هل تتخيل أن أبراج الهواتف المحمولة ترسل كميات هائلة من الإشارات الراديوية إلى الفضاء؟ فهل يمكن لأي حضارة فضائية استقبال هذه الإشارات وفك رموزها؟ أم أنها مجرد صدى ضعيف في نسيج الكون؟

تعتمد الهواتف الخلوية في عملها على أبراج الإرسال اللاسلكية التي تغطي نطاقات واسعة من سطح الأرض، وتبعث إشارات ميكروية طوال الوقت، وقد تساءل العلماء طويلا: هل يمكن أن تلتقط “الحضارات الفضائية” هذه الإشارات؟ وقد حاولت دراسة بحثية حديثة نُشرت في دورية “مانثلي نوتيسز أوف ذا رويال أسترونوميكال سوسايتي” (Monthly Notices of the Royal Astronomical Society) الإجابة عن هذا التساؤل.

فوفقا للبيان الصحفي الذي نشره “معهد سيتي” (SETI Institute) في الثاني من مايو/أيار 2023، فقد بدأ الباحثون دراسة الكيفية التي تغيرت بها إشارات الراديو المتدفقة إلى الفضاء.

وفي القرن الـ20، كان الجزء الأكبر من البث الراديوي الذي يصل إلى الفضاء يأتي من محطات الإذاعة والتلفزيون الأرضية. أما الآن، فقد تضاءلت قيمة تلك الإشارات، حيث تأتي إشارات الرادارات العسكرية كأقوى مصدر لتسرب الإشاعات الراديوية على سطح الأرض، بينما تحتل الأبراج الخلوية المركز الثاني في قوة الإشارات.

تسرب إشارات الراديو الأرضية

فريق الباحثين قام بمحاكاة ونمذجة تسرب الإشارات الراديوية من أبراج الهواتف المحمولة، والتنبؤ بما يمكن لحضارة فضائية متخيّلة قد تقع على أحد الكواكب القريبة منا استقباله.

ويعتقد راميرو سايدي، أحد باحثي الدراسة من معهد “سيتي” أنه “ما لم تكن الحضارة الفضائية أكثر تطورا من حضارتنا، فستواجه صعوبة في الكشف عن مستويات التسرب الحالية لإشارات الراديو من أبراج الهواتف المحمولة على الأرض”. مع ذلك، يعتقد الفريق أن بعض الحضارات الفضائية المفترضة قد تمتلك أنظمة استقبال أكثر حساسية مما لدينا.

أما قائد الفريق البحثي مايك غاريت من “جامعة مانشستر” (University of Manchester)، فيقول إن هناك “الكثير ممن يعتقدون أن الأرض أصبحت أقل صخبا في موجات الراديو خلال السنوات الأخيرة، وهو ادعاء لطالما رفضته. فرغم أن لدينا عدد أقل من مُرسلات التلفزيون والراديو القوية اليوم، فإن أنظمة الاتصالات النقالة هي الأكثر انتشارا في عالمنا اليوم”.

ورغم أن كل جهاز من هذه الأنظمة الخلوية يبعث بكم ضئيل من الموجات الراديوية، فإن الطيف التكاملي لمليارات من هذه الأجهزة يعد جوهريا”.

فرص وجود حضارات فضائية

ويشير الفريق إلى أن كل برج من أبراج الاتصالات يبعث بإشارة راديوية بقوة 100-200 وات. وبناء على عدد الأبراج وكمية التسرب الراديوي، فإن ذلك يعادل عدة غيغاوات تبث في الفضاء.

وإذا افترضنا أن حضارة فضائية تمتلك تقنية الفلك الراديوي المتطورة مثل تلسكوب “حدث الأفق” الخاص بنا، فإنه إشاراتنا الراديوية ستكون قابلة للاستكشاف على بعد 20 سنة ضوئية تقريبا.

ووفقا لغاريت، فإن “التقديرات الحالية تشير إلى أنه مع نهاية العقد الحالي سيصبح لدينا أكثر من 100 ألف قمر صناعي في مدار الأرض المنخفض وما بعده. فالأرض بالفعل مضاءة بشكل غير طبيعي في الجزء الخاص بالطيف الراديوي. وإذا استمرت هذه الزيادة، فإنه من السهل جدا أن نُستكشف من قبل أي حضارة متقدمة لديها التكنولوجيا المناسبة”.

ورغم أن إشارات الهواتف الخلوية المتسربة من الأرض تتداخل بطريقة تمنع الكائنات الفضائية من التمييز بين الرسائل المحددة. فإن أي حضارة فضائية يمكنها استخدام هذه الإشارات لمعرفة بعض المعلومات المثيرة حول الأرض، مثل تحديد دوران الأرض وميل المحور. كما سيمكنهم قياس توزيع الأراضي (من خلال رصد توزيع الإشارات على سطح الأرض). وبمرور الوقت قد يمكنهم دراسة الكيفية التي يتغير بها توزيع السكان على الأرض.

ويختتم الفريق قائلا “إننا نعرف كل يوم الكثير عن خصائص الكواكب الخارجية عبر مهمات الفضاء مثل كيبلر وتيس. ونعتقد أن هناك فرصة كبيرة لوجود حضارات متقدمة في الفضاء الخارجي، بعضها قد يكون قادرا على استكشاف التسرب الراديوي الذي ينتجه الإنسان على كوكب الأرض”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version