي.

ومن المتوقع أن يزداد الاعتماد على تقنيات “التوأم الرقمي” في المستقبل القريب مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي وانتشار تقنيات الواقع الافتراضي المختلفة في كافة القطاعات مستقبلًا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version