واشنطن- كشف الرئيس جو بايدن النقاب عن إستراتيجية إدارته الجديدة لمكافحة ما تسمى “معاداة السامية”، التي وصفها بأنها “الجهد الأكثر طموحا وشمولا الذي تقوده الحكومة الأميركية لمكافحة معاداة السامية على مدار التاريخ الأميركي”.
وشهدت الأعوام الأخيرة ارتفاعا كبيرا في الحوادث التي صنفت بأنها “معادية للسامية” في الولايات المتحدة منذ أن بدأت رابطة مكافحة التشهير “إيه دي إل” (ADL) في تسجيلها عام 1979. ووجد تقرير المنظمة أن هذه الحوادث بما فيها “الاعتداء والتخريب والمضايقة” زادت بأكثر من الثلث في عام واحد فقط، ووصلت إلى ما يقرب من 3700 حالة عام 2022.
وفي معرض تقديمه الإستراتيجية التي جاءت في 60 صفحة، قال دوغ إمهوف، زوج نائبة الرئيس كامالا هاريس وهو يهودي، “أعرف الخوف، أعرف الألم، أعرف الغضب الذي يعيشه اليهود بسبب وباء الكراهية هذا”، مضيفا “باختصار، هذه الخطة ستنقذ الأرواح”.
ويبلغ عدد اليهود الأميركيين نحو 9 ملايين ويشكّلون 2.4% من سكان الولايات المتحدة، لكنهم واجهوا 63% من جرائم الكراهية ذات الدوافع الدينية المبلّغ عنها، وفقا لمكتب التحقيقات الفدرالي “إف بي آي” (FBI) لعام 2021.
ويرجع كثير من المحللين هذه الزيادة إلى تأثير الرئيس السابق دونالد ترامب، وترويجه لجماعات تؤمن بسمو الجنس الأبيض، وفي الوقت ذاته تكن “العداء” لليهود الأميركيين.
وجاء إصدار الإستراتيجية الوطنية لمكافحة “العداء للسامية” بعدما طالب عدد من أعضاء الكونغرس بتطوير إستراتيجية وطنية ضد كراهية اليهود، خاصة مع ما يرونه من تصاعد لمظاهرها، و”تكرار نظريات المؤامرة المعادية لليهود”، على حد قولهم.
وتمّت صياغة الإستراتيجية بمدخلات من أكثر من ألف من أعضاء الجالية اليهودية وأعضاء الكونغرس والشركات والمجتمع المدني والمسؤولين المحليين، وممثلي الديانات الأخرى. وأكدت التزام الولايات المتحدة الثابت بدعم “وجود إسرائيل وشرعيتها وأمنها”.
معضلة التعريف
تستخدم وزارة الخارجية والوكالات الفدرالية الأخرى تعريفا “لمعاداة السامية” وضعه “التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA)”، ويقول إن “معاداة السامية هي تصوّر معين لليهود، ويمكن التعبير عنه على أنه كراهية تجاه اليهود. والمظاهر الخطابية والجسدية لمعاداة السامية موجّهة نحو الأفراد اليهود أو غير اليهود أو ممتلكاتهم، نحو مؤسسات الجالية اليهودية ومرافقها الدينية”.
ويشمل الجزء الثاني من التعريف 11 مثالا معاصرا على استخدام “معاداة السامية” في الممارسة العملية، 7 منها تتعلق بإسرائيل. من هنا، يُعد تبني الحكومات والمنظمات والمؤسسات المختلفة لهذا التعريف وسيلة يمكن أن تضع بشكل فعال حدودا لانتقاد إسرائيل، سواء كانت انتقادات لسياساتها أو تعليقات تعبر عن معارضة الصهيونية، أي الأيديولوجية التي قامت عليها دولة إسرائيل.
ولكن إستراتيجية البيت الأبيض لم تتبن تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست حصريا، حتى بعدما ضغطت المنظمات اليهودية الأميركية الشهيرة مثل رابطة مكافحة التشهير واللجنة اليهودية الأميركية.
واستخدمت إستراتيجية البيت الأبيض تعريفات متعددة للعداء للسامية، وأشارت إلى تعريف وثيقة “نيكسوس” (Nexus) وغيرها التي لا تضع انتقاد السياسات الإسرائيلية ضمن “العداء للسامية”.
وأكدت الإستراتيجية “من جديد التزام الولايات المتحدة الذي لا يتزعزع بحق دولة إسرائيل في الوجود، وشرعيتها، وأمنها – وتوضح أنه عندما يتم تمييز إسرائيل بسبب الكراهية المعادية لليهود، فهذه معاداة للسامية”. إلا أن الإستراتيجية لم تجعل من انتقاد الصهيونية (الأساس الذي قامت عليه دولة إسرائيل)، ضمن تعريفات العداء للسامية.
ودفع ذلك بعدد من المنظمات اليهودية للتعبير عن قلقها بشأن التعريف المعتمد، على الرغم من ترحيب معظمها بإستراتيجية الرئيس بايدن غير المسبوقة بهذا الخصوص.
وقال مسؤولون كبار في المنظمات اليهودية الأميركية إن إستراتيجية البيت الأبيض “تفوق التوقعات”، لكنهم قلقون من أن “معاداة الصهيونية لا ينظر إليها بالضرورة على أنها معاداة للسامية”، وفقا للإستراتيجية الجديدة.
محاور إستراتيجية بايدن
ترتكز هذه الإستراتيجية على 4 محاور، هي:
- زيادة الوعي وفهم “معاداة السامية” وتقدير التراث اليهودي الأميركي.
- تحسين سلامة وأمن الجالية اليهودية.
- مخالفة “تطبيع معاداة السامية” ومكافحة التمييز المعادي للسامية.
- بناء التضامن المجتمعي والعمل الجماعي لمواجهة “الكراهية”.
وتدعو الإستراتيجية شركات التكنولوجيا لوضع سياسة تواجه خطاب الكراهية على منصاتها لضمان أن خوارزمياتها لا تنقل هذا الخطاب والمحتوى المتطرف إلى المستخدمين، والاستماع عن كثب إلى الجماعات اليهودية لفهم أفضل لكيفية مواجهة ظهور “معاداة السامية” على منصاتها.
وتضمّنت الإستراتيجية توجيهات لوزارة التعليم وللمدارس الحكومية بضرورة تضمين تدريس “الهولوكوست” ضمن مناهجها، وتذكير التلاميذ “بخطورة الانزلاق” وراء نظريات المؤامرة المنتشرة بشدة على منصات التواصل الاجتماعي.
وفصلت الإستراتيجية 100 إجراء ستتخذها الوكالات الحكومية لمواجهة “معاداة السامية”، بالإضافة إلى أكثر من 100 دعوة للعمل في الكونغرس وحكومة الولايات والحكومات المحلية والشركات ومنصات التكنولوجيا، والمجتمع المدني، والقادة الدينيين، وغيرهم.
العداء للسامية وحق انتقاد إسرائيل
استخدمت اللوبيات الصهيونية والدبلوماسية الإسرائيلية والداعمون لها في الولايات المتحدة وخارجها في السنوات الأخيرة مصطلح “معاداة السامية” على نطاق واسع وبعيدا عن سياقه الذي بدأ به في نهاية القرن الـ19 وهو “الكراهية لليهود”، وإضافة لذلك أصبح الاتهام بـ”العداء للسامية” سلاحا يُستخدم لإسكات الأصوات المنتقدة لإسرائيل، والداعمة للحقوق الفلسطينية.
ويرى التيار التقدمي الأميركي أن تعريف تحالف إحياء الهولوكوست تم استغلاله من قبل الحكومة الإسرائيلية وأولئك الذين يدافعون عن سياساتها وأفعالها لاستهداف منتقدي سياساتها، ومن يدافعون عن الحقوق الفلسطينية.
ومن اللافت أن البيت الأبيض قدم تعريفه الخاص لمعاداة السامية، وقالت الإستراتيجية إن “معاداة السامية هي تصوّر نمطي وسلبي لليهود، ويمكن التعبير عنه على أنه كراهية لليهود”، وذلك من دون ذكر إسرائيل.
في الوقت ذاته، يربط بعض الساسة الأميركيين بين الدعم الكبير الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل، ورفض فئة كبيرة من الأميركيين مواقف وسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بحق الفلسطينيين.
وعلى سبيل المثال، اعتاد السياسي الجمهوري الشهير بات بوكانان، وهو مرشح سابق للرئاسة، أن يجادل بأن علاقة أميركا الخاصة مع إسرائيل هي نتيجة سيطرة اليهود على وسائل الإعلام والشأن السياسي، واعتبر أن اليهود “يجرّون أميركا إلى عداوات ونزاعات خارجية ليست من شأننا”.