ويعتقد محللون ومراقبون، في حديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن منطقة القوقاز وخاصة جورجيا وأذربيجان، تمثل منطقة استراتيجية ذات أهمية كبيرة في السياسة الإسرائيلية، معتبرين أن المصالح الإسرائيلية بكلا الدولتين تتجلى في سياق عدة عوامل رئيسية على رأسها السياسة الإقليمية كوسيلة للضغط بمحيط إيران، والمصالح الاقتصادية كمنطقة لتوريد الطاقة، وكسوق لبيع الأسلحة.

إسرائيل.. واستراتيجية القوقاز

وفق مركز كارنيغي للشرق الأوسط، فإن انخراط إسرائيل في دول القوقاز زاد في أواخر العقد الأول من الألفية الجديدة، في حين مرّت سياستها بمرحلتين رئيسيتين؛ المرحلة الأولى قبل عام 2008 وركزت على جورجيا، إذ قامت بتدريب الجيش الجورجي وسمحت لشركات الدفاع الخاصة بتزويده بالطائرات المسيرة والمعدات المتطورة، بيد أنها اضطرت لتخفيض هذا المستوى من الدعم بعد حرب أوسيتيا الجنوبية في 2008، لتجنب استفزاز روسيا، ولتعويض ذلك، عززت إسرائيل وجودها الاستراتيجي في أذربيجان.

كان لافتًا الزيارة التي أجراها وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان إلى جورجيا في العام 2018، باعتبارها الأولى من نوعها منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في 1992؛ إذ شهدت تلك الزيارة تعزيزا للعلاقات العسكرية بتوقيع اتفاقيات في مجالات الأمن الإلكتروني، والمساعدة في إنشاء نظام جنود احتياط، ومحاربة الإرهاب.

ووفق صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، باعت إسرائيل عددا من منظومات الأسلحة إلى جورجيا وقامت بتدريب عناصر في الجيش الجورجي على أساليب واستراتيجية الجيش الإسرائيلي، كما وقعت وزارة الدفاع الجورجية اتفاقيتين مع شركات دفاع إسرائيلية بالعام 2020؛ لرفع القدرة التكنولوجية للقوات إلى المعايير المطلوبة لحلف الناتو.

وقبل الحرب في غزة بنحو شهرين، زار رئيس وزراء جورجيا إيراكلي كوباخيدزه، إسرائيل، حيث اتفق مع نظيره بنيامين نتنياهو على تعزيز التعاون بين البلدين في العديد من المجالات الاقتصادية والأمنية، في حين وصف نتنياهو العلاقة بين البلدين بـ”الدافئة”.

زيارة سرية.. وبيئة لـ”الموساد”

أما في المرحلة الثانية من الانخراط في القوقاز فكانت مع أذربيحان، التي بلغ حجم التبادل التجاري بينهما حوالي 4 مليارات دولار، إذ اشترت إسرائيل النفط الأذري، وتخطط لاستيراد 12 مليار متر مكعب من الغاز من البلد القابع على بحر قزوين خلال العقد المقبل.

وبحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن إسرائيل مسؤولة عن توريد نحو 60 بالمئة من أسلحة الجيش في أذربيجان بين عامي 2017 إلى 2020، في المقابل تمد تل أبيب بنحو 40 بالمئة من احتياجاتها النفطية.

وفي أكتوبر من العام 2022، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك بيني غانتس عن قيامه بزيارة سرية إلى أذربيجان، وقع خلالها على عدة اتفاقيات تعاون في المجالين العسكري والأمني، بعد أكبر أشهر من ابرام البلدين اتفاقية لتوسيع العلاقات الاقتصادية.

وسبق أن كشفت صحيفة معاريف، أن أذربيحان تمثل قاعدة لجهاز الموساد الإسرائيلي، باستغلال قربها الجغرافي من إيران لتعقب ما يحصل داخلها من تطورات، في حين سبق أن اتهمت طهران جارتها بمنح الاستخبارات الإسرائيلية فرصة للقيام بعمليات تجسس وتنصت ومراقبة.

ومع ذلك، ساعدت إسرائيل أذربيجان على تطوير قدراتها العسكرية في مجال الأمن السيبراني، وتعزيز دفاعها ضد الهجمات السيبرانية المحتملة، وفق المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، الذي أشار إلى أن نحو 92 طائرة شحن حملت معدات عسكرية لجمهورية أذربيجان من إسرائيل خلال السنوات الـ 7 الماضية.

واتهمت الخارجية الإيرانية، مرارًا، إسرائيل بأنها تسعى إلى تحويل أراضي جمهورية أذربيجان إلى “ساحة لتهديد الأمن القومي الإيراني”.

كما تنظر إسرائيل إلى أذربيجان، وفقاً لما قاله الرئيس السابق شيمون بيريز، كـ”عنصر رئيسي في الحد من تأثير إيران في الشرق الأوسط الأكبر”، في الوقت الذي أشار مركز “كارنيغي” إلى أن إسرائيل ترى أن لأذربيجان دور حيوي في “استراتيجية المحاصرة” لإيران.

حرب “ناغورنو-كاراباخ”

الأمر الأكثر بروزًا في العلاقة بين إسرائيل وأذربيجان، كانت خلال مسعى أذربيجان للسيطرة على إقليم ناغورنو-كاراباخ في العام 2020، إذ اتّسعت الحدود مع إيران بنحو 100 كيلومتر، وبالتالي حظيت إسرائيل بإمكانية الوصول إلى موقع مناسب لمراقبة منشآت تبعد 7 كيلومترات فقط عن إيران.

ومن هذا المنطق، مضى المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان، قائلًا في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن إسرائيل قدمت دعمًا عسكرياً لأذربيجان خلال حربها مع أرمينيا في بإقليم ناغورنو-كارباخ، كجزء من سياستها الرامية للاستفادة من موقعها الحدودي مع إيران، وبالتالي تعمل كخط مواجهة مبُكر.

ووفق شبكة “سي إن إن” الأمريكية”، استخدمت القوات الأذربيجانية خلال حربها لاستعادة إقليم ناغورنو-كاراباخ، طائرة “هاروب” التي تعتبر “طائرة انتحارية بدون طيار”، وغيرها من الطائرات الإسرائيلية بدون طيار طوال حرب عام 2020.

واتفق مع ذلك ما أشارت إليه وكالة “أسوشيتد برس”، إلى أنه قبل أسابيع فقط من شن أذربيجان هجومها، حلقت طائرات الشحن العسكرية الأذربيجانية مرارا وتكرارا بين قاعدة جوية إسرائيلية ومطار بالقرب من ناغورنو كاراباخ، حتى في الوقت الذي كانت فيه الحكومات الغربية تحث على إجراء محادثات سلام.

وحينها قدمت إسرائيل إلى جانب المُسيرات، مدفعية ثقيلة وقاذفات صواريخ بكميات كبيرة، وفي الوقت نفسه، قامت صواريخ أرض-جو الإسرائيلية “باراك -8” بحماية المجال الجوي لأذربيجان من خلال إسقاط الصواريخ والطائرات بدون طيار.

وتباعًا اشترت أذربيجان مِن إسرائيل وللمرة الأولى “صواريخ لورد” في عام 2017.

وأضاف نيسان أن “ثمار السياسة الاستراتيجية بين إسرائيل وأذربيجان تمثل في هذه الحرب، لكن هناك جوانب أخرى دبلوماسية وسياسية وكذلك اقتصادية حتى مع جورجيا، حيث تعتمد إسرائيل على الوقود الأذري، وبالتالي ما يحدث هو تعزيز لتلك العلاقات على كافة المستويات في دوائر أكبر للأمن القومي”.

ما أهداف إسرائيل؟

حدّد الباحث في معهد أبحاث السياسات التطبيقية، والمختص بالعلاقات الإسرائيلية، سيرغي ميلكونيان، في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”، أسباب اهتمام إسرائيل الخاص بتعزيز علاقاتها في أذربيحان وجورجيا، في عدد من النقاط، قائلًا:

  • تشترك أذربيجان وإيران في حدود يزيد طولها عن 500 كيلومتر، لذلك، سمح وجود إسرائيل في أذربيجان لها بإجراء عمليات استخباراتية ضد إيران.
  • ثانيًا، باكو هي واحدة من الموردين الرئيسيين للنفط لإسرائيل، كما أن أذربيجان مهتمة بسوق الأسلحة الإسرائيلي، وخاصة مع الصراع الممتد منذ عقود بين أذربيجان وأرمينيا.
  • على المدى الطويل، كانت أهمية باكو ترجع أيضًا إلى إمكانية استخدام المطارات الأذربيجانية للتزود بالوقود للطائرات في حالة توجيه ضربة لإيران، وكذلك لزعزعة استقرار إيران داخليًا من خلال استخدام العامل العرقي من خلال استفزاز المواطنين الناطقين بالأذربيجانية في إيران.
  • حالياً، وصل البلدان بالفعل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية أو التحالف، حيث تغطي مجالات التعاون أكثر القضايا حساسية، مثل تدريب متخصصين في الأمن السيبراني.
  • العلاقات بين إسرائيل وجورجيا أقل استراتيجية، ويكمن الاهتمام السياسي الرئيسي في عبور موارد الطاقة (يمر النفط الأذربيجاني عبر جورجيا على طريق باكو – تبليسي – جيهان)، كما أنه تقليديا، يزور عدد كبير من السياح الإسرائيليين جورجيا، ويذهب المواطنون الجورجيون إلى إسرائيل لكسب المال، لذلك، في هذه الحالة تكون المصلحة اقتصادية أكثر من كونها عسكرية أو سياسية.

طلب إسرائيل لعناصر الجيش

وعن التوجيه الصادر للجنود الإسرائيليين في كلا البلدين، أشار المحلل الإسرائيلي إيلي نيسان إلى أن إسرائيل تتخذ إجراءات احترازية لعدم إعطاء أي فرصة لإيران للقيام بعمليات انتقام ضد مصالحها، ضمن خطتها الوقائية الراهنة.

أما الباحث في معهد أبحاث السياسات التطبيقية، فقال إنه “من المهم الانتباه إلى حقيقتين، أولاهما حدوث تسريب غير مؤكد للصحافة مفاده أن طهران تناقش إمكانية شن ضربة على أراضي أذربيجان، حيث توجد مواقع إسرائيلية”.

واستنادا حتى إلى الاحتمال الافتراضي لمثل هذه الضربة، دعت إسرائيل إلى مغادرة أراضي المنطقة، وفق “ميلكونيان”، الذي أضاف أن هذه الدعوة لم تشر على وجه التحديد إلى الأفراد العسكريين في أراضي جورجيا وأذربيجان، لأن إسرائيل ليس لديها قواعد عسكرية رسمية في هذين البلدين، لكن ربما أشارت إلى المواطنين الإسرائيليين الذين شاركوا في الأعمال العسكرية في قطاع غزة وهم جنود احتياط، وبذلك أصبحوا هدفا محتملا لإيران.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version