توفي ستيف جوبز منذ 13 عامًا، ولكن ما زالت شركة آبل تعيش اليوم بذكراه وتحقق فلسفته في كافة المنتجات التي تطلقها الشركة، فضلًا عن البرمجيات الخاصة بها، في محاولة منها لتكريم وتعزيز إرث جوبز العريق الذي ساهم في تغيير شكل آبل تمامًا ووصولها إلى ما هي عليه اليوم، وهو السبب ذاته الذي جعل الشركة تطلق اسمه على المسرح الرئيسي في مقرها والقاعة التي تقام بها كافة مؤتمراتها الهامة.

وضع جوبز العديد من المفاهيم والقواعد لتسير آبل عليها، وهي قواعد مناسبة للوقت والحقبة التي عاش جوبز فيها وأطلق منتجات حققت نجاحًا باهرا بها، ولكن مع تطور التقنية وظهور العديد من المنافسين أمام آبل تزحزحت الشركة قليلًا عن هذه القواعد في عدة مواقف، بدءًا من إضافة منفذ “يو إس بي سي” (USB C) في منتجاتها أو حتى تخفيف القيود على أنظمة التشغيل الخاصة بها، وهي خطوات أيضًا ساهمت في تعزيز مكانة الشركة وزيادة أرباحها.

وتشير هذه الخطوات الصغيرة التي قامت بها آبل خلال سنوات طويلة إلى أنها تنحاز عن إرث ستيف جوبز العريق، وربما تحاول تغييره تمامًا، وهو الأمر الذي أصبح واضحًا من خلال مؤتمرات الشركة وإعلانها عن المنتجات الجديدة.

فلسفة الإطلاق الواحد خلال العام

جزء كبير من فلسفة آبل يتمثل في التوحد والتجربة المتسقة، أي أنك تستطيع توقع خطوات الشركة القادمة وجودة منتجاتها بناءً على التناسق الكبير الذي تعتمد عليه الشركة في جميع أركانها، فهي تعتمد على تجربة واحدة للنظام، وتجربة واحدة للمواد التي تصنع منها أجهزتها الذكية، فضلًا عن وجود تجربة موحدة بين الأجيال المتقاربة من أجهزة “آيفون”، إلى جانب موعد ثابت للإعلان عن الهواتف الجديدة ومزاياها.

تستند هذه الفلسفة على أسباب تسويقية، فضلًا عن أسباب إدارية خاصة بالشركة، وهي التي أشار لها مارك غورمان في تقرير نشره موقع “بلومبيرغ” (Bloomberg)، إذ إن الاعتماد على موعد ثابت لإطلاق المنتجات المختلفة يضع هدفًا موحدًا أمام جميع موظفي الشركة في مختلف الأقسام، وينبئهم بالموعد الذي يجب أن يكون المنتج جاهزًا فيه.

فضلًا عن ذلك، توفر هذه الفلسفة آلية توقع دقيقة للمستثمرين والمحللين، إذ يمكن توقع موعد انتعاش مبيعات الشركة وموعد انخفاضها بناءً على موعد إطلاق المنتجات المختلفة، وبالتالي تخبرهم متى يمكنهم الاستثمار بها ومتى يجب ألا يستثمروا فيها، وفي النهاية توفر أيضًا فرصةً أمام الإعلاميين والخبراء لبناء توقعاتهم ومتابعة إطلاق الهاتف في حدث واحد ضخم يجذب الأنظار إليه من كافة بقاع الأرض.

غير أن الشركة بدأت تبتعد شيئًا فشيئا عن هذه الفلسفة عبر خطوات تبدو صغيرة، ولكنها مؤثرة في المدى الطويل وتشير بشكل مباشر إلى اتخاذ آبل نهجًا مختلفا.

إضافة مؤتمر جديد

بدأ الاختلاف عندما قررت آبل إضافة مؤتمر شهر يونيو/حزيران المتعلق بالمطورين إلى جدول الإطلاق الخاص بها، فبدأت تطلق الأجهزة تدريجيًا في هذا المؤتمر مثلما حدث مع حاسوب “ماك بوك آير 13” عام 2023، كما أنها أصبحت تعلن عن مزايا النظام الجديدة في هذا المؤتمر، واستغلت المؤتمر للإعلان عن نظارة الواقع المعزز الخاصة بها.

لذا أصبح العالم ينتظر مؤتمرين من آبل، الأول في يونيو/حزيران من كل عام، والثاني في سبتمبر/أيلول من العام ذاته، وفيهما يتم إطلاق منتجات وأجهزة جديدة ومزايا جديدة للنظام تصبح متاحة لمختلف المستخدمين وأجهزة آبل.

ورغم أن الشركة سارت على هذا النهج لعدة سنوات، فإنها الآن بدأت تحيد عنه، واختلف جدول إطلاق المنتجات كثيرًا عن الماضي رغم وجود المواقيت الثابتة إياها لإطلاق المنتجات، أي أن الإعلان العشوائي عن المنتجات لم يؤثر سلبًا على حجم أو أهمية مؤتمرات الشركة الثابتة.

مؤخرًا، أعلنت الشركة عن الجيل الجديد من أجهزة “آيباد ميني”، وذلك بعد مضي أقل من شهر على مؤتمر الإعلان عن آيفون، كما أنها أعلنت في موعد آخر مطلع هذا العام عن حواسيب “ماك بوك” جديدة، فضلًا عن حواسيب “ماك ميني” بعيدًا عن موعد الإطلاق الثابت الذي أعلنت عنه الشركة سابقًا.

لذا، لم يعد من الممكن التنبؤ بموعد الإعلان عن المنتجات الجديدة باستثناء هواتف آيفون التي يظل موعد الإعلان النهائي عنها دومًا في سبتمبر/أيلول أو على الأقل حتى الآن إذا لم تقرر الشركة فجأة تغيير هذا الموعد.

 

إطلاق جزئي

لم يقتصر ابتعاد الشركة عن فلسفة وسياسة ستيف جوبز على مواعيد الإطلاق المختلفة خلال العام فقط، بل امتد إلى الإطلاق الجزئي للمنتجات أو الإعلان عنها قبل موعد إتاحتها بفترة طويلة، ورغم أن هذا الأمر يبدو معتادًا لدى الشركات الأخرى، فإنه مختلف كثيرًا عن سياسة آبل.

وربما لا يوجد مثال أوضح من نظارة “فيجن برو” التي أعلنت عنها الشركة قبل موعد إطلاقها بـ7 أشهر كاملة، أي أن الشركة كشفت عن النظارة قبل أن تكون جاهزة للطرح والشراء من المستخدمين حول العالم، وهو ما يهدد مكانة الشركة، إذ قد تعلن عن ميزة تصبح غير جاهزة بموعد الإطلاق النهائي.

ولنا فيما حدث مع نظام “آي أو إس 18” أوضح مثال، إذ أعلنت عنه الشركة في مؤتمر يونيو/حزيران لتطلقه في مؤتمر سبتمبر/أيلول ولكن دون مزايا الذكاء الاصطناعي، وهي النقطة التي روجت لها الشركة بكثافة في هواتف آيفون الجديدة والنظام الجديد أيضًا.

وبينما يبدو أن مثل هذه الأمور غير مؤثرة في المسيرة الكلية للشركة أو جودة منتجاتها النهائية، تشير إلى تغير داخلي في سياسات الشركة وابتعاد عن المواعيد الثابتة في رضوخ واضح للمنافسة الشرسة التي تجبر الشركة على تقديم ما ينتظره المستخدمون.

يذكر أن الشركة أطلقت هذا العام تحدثين معطوبين لأجهزة “آيباد برو” و”آبل ووتش” مما تسبب في سحب التحديثات وإعادة الأجهزة للوضع القديم حتى يتم تعديل هذه الأخطاء وعلاجها، في اختلاف واضح عن ما كان يحدث سابقًا مع تحديثات الشركة.

مستقبل آبل

لا يمكن التنبؤ بمستقبل أي شركة خاصةً في الوقت الذي نعيش فيه، إذ تتجاوب الشركات مع التغيرات الاقتصادية بأشكال مختلفة، كما أن بزوغ تقنيات جديدة قد يعني اندثار شركات وبزوغ أخرى، لذا تجد آبل نفسها أمام مفترق طرق، فإما أن تحافظ الشركة على جدول الإعلان الخاص بها والإرث الذي وضعه ستيف جوبز في عصر غابر، وإما أن تطور لتواكب المنافسة الشرسة ملبيةً بذلك رغبات المستخدمين والمستثمرين مع الحفاظ على هويتها الأساسية في منتجاتها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version