تمكن باحثون من حل لغز أحد أكثر التقاويم القديمة تعقيدا والذي كانت تستخدمه حضارة المايا في وسط القارة الأميركية وظل مستعصيا على العلماء لعقود طويلة.

وبحسب الباحثين، فإن التقويم الغريب الذي يعتمد على دورة تمتد 819 يوما، كان يستخدم، إلى جانب حساب الزمن، في تتبع حركة الكواكب عبر سماء الليل على فترة طويلة تمتد 45 عاما. ونشرت نتائج الدراسة مؤخرا في دورية “إنشانت ميزو أميركا” (Ancient Mesoamerica) العلمية.

التقويم اللغز

منذ القدم، ابتكر الإنسان تقاويم مختلفة لحساب مرور الزمن بالاعتماد على دورات فلكية مثل دوران الأرض حول نفسها لحساب الأيام ومراحل القمر لتحديد مدة الشهر ودوران الأرض حول الشمس لحساب عدد السنين.

وعلى عكس نظامنا البسيط نسبيا لحساب الأيام والشهور والسنين، استخدمت حضارة المايا القديمة، في القرن الخامس قبل الميلاد على الأقل، نظام تقويم معقدا مكونا من عدد من الدورات المتشابكة.

تمتد الدورة الأولى، وفق تقرير نشر على موقع “ساينس ألرت” (Science Alert)، على 260 يوما، وتعرف باسم “العد المقدس” (Tzolk’in)، والثانية على 365 يوما وتمثل طول السنة الشمسية (Haab)، هذا إلى جانب دورة ثالثة غامضة عثر عليها العلماء في بعض النقوش تبلغ مدتها 819 يوما.

وكشف تحليل تلك النصوص الرسومية أن إكمال السلسلة المركبة من الدورات الثلاث يستغرق 4 جولات من 819 يوما، أي حوالي 9 سنوات.

وطرح الباحثون في دراسات سابقة احتمال أن يكون هذا التقويم مرتبطا بالمدة التي يستغرقها كل كوكب للعودة إلى نفس الموقع في السماء كما يُرى من الأرض، والتي يطلق عليها “الدورة المجمعية للكواكب” (Synodic Period). على سبيل المثال، تبلغ الدورة المجمعية لكوكب عطارد 117 يوما، وتتناسب تماما مع 819 عند ضربها في العدد 7.

غير أنه لا يمكن مضاعفة أي من الفترات المجمعية للكواكب الأخرى للحصول على عدد 819، مما يؤدي إلى غموض حول كيفية عمل نظام التقويم الغريب هذا.

استخدم التقويم للتنبؤ بمواقع الكواكب في السماء المرتبطة بتواريخ احتفالات مهمة في ثقافة المايا (فليكر)

مواقع الكواكب وتواريخ الاحتفالات

في الدراسة الجديدة، أظهر باحثون من جامعة تولين (Tulane University) الأميركية أن تقويم حضارة المايا يغطي إطارا زمنيا أطول بكثير مما كان يُعتقد سابقا.

وبحسب بيان نشر على موقع الجامعة بتاريخ 28 أبريل/نيسان الماضي، فإن دورة “كبرى” واحدة من هذا التقويم تمتد على 20 دورة تدوم كل واحدة منها 819 يوما مما يجعل إجمالي طولها يبلغ 16 ألفا و380 يوما أي حوالي 45 عاما. وخلال هذه المدة تكون قد انقضت 63 دورة بالضبط من دورة العد المقدس (260 يوما).

هذه المدة، يمكن تقسيمها بدقة لتتوافق مع كل الدورات المجمعية لجميع الكواكب المعروفة في عصر المايا والتي يمكن رؤيتها بالعين المجردة من الأرض وهي عطارد، والزهرة، والمريخ والمشتري، وزحل.

بعبارة أخرى، خلال هذه الفترة من التقويم، يمر كل كوكب بنفس الموقع في السماء عددا صحيحا من المرات. فعلى سبيل المثال، يكمل عطارد 7 “دورات مجمعية” كل دورة واحدة من 819 يوما، وبالمثل يعود الزهرة إلى نفس الموقع في السماء كل 5 دورات، وزحل كل 6 دورات، والمشتري كل 19 دورة، والمريخ كل 20 دورة.

وبحسب الباحثين، فإن الجمع بين هذه الدورات في نظام التقويم الذي اعتمدته حضارة المايا، كان طريقة مبتكرة للتنبؤ بمواقع الكواكب في السماء إلى جانب قياس الزمن. فبدلا من الاقتصار على كوكب واحد، وضع علماء الفلك في هذه الحضارة المندثرة، نظام التقويم الذي يعتمد على عدد 819 يوما لاستخدامه في التنبؤ بمواعيد ظهور الكواكب المرئية في مواقع معينة من السماء، والتي ترتبط بتواريخ احتفالات مهمة في ثقافة المايا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version